مسيرة النور.. احتفالية شعبية مغربية بحفظة القرآن الصغار (تمارة)

28 مايو 2018 17:41
مسيرة النور.. احتفالية شعبية مغربية بحفظة القرآن الصغار (تمارة)

هوية بريس – الجزيرة

يشع بريق خاص من عيني الطفلة المغربية رميساء الوكيلي وهي تقف إلى جانب زملائها في بهو مدرسة الحاج البشير للتعليم العتيق (التعليم الديني) بضواحي الرباط.

ترتدي رميساء قفطانا قرمزي اللون وتضع تاجا فوق حجابها، فهي اليوم واحدة من سلطانات الحفل الكبير الذي تنظمه المدرسة احتفاء بطلبتها العشرين الذين أتموا حفظ القرآن الكريم رواية وتجويدا.

بابتسامة تنير وجهها تحكي رميساء كيف قضت السنوات الماضية من عمرها الصغير في حفظ القرآن الكريم ومراجعته إلى أن تمكنت من تحقيق هدفها وهي في سن الحادية عشرة، وبفخر وتواضع تعزو الحافظة نجاحها إلى الله عز وجل ودعم الوالدين وجهود الأساتذة.

ومنذ ثلاث سنوات، بدأت مدرسة الحاج البشير تنظيم عرس قرآني كبير واستعراض بالشارع أطلقت عليه “مسيرة النور”، لتكريم طلبتها الذين يختمون القرآن والتعريف بالجهود التي تبذلها المدرسة في تعليم الأطفال وتدريسهم وفق مناهج تزاوج بين الديني والعصري، كما يقول مسيروها.

يتقدم المسيرة أطفال يحملون ألواحا خشبية مكتوبا عليها آيات بينات من الذكر الحكيم (الجزيرة)

احتفالية شعبية
أمام الشارع المحاذي للمدرسة يصطف العشرات من الطلبة وأولياء الأمور والأقارب وسكان الحي، في انتظار انطلاق مسيرة النور.

ويتقدم الاحتفالية أطفال يحملون ألواحا خشبية تزينها آيات قرآنية كتبت بالحبر، ويشكل التحفيظ بواسطة الألواح أهم مميزات تعليم القرآن وتحفيظه بالكتاتيب القرآنية.

ويصطف الصغار وسط المسيرة بملابسهم التقليدية الزاهية الألوان وهم يحملون بالونات حمراء تزينها نجمة خضراء تشير إلى العلم المغربي.

ووسط الزغاريد والصلاة والسلام على النبي محمد صلى الله عليه وسلم، يخرج الأطفال المحتفى بهم إلى الشارع، يركبون عربات تجرها الخيول وهي مزينة بسعف النخيل والورود، وتجوب المسيرة الشوارع المحيطة بالمدرسة على إيقاع أهازيج دينية وابتهالات وأشعار تتغنى بحامل القرآن.

وأطلقت المدرسة على هذا الفوج من حفظة القرآن اسم ” التهامي الراجي”، وهو واحد من شيوخ القراءات في المغرب مشهود له بتفانيه في خدمة القرآن وعلومه، توفي بداية العام الجاري.

يصطف الأطفال الذين أتموا حفظ القرآن الكريم في بهو مدرسة الحاج البشير استعدادا لانطلاق احتفالية مسيرة النور (الجزيرة)

سلطان الطلبة
وتكشف مسيرة النور ارتباط المغاربة بالقرآن الكريم وتكريمهم وتقديرهم لحفظته، كما يقول عبد الفتاح الفريسي مدير مدرسة الحاج البشير للتعليم العتيق وأحد القراء المغاربة المعروفين.

هذه الاحتفالية تحيي -بحسب المتحدث- تقليدا متوارثا، يعرف في قاموس الإقراء بسلطان الطلبة، والطالب في الثقافة المغربية هو الشخص الذي يتفرغ لطلب العلم وحفظ كتاب الله.

وتروي كتب التاريخ أن حكاية سلطان الطلبة تعود إلى القرن السابع عشر، عندما لم يجد السلطان العلوي مولاي رشيد غير طلبة زاوية (تكية) “الشيخ اللواتي” لدعمه ومساندته في التصدي للثائرين عليه.

واعترافا منه بالجميل، جمع السلطان طلبة القرآن الكريم وحفاظه وطلب منهم أن يختاروا من بينهم أنجبهم وأحفظهم ليُتوجه سلطانا يتقمص بشكل رمزي هذا الدور لمدة أسبوع، تعم خلاله الاحتفالات الدينية والثقافية.

ويتلقى سلطان الطلبة -بحسب المصادر التاريخية- هدايا من القصر، ويجول موكبه شوارع المدينة وأزقتها، ويستقبل سلطان البلاد ويعرض عليه حاجات الطلبة والناس.

وعلى امتداد قرون، لا يزال المغاربة في مختلف المناطق يتوجون حفظة القرآن سلاطين في احتفاليات شعبية في الشوارع والساحات والقاعات، لإظهار تقديرهم وتبجيلهم لهؤلاء الحفظة ومعلميهم.

الفريسي: التلميذ في مدرسة التعليم العتيق ينهي حفظ القرآن الكريم بعد خمس سنوات يقضيها في المستوى الابتدائي (الجزيرة)

تعليم ديني معاصر
واختارت أسرة رميساء الوكيلي إلحاق ابنتها بمدرسة للتعليم العتيق عوض التعليم العصري، وهو اختيار تتقاسمه مع العديد من الأسر المغربية التي ترغب في تمكين أبنائها من تعليم يزاوج بين الإلمام بالعلوم العربية والفقهية وحفظ القرآن الكريم والعلوم العصرية.

ووفق بيانات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية التي تشرف على هذا النوع من التعليم، فقد بلغ عدد مدارس التعليم العتيق 289 مدرسة يدرس بها قرابة 32 ألفا من الإناث والذكور 68% منهم في المرحلة الابتدائية.

وعرف هذا التعليم في السنوات الأخيرة إصلاحات واسعة مكنته من الاندماج في النظام التعليمي الرسمي، والاستفادة من المزايا التربوية التي يتمتع بها التعليم العمومي العصري.

ويدرس تلاميذ التعليم العتيق -وفق عبد الفتاح الفريسي- اللغة العربية والعلوم الشرعية والرياضيات والنشاط العلمي واللغات، إلى جانب مادة القرآن الكريم وهي مادة أساسية.

ويوضح الفريسي أن التلميذ في مدرسة التعليم العتيق ينهي حفظ القرآن الكريم بعد خمس سنوات يقضيها في المستوى الابتدائي، مشيرا إلى أن النتائج التي تحققها المدرسة التي يديرها وباقي مدارس التعليم العتيق تدل على أن المناهج التقليدية إذا وجدت من يدعمها ويجددها فيمكن أن تشكل بديلا تعليميا قويا.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M