مهلا لشكر؛ إنه قضاء الله وحكمه.. فكفى اعتراضا؟!

25 أبريل 2021 16:06

هوية بريس – نور الدين درواش

مرة أخرى يأبى إدريس لشكر الأمين العام لحزب الاتحاد الاشتراكي إلا أن يثير زوبعة جديدة بدعوته لمراجعة أحكام الإرث ودعوته للمساواة فيه بين الجنسين.

والمفروض في السياسي الذي يمثل الشعب حقيقة؛ أن يعبر عن هموم الأمة؛ وأن يوصل نبضها وصوتها وأن يعبر عن مطالبها، وأن يعيش معاناتها، وأن يسعى في حل أزماتها، لا أن يسبح ضد التيار ويغرد خارج السرب، ويعاكس إٍرادة الأمة ويعبر عن أفكار لا تمت لعقيدتها وهويتها وانتمائها الديني بصلة.

ولكي نضع القضية في نصابها الصحيح لابد من التنبيه على أن الخلاف مع أصحاب هذه التصريحات ليس خلافا ضيقا منحصرا في مسألة أو اثنتين بل هو خلاف في منهج الحياة و(فلسفة الوجود).

فنحن نؤمن بأن الله هو ربنا، وهذه الكلمة بما لها من الحمولة المعنوية الشرعية تعني أنه سبحانه وتعالى هو خالقنا ورازقنا ومالكنا والمدبر لأمورنا، ومادام سبحانه وتعالى كذلك؛ فنحن نأتمر بأمره وننتهي بنهيه ونقف عن حدوده ونتحاكم لشريعته، ونرى ذلك من لوازم الإيمان بربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته سبحانه وتعالى.

وأننا سائرون إليه فمجاز المحسن على إحسانه والمسيء على إساءته.

ولهذا قال العلامة ابن باديس: “وَمِنْ تَوْحِيدِهِ تَعَالَى: تَوْحِيدُهُ فيِ شَرْعِهِ فَلَا حَاكِمَ وَلَا مُحَلِّلَ وَلَا مُحَرِّمَ سِوَاهُ، لقَوْلِهِ تَعَالَى: (‌أَلَا ‌لَهُ ‌الْخَلْقُ ‌وَالْأَمْرُ)، (إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ)، (وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ )”[العقائد الإسلامية، ص: 85]

فحاكمية القرآن فوق كل حاكمية وأحكامه لا تعلو عليها عند المسلمين أحكام أبدا، لأنها من عند عليم خبير سبحانه وتعالى، فهو الخالق للبشر والعليم بما يصلحهم في معاشهم ومعادهم: (أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) الملك: 14.

وهذا المعتقد من لوازم دستور المغرب الذي ينص على إسلامية الدولة، وقرره ملك البلاد حين قال: “إن الملك لا يحل حراما ولا يحرم حلالا”.

وهذا الذي أقرره يعد من المسلمات عند عموم المسلمين فهل يشاركنا فيه الأستاذ إدريس لشكر ومن على منهجه؟

الجواب: لا.

ولهذا فالصراحة في مخاطبة المغاربة تقتضي أن يجلي هذا الأمر أصحاب هذه المدرسة وأن لا يختبؤوا في الجزئيات لتشتيت الأفكار والتشويش على الأذهان.

فالعلمانيون في المغرب كما في غيره لا يسلمون بوجوب التحاكم إلى القرآن ولا يرون لأحكامه قوة بل يرون وجوب تقديم الأحكام الكونية والمواثيق الأممية ويرفعون شعار الاقتداء التام بالقوانين الغربية.

فمنهج الاستدلال وأصوله مختلفة بين المرجعيتين، فنحن نستحضر أن آية المواريث في سورة النساء التي افتتحها الله تعالى بقوله: (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ ۖ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ …) قد اختتمها بقوله:(فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا).

قال ابن كثير: “هذا الذي ذكرناه من تفصيل الميراث، وإعطاء بعض الورثة أكثر من بعض – هو فرض من الله حكم به وقضاه، والله عليم حكيم الذي يضع الأشياء في محالها ، ويعطي كلا ما يستحقه بحسبه”.

فكيف يجرأ القوم على الحكم بعد حكم الله والقضاء بعد قضاء الله والاستدراك على الله سبحانه وتعالى، بل معارضة إرادته ومعاكسة شرعه، وبحسب المرء شرا أن يكون هذا حاله !!!

وإذا كان القانون الوضعي يمنع الاعتراض على أحكام القضاء الوضعي أو معارضتها، فكيف بقضاء الله الشرعي وحكمه القطعي الذي ارتضاه لعباده إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

قال العلامة محمد المكي الناصري تعليقا على آية المواريث: “وهكذا نلمس إلى أي حد بلغت عناية الحق سبحانه وتعالى بالأسرة المسلمة، فهو يصدر أوامره ووصاياه من فوق سبع سماوات لتنظيم شؤونها في الحياة وبعد الممات، مما يعطي الدليل القاطع والبرهان الساطع على أن هذا المجال الحيوي قد تفرد فيه الحق سبحانه وتعالى وحده بالاختصاص دون غيره، بحيث لا يمكن أن يتدخل فيه الغير، فضلا عن أن يدخل عليه أي تبديل أو تغيير.” [التيسير في أحاديث التفسير(1-317)].

ومما يؤكد هذا المعنى ما رواه أبو أمامة الباهلي- رضي الله عنه – قال: سمعتُ رسولَ الله – صلى الله عليه وسلم- يقول: «إنَّ الله قد أعطى ‌كلَّ ‌ذي ‌حقٍّ ‌حَقَّه، فلا وصية لوارث» أخرجه أبو داود 2870.

فالله قد أعطى كل ذي حق حقه، وقسم الميراث بالحكمة والعدل (فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ) يونس: 32.

ثم لماذا يكرر العلمانيون هذا المطلب وكأنه الشغل الشاغل لنساء المغرب، وأنه بتحقيقه سوف تحل كل المشاكل وتنتقل المرأة من حياة الضنك والضيق والشظف إلى العيش الكريم بل النعيم والراحة والسعادة والكمال المطلق!!!

إن الواقع في واد وهموم الطبقة العلمانية في واد أخر.

إن مشكلة المرأة المغربية المسلمة، لا صلة لها بهذا الأمر وهو ليس مطلبا لها ولم يكن يوما مطلبا لها ولن يكون، وإنما تطالب به فئة قليلة شذت في الفكر واتبعت سبيل الأمم الأخرى غير المسلمة، فانحرفت فطرتها وتنكرت لدينها وهويتها وهذه الفئة لا تشكل أي رقم يذكر في نساء المغرب.

ألا يعلم لشكر أن مشكلة المرأة المغربية تكمن في سبل تحقيق العيش الكريم الذي تتمناه وتحلم به أكثرهن ولما يجدن أدنى شروطه وظروفه وأسبابه.

ألا يعلم أن مشكلة المرأة المغربية في الفقر والحاجة الذي تعاني منه نسبة كبيرة منهن وليس في موضوع المساواة في الإرث.

ألا يعلم أن مشكلة نسبة كبيرة من النساء المغربيات في القرى الفقيرة وفي الأحياء الفقيرة والهامشية تكمن في طريق تحصيل كيس دقيق وقنينة زيت وعلبتي شاي وسكر.

ألا يعلم أن مشكلة المرأة المغربية في التطبيب والدواء الذي لا تجده بالشكل المقبول الأدنى في ربوع كثيرة من وطننا الحبيب.

ألا يعلم أن مشكلة طائفة كبيرة من نساء المغرب ليس في المساواة الإرث وإنما في طريق تحصيل واجب الإيجار السكني مع كونه لا يجاوز في كثير من الأحيان الألف درهم بل نصفها ومع ذلك لا يجدنه.

ألا يعلم أن مشكلة المرأة المغربية في التعليم والصحة والنقل والسكن والمعاش اليومي.

ألا يعلم أن المرأة في كثير من مناطق المغرب تحرم من نصيبها من الميراث بالكلية، فعن أي مساواة يتحدث؟؟

فعوض أن يسعى القوم في تحقيق هذه المطالب؛ نجدهم منشغلين بأمور لا تأثير لها على الواقع، لأن نسبة كبيرة من المغربيات لا ينتظرن وفاة الزوج أو الأب أو القريب وإنما هن يعانين الفقر والحاجة مع وجوده، وفي حال وفاته لا يرثن منه إلا الفقر والحاجة فعن أي مساواة يتحدث القوم؟

والمساواة في الإرث مع عدم إمكانية تحقيقها لمخالفتها للشرع والقانون، لن تنقل الفقير لدائرة الغني فإن أغلب من يعاني من النساء آباؤهم وأزواجهم ليسوا بأحسن حال منهن.

إن الزيادة في نصيب الابن على البنت في الإرث في النظام الإسلامي راجعة لطبيعة التكاليف المناطة بكل واحد منهما، فالابن عليه وحده شرعا وقانونا نفقة الزواج والمهر والسكن والنفقة طيلة مدة الزواج والمرأة ليست مطالبة بذلك وكل نفقة منها على زوجها أو أبنائها أو بيتها فهي غير ملزمة بها.

ثم إن المرأة ترث أكثر من الرجل في أحوال عدة في الشريعة الإسلامية، فلماذا لا يلتفت العلمانيون لهذا؟

آخر اﻷخبار
4 تعليقات
  1. جزاكم الله خيرا ونفع بكم
    هؤلاء يغطون على فشلهم السياسي وانقاذ هذا الشعب من براثن الفقر كما ادعوا بمطالبات يستجدون بها فئة معروفة لعلها ان تلقي في جيوبهم دراهم معدودات

  2. انهم المنافقون أصلا ولا علاقة لهم لا بالعلم ولا بالمعلومة، فهم خنجر في ظهر الامة والواجب فضحهم امام المجتمع المسلم وتبيان دسائسهم وحقدهم على دين البلد.

  3. يسمونه ” البوز ” ، و الحقيقة أن الكائنات الانتخابية متمثلة في ما يسمى رؤساء الأحزاب أفاقوا من سباتهم تمهيدا لجمع أصوات و شرائها … و هذا الكائن تفتقت عقبريته بنفض الغبار عن حزبه بهذه الطريقة الغبية ، أي اللجوء لأكثر شيء مثير للجدل للفت الإنتباه له !!!
    المشكلة أن هذه الكائنات لا تعلم أن الشعب عاف سماع شيء اسمه أحزاب أو انتخابات خصوصا و هو يعاني الأمرين لتحصيل قوت يومه في ظل الأزمة الخانقة . .. جهل مركب و غباء منقطع النظير و حمق لا دواء له .

  4. الهدف واضح هو استمالة النساء المصوتات اما آخر اهتمامهم هو الاحتياجات الفعلية للنساء والرجال مايهمهم هو المناصب .بالنسبة للهوية فأغلب ما يسمون بالحداثيين ان لم نقل كلهم فالولاء للمرجعية الكونية الوضعية وأن لم يقولونها بشكل صريح يمارسون التقية للهدف المذكور أعلاه

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M