رد على الدكتور عطية عدلان في حق الكد والسعاية المعروف بالمغرب(1)

21 فبراير 2022 10:40
الديمقراطية وحكم الأغلبية

هوية بريس – الدكتور أحمد كافي

قرأت للدكتور عطية عدلان مقاله المعنون:”حق الكد والسعاية…حقيقة أم دعاية؟ وقد ركز فيه فضيلته ـ إن نحن تجاوزنا الهوامش والاستطرادات التي لا تدخل في صلب الموضوع ـ على ما يلي:
أولا: لم يرد في كتاب ولا سنة ما يسمونه ب: حق الكد والسعاية”، ولم يأت به شرع من أي مصدر من مصادر التشريع الإسلامي المعروفة، ولم يقل به أحد من العلماء من أي مذهب من المذاهب أهل القبلة سنيهم أو شيعيهم أو إباضيهم أو زيديهم أو ظاهريهم بأن للزوجة حق في الشريعة اسمه حق الكد والسعاية.
ثانيا: إن هي إلا فتوى يختلف في ثبوتها عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه في حالة خاصة عارضة استثنائية، وقد يكون أحد من متأخري المذاهب أفتى بها استثناء من الأصل.
ولنبدأ من هذه الدعاوى العريضة، والوثوقية التي تنم عن استقراء تام. وهو بعيد عنه كل البعد. ونبدأ من اعتراضه الثاني، حيث اعترض على القصة وتأولها تأويلا غريبا. ثم نثني عن شاء الله تعالى بالأول.

فتوى عمر بن الخطاب

وهو أثر مروي عنه رضي الله عنه في قصة لامرأة تدعى حبيبة بنت زريق وهي عمة عبد الله بن الأرقم، وكانت ذات يد نساجة تعمل الحرير وترقم الثياب والعمائم، وزوجها عامر كان تاجرا قصارا، وكلا الزوجين يعملان حتى اكتسبا من عمليهما مالا، فمات زوجها ولم يخلف أولادا، وترك أقرحة(المزارع التي ليس عليها بناء ولا فيها شجر) ودورا وأموالا وإبلا على الشياع. فأخذ ورثته من إخوته مفاتيح الخزائن، واقتسموا ذلك، فقامت عليهم حبيبة مدعية سعيها في هذه الأموال مع زوجها، وطالبت بحق كدها وسعيها ضدا على أهل زوجها الذين أرادوا أن يستبدوا بالمال تاركين لها نصيبها الشرعي: الربع من زوجها الذي لم يكن له الولد.
وحين رفعت أمر ادعائها إلى الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقضى بينهما بالشركة في هذا المال، فأعطاها نصف جميع المال سعاية، ثم الربع نصيبا بالإرث.

هذا نص القصة بالاختصار الشديد.

مصادر ورود القصة:

والقصة ورد ذكرها أو الإحالة عليها في المصادر الآتية:
** المختصر الكبير: لعبد الله بن عبد الحكم(ت214هـ).
** الوضحة: لابن حبيب القرطبي(ت237هـ).
** منتخب الأحكام: لابن أبي زمنين(ت399هـ).
** الإحكام في مسائل الأحكام: لأبي عمران موسى بن علي الزناتي(ت702هـ).
** النوازل: قاضي الجماعة أبو إسحاق بن عبد الرفيع التونسي(ت733هـ).

ومصنفات لا تحصى من كتب النوازل المغربية، تطلب في تحقيقنا للمسألة في بحث منشور بمجلة الفرقان المغربية العدد86. كما يطلب التحقيق في هذه القصة في كتاب الفقيه عبد الله بن الطاهر السوسي التناني في بحثه: ما روي عن عمر بن الخطاب في قضية الكد والسعاية” المنشور بمجلة المذهب المالكي العدد ثلاثون…

اختلاف في القصة:

وعجبي لا ينقضي من كونه يصرح بأن القصة مختلف في ثبوتها عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه في حالة خاصة عارضة استثنائية، وقد يكون أحد من متأخري المذاهب أفتى بها استثناء من الأصل.
ولا أدري على أي ميزان شرعي عول عليه الرجل في اعتبارها من الحالات الخاصة، وكثير من قضاة المغرب وفقهائه ومفتيه منذ قرون يقضون بها، ولا يعتبرونها خاصة لا عموم لمضمونها.
هذه دعوى بلقاء لا تصمد أمام البحث العلمي من خلال حقائق الشريعة التي سوف تأتي عن شاء الله تعالى.

علماء أهل المغرب أقوم بالقصة من غيرهم:

لقد اشتهرت القصة عند المغاربة بشكل مستفيض، وهم الأقدر على الحديث فيها بسبب كثرة التآليف القائلة بها أو المعارضة له، والإفتاء والقضاء بها . ولأنها أخذت زمنا طويلا عندهم في البحث والنظر والتقليب الفقهي قرونا متطاولة. وأما المشارقة فلا تسمع لها ركزا عندهم. ومن هذه التآليف التي خصت حق الكد والسعاية بالبحث نجد:
** ابن عرضون الكبير: للعلامة عمر الجيدي رحمه الله. تناول في فصل في كتابه نظرية الكد والسعاية.
** ألواح جزولة: للفقيه امحمد العثماني، أب الدكتور سعد الدين العثماني. وقد خصص مبحثا عن حق الكد والسعاية الذي يحكم به القضاة ويفتي به المفتون، وكان مما قاله:” فالجزوليون(منطقة سوسية) ـ حيث تخدم المرأة ـ يعطونها نصيبا في كل ما يدخل إلى المنزل إذا شاركت في تحصيله بأي وجه، بعد تقويم العرفاء. وبهذا يحكم قضاتهم: فكتب نوازل علماء جزولة زاخرة بأحكام السعاية. وهي لم تكن مستحدثة، وإنما جاء أصلها في الأثر عن عمر بن الخطاب”( ).
** فقه النوازل في سوس: للعلامة المرحوم حسن العبادي. تناول جملة من الفتاوى والأقضية في موضوع الكد والسعاية.
** عمل المرأة في سوس: للفقيه الحسن العبادي.
** إشكالية الأموال المكتسبة: للشيخ العلامة محمد التاويل رحمه الله.
** نظام الكد والسعاية/ الجزء الأول: نماذج من العمل القضائي المغربي: للأستاذ الملكي الحسين بن عبد السلام.
** نظام الكد والسعاية/ الجزء الثاني: نماذج من التراث الفقهي المغربي: للأستاذ الملكي الحسين بن عبد السلام.
** ذخائر من دفاتر علماء سوس: للفقيه رشيد بن محمد بن الحسن اليعقوبي رحمه الله.
** حق الزوجة في الكد والسعاية: الدكتور الميلود كعواس.
** الكد والسعاية وتثمين العمل المنزلي: للعبد الضعيف الدكتور أحمد كافي.
** النظام المالي للزوجين في الفقه المالكي ومدونة الأسرة: الدكتور الحبيب عنان.
** حق الكد والسعاية محاولة في التأصيل: عمر المزكلدي.
** ** دعوى الكد والسعاية: محمد كوجلي.
حق الكد والسعاية: الدكتور كمال بلحركة.
وإنما ذكرت بعضا من هذه الكتب المغربية، ولم أرد الإطالة بإحصائها والإتيان عليها جميعها، لأن هذا الموضوع الذي تناولت الأقلام هذه الأيام فيه غلط كبير، وغبش في الفهم ظاهر. فلعل هذه المصنفات تعين على الفهم أولا قبل اتخاذ رأي بالموافقة أو المخالفة.

مدونة الأسرة:

وقد أخذت مدونة الأسرة التي تولى تحريرها كبار علماء المغرب عام2004م، بروح حق الكد والسعاية في المادة 49، القائلة:” لكل واحد من الزوجين ذمة مالية مستقلة عن ذمة الآخر، غير أنه يجوز لهما في إطار تدبير الأموال التي ستكتسب أثناء قيام الزوجية، الاتفاق على استثمارها وتوزيعها.
يضمن هذا الاتفاق في وثيقة مستقلة عن عقد الزواج.
يقوم العدلان بإشعار الطرفين عند زواجهما بالأحكام السالفة الذكر.
إذا لم يكن هناك اتفاق فيرجع للقواعد العامة للإثبات، مع مراعاة عمل كل واحد من الزوجين وما قدمه من مجهودات وما تحمله من أعباء لتنمية أموال الأسرة”.

الفتاوى والأقضية:

أما الفتاوى والأقضية في موضوع الكد والسعاية فأكثر من أن تعد. تتحدث عنها وعن تأصيلها، وتكييفها، ومعايير القول بها. كل ذلك مذكور بحمد الله مسطور في كتب النوازل والأقضية المغربية. وهي ممهورة بخط كبار فقهاء المغرب في الجبال وسوس على وجه الخصوص. حتى قال العلامة أبو زيد عبد الرحمان الجشتيمي(ت1269هـ) في منظومته، باب المهر والجهاز والسعاية:
أما السعاية فأصل أمرها***أم حبيبة ففز بِخُبْرِها
كما أتى عن الخليفة عمر *** ففي نوازل الجبال قد ظهر

حق الكد والسعاية:

ومهما كان من القول في قصة حبيبة مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فإن إعطاء الحق لأهله لا يستبعد عندي صدور هذا الحكم عن الخليفة العادل.
وإن لم تكن ثابتة فإن الحق وإعطاءه لأصحابه قد شهدت له أصول الدين وفروعه ومقاصده، وهي قائلة به، ناطقة صريحة في الحديث عنه وإن لم يأت عن الفاروق في هذا الموضوع شيء.
قال الله تعالى:
* ﴿ يا أهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل وتكتمون الحق وأنتم تعلمون﴾[آل عمران: 154].
* ﴿ ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون﴾[الأعراف:181].
* ﴿ يا داوود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله﴾[ص:26].
* ﴿ وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالمَحْرُومِ﴾[الذاريات:19].
وقال صلى الله عليه وسلم: لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة، حتى يقاد للشاة الجلحاء، من الشاة القرناء”( ).
وفي حديث سلمان لأبي الدرداء: إن لربك عليك حقا، ولنفسك عليك حقا، ولأهلك عليك حقا، فأعط كل ذي حق حقه، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم، فذكر ذلك له، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: صدق سلمان”( ).
فالحق عندي لا يكلفني البحث عن دليل لإثباته، وعن نوازل ممارسته.

وتسألني عن الكد والسعي هل هو حق أم لا؟

عجيب من البعض هذا السؤال، لأنه إذا كدَّت المرأة بعرق جبينها في الخدمة الظاهرة(البيع والشراء، والنسج، وصناعة الفخار، والحلب، والدَّراس، والحصاد، والتدريس..أو أي عمل آخر نظير ما سبق)، وكانت هذه الخدمة لها ثمن معلوم، أو تتقاضى عليها ثمن معلوم، فبأي حق يستبد الزوج بعرق جبين زوجته أو أخيه أو خادمه…الخ. إذا اشتغلت المرأة في الخدمة الظاهرة لا الباطنة، فهل نأكل عرق الناس، أو نفتي لهم بذلك!!
أما قضاة المغرب وفقهاؤه فغالبهم يؤكد على حق الكد والسعاية عملا بقوله تعالى:﴿ وأن ليس للإنسان إلا ما سعى﴾[النجم:39]. فسعي الانسان له لا لغيره.
فالقاضي عيسى السكتاني السوسي(ت1062هـ) يقرر:” النصوص من الأئمة والسلف الصالح أن الزوجين إذا كانا معسرين ثم أيسرا بسعايتهما أنهما مشتركان فيما بأيديهما على قدر سعايتهما على مذهب ابن القاسم…وما اشتراه الزوج بعد تزويجه بزوجته أن الذي به الفتوى أنهما شريكان بالنصف أو ما تقتضيه شركتهما؛ إلا إذا اشترى أحدهما بمال أخذه من كميراث، فيكون أولى به على ما عليه فقهاء المغرب”( ).

ابن القاسم العتقي(ت191 هـ):

شيخ المالكية وتلميذ الإمام مالك الذي أحال عليه القضاة والمفتون المغاربة كما سبق في نص القاضي السكتاني وغيره من القضاة والنوازليين. حيث جاء قوله بالكد والسعاية في العتبية المعروفة في الفقه المالكي لأبي عبد الله العتبي القرطبي(ت255هـ)، النوادر والزيادات على ما في المدونة من غيرها من الأمهات: لابن أبي زيد القيرواني(386هـ): 9/ 110)، ومنتخب الأحكام: لابن أبي زمنين(ت399هـ): 1/ص170 ـ 171. «البيان والتحصيل: لابن رشد الجد(520هـ): 14/ ص179. والذخيرة للقرافي(ت684هـ): 11/ ص39.
جميعهم ينسبون لعبد الرحمن بن القاسم العتقيّ المصري حق الزوجة في الكد، وأنه إن كان الثوب له والصنعة منها فهما شريكان في حياتهما وحتى بعد موت الزوج.
جاء في البيان والتحصيل بصيغ متقاربة:” وسئل سحنون عن المرأة تنسج الثوب فيدعيه زوجها لنفسه يقول: إن الكتان لي، وتزعم المرأة أن الكتان لها ومن كتانها غزلته، فقال ابن القاسم: هي أولى بما في يديها مع يمينها، ولا حق للزوج في ذلك، إلا أن يكون له بينة، أو تقر له بأن الكتان كان له، فيكونان ‌شريكين ‌في ‌الثوب بقدر ما لكل واحد منهما؛ وكذلك أمرهما فيه بعد موت زوجها أنها مصدقة فيما بيديها مع يمينه”( ).
وللموضوع مزيد بسط وتوضيح في قابل المقالات
(يتبع إن شاء الله تعالى)

آخر اﻷخبار
2 تعليقان
  1. كل ما ذكرته هنا صحيح تشكر عليه غير مسألتين لا نوافقك عليهما:
    1- قولك: إن مدونة الاسرة شارك في اعدادها كبار علماء المغرب، فهذه شهادة زور، تسجل عليك، بل كبار علماء المغرب يعارضونها اشد المعارضة، وانا واحد منهم وان لم ابلغ في العلم ذلك المبلغ.
    وحاشا لعلماء المغرب ان يوافقوا على تحريف الشرائع المتعلقة بالاسرة
    2- مسألة الكد مسألة صحيحة ولا يتجه فيها خلاف فقهي؛ لأن اصول الشريعة قاضية بأن الانسان يملك سعيه… ولكن هذه مسألة حق يراد بها باطل وانت لم تنتبه لذلك، وهذا الباطل هو: ان تكون الزوجة شريكة في مال زوجها الذي اكتسبه من بعد زواجه حتى لو لم تشاركه الزوجة في الكد انما في القيام بامور المنزل فقه
    وهذا باطل، فما زالت نساء المسلمين يخدمن في البيوت ومع ذلك لم ينقل ان يكون لهن نصف التركة !
    وكان يجب عليك ان تنبه على هذا الباطل وتنسفه ولكنك لم تفعل

  2. وهناك من رد على الدكتور أحمد كافي:
    ردٌّ على الدكتور أحمد كافي على ردّه على الدكتور عطية عدلان في “حق الكدّ والسعاية”
    موقع رسالة بوست

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M