هل يتم مسُّ شخصيات وقناعات شريحة المتدينين وإقصاؤها كليا بعد الإقصاء النسبي؟

17 يناير 2017 00:44
لهذا أدعو إلى ملء استمارة لمقاضاة صحافة البهتان

هوية بريس – وليد مسعودي

بسم الله الرحمان الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين.

أما بعد، فقد يتساءل قارئ العنوان قائلا عن أي إقصاء يتحدث؟ ولم هذا الكلام؟ وما علاقته بما نعيشه اليوم -من منع لبيع النقاب؟

فأجيب قائلا -وبالله التوفيق-:

1- فأما الإقصاء الأول -النسبي- الذي لا يحتاج إلى توضيح: فهو الذي يُمارَس على شريحة من الشباب والشابات -والذي أُعَدُّ واحدا منهم- من حاملي الشهادات في بعض التخصصات، إذ يتقدم الشاب بسيرته الذاتية لشركة من الشركات بحثا عن العمل فإما أن يمر اللقاء ويُعَبَّر له عن الإعجاب بسيرته الذاتية ثم تُقال له “الجملة المحفوظة” كما أحب تسميتها لكون صاحب اللحية حفظها لكثرة سماعها: سيرتك الذاتية ممتلئة جيدا، ومقابلتك مرت بشكل جميل، ولكن… بروتوكولات الشركة تمنع اللحية”، وإما أن يسمعها مباشرة بعد رؤية المستقبِل له لمظهره، وأقصد بالجملة المحفوظة ما يأتي بعد قول المستقبلات وغيرهن: “ولكن”.

“votre –cv- est bien rempli , votre entretien s’est bien passé, mais… les protocoles de l’entreprise interdissent la barbe !!! .”

وكأن هذا الشخص له لحية تصرخ بصوت كزئير الأسود مما سيؤدي إلى إزعاج الموظفين أثناء قيامهم بأعمالهم التي تحتاج إلى تركيز.

وكذلك الأمر بالنسبة للنساء المحجبات حجابا خاضعا لشروط الشرع يتعرضن لهذا الإقصاء، فنجد أن الشابة لن تُرفَض إن اكتفت بوضع قطعة ثوب على رأسها مع إظهارها بعض شعرها بالإضافة إلى وضع بعض مساحيق التجميل مع السراويل أو الألبسة الضيقة، لكن لما تدخل بالجلابة -أو العباءة- الواسعة مع غطاء شعر ساتر فإنها تسمع نفس ما يسمع الشاب الملتحي “الجملة المحفوظة”.

لكن مع تغير في لفظ “لحية” إلى عبارة “حجاب”:

“voile”.

مع أن المنطق يقتضي مراعاة الكفاءات لا الألبسة -ولا سيما لدى مدعي الحريات والتعايش والتقدم-، فكيف يدعي أصحاب هذه “البروتوكولات؛ كما يسمونها” التقدم والتطور وقبول الناس واحترامهم كيفما كانوا وهم يجعلون حق العمل حكرا على أناس معينين بأشكال معينة ومظاهر معينة وألبسة معينة؟؟؟

مما أدى إلى إقصاء شريحة بأكملها، ومما يوضح ذلك ما يُرى في بعض البيوت، فنجد فيها أختين شقيقتين -إحداهما محجبة، والأخرى غير محجبة- وقد اختلف تعامل هذه الشركات معهما، فغير المحجبة؛ المفتتنة بالموضة اللابسة في الشوارع والطرقات لباسا سمى الحبيب المصطفى -صلى الله عليه وسلم- لابساته “كاسيات عاريات” تحصل عل العمل بسرعة؛ ودون أدنى تردد تُقبَل وتُوَظَّف، أما المحجبة -حجابا خاضعا لشروط الشرع من كونه فضفاضا لا يشف ولا يكشف…- حتى وإن كانت شهادتها أعلى درجة من درجة شهادة أختها التي قُبِلَت: فإنها تُرفَض سامعةً “الجملة المحفوظة”.

وقد يُقال إني مُبالغ، لكن… سلوا العلماء وأهل الفقه الذين يتلقون الأسئلة دائما عن حلق اللحية للعمل في الشركات التي وافقت على كل شيء في ملفات الشباب السائلين ومواصفاتهم إلا اللحية، ولا أنسى أن والدي -حفظه الله- حدثني عن إحدى الحاصلات على الإجازة في الاقتصاد قائلا لي إنها رُفِضَت في كل محاولاتها للبحث عن عمل بسبب حجابها، وإنها في نهاية المطاف جلست تساعد والدها في محل يسترزق منه. ليشير لي في يوم إلى محجبة في محل قائلا: “أتذكر المجازة في الاقتصاد التي حدثتك عنها والتي…؟ ها هي”.

ومما يزيد تأكيد كون هذا الإقصاء مُتَعَمَّداً بعض المسائل، منها: كلام بعض الناس من المشوَّشين فكريا، كالمتحدثة التي قالت في قناة تلفزيونية -أُعِفُّ أناملي من كتابة اسمها- ما مغزاه: “إن هؤلاء الشباب الذين يلبسون الأقمصة -الفوقيات- ويدخلون المساجد ويقرؤون في المصاحف داخلها: لا مال لهم لمواعدة الفتيات ومجالستهن في المقاهي، وإلا لما فعلوا هذا”. وهذا يُرَدُّ عليه من أوجه، منها:

– أنْ يُقال إن هؤلاء الشباب يصلون لله الذي فرض على هذه المتحدثة وعليهم الصلاة، وقد أمرنا شرع الله الحنيف أن نُحسِن الظن بالناس وأن لا نتهم النيات وأن لا نغوص فيها ونفرنا من الشق على قلوب الناس.

– أنه إن كان المقصودُ كونَهم عاطلين عن العمل، فيقال لهذه المتحدثة: إن أغلبهم حُرِمَ ما لم تُحرَمْه هي. فربما الواحد منهم تخرج في نفس دفعتها، ولربما درس معها في نفس الفصل لسنوات، وهي اشتغلت -لانتفاء موانع القبول التي تخالف البروتوكولات- أما هو فسمع “العبارات المحفوظة”.

ونرى طائفة من الناس من أمثال هذه المتحدثة؛ يحتقرون أهلَ التدينِ ومظاهرِه الذين يمرون عليهم بسياراتهم الفخمة في الطرقات، ليظنوا أن هؤلاء المتدينين مجموعة من الفاشلين لكون كثير منهم لا يعمل ولا يمتلك ما يمتل هؤلاء من وسائل الترف، والواقع يشهد أنه قلما نرى محجبة أو ملتحيا -التحاء التدين- يمر بسيارة فخمة، فيقال لهم: إن الأمور لا تُقاس ولا تُرى هكذا إلا عند أصحاب العقليات المادية، وهذا يُذَكِّرُني موقفا حصل لداعية إسلامي فاضل مشهور مع أحد حاملي هذه العقلية وقد التقيا في الطائرة؛ فقال هذا الشخص للداعية: “أنتم متخلفون تريدون كذا وكذا…”، فقال له الداعية الفاضل -بارك الله فيه-: “أقدم لك نفسي: فلان الفلاني: حاصل على شهادتَي الماجستير والدكتوراه في علوم الرياضيات” فبُهِتَ صاحب التفكير السطحي ولم يتلفظ بحرف، ولو كان لديه ما يقول من الشهادات العلمية لقال -فيما يغلب على ظني-.

وقد يقول قائل: إن هنالك أناسا لم يعملوا ولم يتموا دراستهم، بل انقطعوا عن الدراسة والعمل بسبب بعض “الفتاوى” -التي لا ينبغي وصفها بالشرعية بحال- بحرمة ولوج كليات الاختلاط واعتزالها وإن لم يكن بديل في المجتمع.

فأقول: نعم هناك أناس آمنوا بهذا وجمدوا عليه وتعصبوا لمن أفتى به، بل وربما شنعوا على من ولج الكليات والجامعات، وليس المتدينين العاطلين عن العمل من الآخذين بهذه “الفتاوى”.

وسبق أن سمعت شابا درس معي في المستوى الثانوي يحكي عن حيثيات قبوله في بنك -ربوي، فكان مما قال إن أحد الأشخاص في هذا البنك –لا أذكره منصبه، أهو مدير أم مدير الموارد البشرية- قال له حين رأى رؤوس شُعَيْرات لحيته في وجهه بدارجة مغربية: “ما هذه اللحية؟ هل أتيت إلى هنا لتُؤَذِّن؟؟؟” أي: لتعمل مؤذنا.

وأتساءل قائلا: ها هي نسبة من الشباب من المفتتنين بالموضة ومن المتأثرين ببعض الممثلين وبعض أهل الغناء ولاعبي كرة القدم قد أعفوا لحاهم اتباعا للموضة وتقليدا لهؤلاء المشاهير، فهل سترفضونهم أيضا؟؟؟ أم أنكم قد تستعملون بعض القواعد والقرائن للتمييز بين الملتحي من باب الموضة وبين الذي أعفاها عبادة لله تعالى: كأن تقبلوا الملتحي الذي يحلق جانبي رأسه ويترك الفوق طويلا مع رسم خط، وترفضوا الذي يظهر أنه يفعل ذلك تدينا؟؟؟

2- وأما الإقصاء -الكلي- الذي أقصد: فهو أن يمر من خلاله المقصون من خطوة الإقصاء النسبي -الذي مر معنا- إلى إقصاء كلي؛ بمعنى: بعدما منعناكم من بعض الحقوق -التي منها حق الوظيفة- بسبب مظاهر التدين التي لا علاقة لها بالعمل وكفاءاته، نتدخل الآن في حريتكم في اللباس -وغيره- حتى خارج هذه الشركات، فلا تلبسي أيتها المحجبة كذا، أما المنتقبة فمن باب أولى، ولا تفكروا هكذا، ونمط عيشكم ينبغي أن يكون هكذا لا هكذا، بدءً بالمنتقبات ثم بعد ذلك تأتي خطوات أخرى بتسويغات أخرى يُرَوَّجُ لها في أبهى حُلَّة حتى يتم التدليس على كثير من الناس.

فهذا ما أحببت نَفْثَهُ من صدرٍ ضيقٍ حُزناً على ديني وبلدي الحبيب وأهل بلدي المسلمين الذين يُرَبون على علمانيةٍ منذ نعومة أظفارهم بطرق ممنهجة، وإخواني وأخواتي الذين يتم إقصاؤهم وظلمهم.

أصلح الله أحوالنا وصرف عنا الشرور وأهلها وحفظ لنا ديننا ووطننا.

وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.

آخر اﻷخبار
2 تعليقان

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M