تصهين الانقلاب الدموي اللامصري
ذ.الحسن العسال
هوية بريس – الإثنين 07 أكتوبر 2013م
منذ اللحظة الأولى للانقلاب ظهر تصهينه، لأنه لا توجد سلطة على وجه الأرض تحاور شعبها وتتواصل معه بالمنشورات عبر الطائرات إلا سلطات الاحتلال، لأن جسور التواصل تكون منفصمة، وحبال الحوار منقطعة، مادام العداء مستفحلا بين الاحتلال والشعوب عبر التاريخ، فكيف بسلطة تحاور شعبها بالمنشورات، إن لم تكن تعتقد في قرارة نفسها أنها سلطة انقلاب محتلة للشرعية، تنتهج أساليب الصهاينة في فلسطين المحتلة، وتتعامل مع الشعب الأعزل بأنه عدو مقاتل؟
وإلا لم اعتبرت مشاركة النساء في الاعتصامات والمظاهرات دروعا بشرية؟
كما اعتبرت حمل الأطفال للأكفان إعلان حرب عليها، عوض تفسير ذلك بالشكل الصحيح الذي يعني أن الإحباط وصل مداه عند هؤلاء الأطفال، أو قل عند ذويهم، إلى الحد الذي استهانوا فيه بأرواحهم، وحملوها رمزيا على أكفهم، عسى الانقلابيون أن يرعووا، ويعودوا إلى رشدهم، ويحسوا بقدر المعاناة والألم والجراح النفسية التي تسبب فيها لهذا الشعب المسالم.
ولأن قلوب الانقلابيين قلوب مريضة، ضاهت الصخر في قساوته، كما هي قلوب اليهود في فلسطين، لم يكتفوا بالمنشورات، ولم يفوا بوعودهم للمشايخ بعدم فض الاعتصامات، بل غدروا كما هو ديدن اليهود حتى مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وليتهم فضوها بالتدريج كما روجوا لذلك في إعلام المسيح الدجال الذي يوجهونه، بقطع الكهرباء والماء واستعمال خراطيم المياه التي قادت بعض مستعمليها من الشرطة ضد المتظاهرين في ألمانيا إلى السجن، لأنهم تجاوزوا في استعمال الماء الحد المسموح به!
لا شيء من هذا وقع، لأن الخسيس أشد غدرا وأكثر وحشية، وأخلص للطريقة الصهيونية التي يدافع عن حدودها الموهومة المزعومة مع سيناء، لذلك اقتحم الميادين السلمية بالرصاص الحي، والمحرم دوليا، ولأنه يتقمص زي المحتل فقد استعمل القنص طريقته الفضلى لإتمام غدره.
ولأنه مصاص دماء، لا يرتوي إلا بها فقد كسح الجثث بالجرافات، ولما ارتوى، عمد إلى حرقها، ثم أدلف إلى المساجد، ولم يراع لها حرمة، ولم ير فيها أي قدسية، فحاصرها، وداهمها، وأحرقها، ثم أغلقها، وبعد ذلك أوعز لوزارة محاصرة الإسلام، ليضفي الشرعية على ما اقترف، بمنع 55.000 خطيب من الصعود إلى المنابر بدعوى عدم أزهريتهم، وكأن عدم الأزهرية تخرج المرء من الملة، أو من دائرة العلم، إن كان من أهله، بمجرد فقده لتلك الصفة، ثم أصدرت هذه الوزارة قرارا بعدم إقامة الجمع فيما يسمى الزوايا، لترضية الانقلاب وليس لدواع شرعية، كما تريد أن تقنع بذلك نفسها، لأن العقلاء يعرفون الحقيقة المرة.
وكي يكون الانقلاب وفيا لتصهينه حتى النخاع، فقد اتهم الرئيس المختطف مرسيا بشرف التخابر مع حماس، وإذا وضعنا هذه التهمة المضحكة المبكية، في سياق الفرح الصهيوني بالانقلاب، والخشية من فشله، واعتبار ذلك أهم من “انتصار” 1967م، نرى قدر تصهين هذا الانقلاب.
ولم يقف تصهين الانقلاب عند هذا الحد، بل لجأ إلى هدم الأنفاق التي تمثل الشريان الوحيد والحيوي لأهل غزة، وتواصلهم مع الخارج مادامت اللقيطة الصهيونية والانقلاب معا، قد أحكما الحصار عليها، فالعمق الاستراتيجي الذي يمثله معبر رفح لمصر، جعل منه الانقلاب تهديدا لأمنه القومي، مما حذا به إلى إغلاقه، وهدم كل المنازل التاريخية المتاخمة للحدود مع غزة، بدعوى محاربة ما يسميه الإرهاب، التي ما هي إلا حرب على أهل سيناء الأباة الصامدين، الذين رفضوا الانقلاب من أول يوم، فشن عليهم حملة شعواء، قتل فيها الأبرياء، وهدم فيها المساجد، واعتقل فيها صحفيا يساند الانقلاب، لأنه كشف أكاذيبه، وخرج عن روايته الرسمية التي يغلفها التعتيم الإعلامي المطبق والمطلق.
ثم خرج علينا المتحدث العسكري باسم قوات الانقلاب، في معرض حديثه عن حملة مؤسسته الوحشية على الثغر الأهم المتاخم للعدو التاريخي، ليعرض خريطة لما سماه بؤر ا”لإرهاب” في سيناء الصامدة، وتبين أن هذه البؤر المزعومة كلها متاخمة لفلسطين المحتلة، وليس لغزة، مما يعني أنه يعمل خادما أرضى هو ومؤسسته العسكرية لدى الدولة اللقيطة.
ولأن اليهود يحتفون باليهود، فقد احتضنت الإمارات[1] الانقلاب المتصهين، وكانت قبل ذلك قد احتضنت شقيق العسكر أحمد شفيق، وكان الذي تولى كبر هذا الاحتفاء والاحتضان ضاحي خرفان، الذي خربش في “التويتر” قائلا: “لولا اليهود لركب العرب الحمير والبغال”، وكتب أيضا:”إذا أراد العرب أن يكون لهم شأن فليقلدوا اليهود”، وقال: “صنع اليهود للعرب السيارات، ولولاهم لكنا نقطع الأرض مشيا”، وكي يغطي على تبعيته وتصهينه قال: “أعلم أن الحقيقة مرة، وأن مدح اليهود لن يتحمله أصحاب العقول الصغيرة..ولكن الحق حق”.
فلو لم يكن عبدا متصهينا لما مدح العدو، وهجا “بني جلدته”، ثم ماذا فعل هو لإماراته المتآمرة على الشرعية، أم أنه يحسب أن إحداث الرفاه بأموال النفط، وبناء برج العرب بخبرة غربية هو الذي سيدخل دويلته إلى مصاف الدول المتقدمة التي تصنع كل شيء بيدها، ولولا النفط لكانت دويلته مثل مصر التي يريد السيسي إرجاعها إلى عصور العبودية، وصدق من قال: الطيور على أشكالها تقع، وكل إناء بما فيه ينضح، فأشكال هؤلاء أشكال يهود، وآنيتهم تنضح تصهينا.
وفكرهم احتلالي استخرابي، يستعملون فيه أسلوب: “رمتني بدائها وانسلت”، لهذا فإن الانقلاب داهم قرية دلجا، وادعى أنه خلصها من الاحتلال الإرهابي، في استقواء جبان وفظيع على قرية صغيرة لم تهدأ من المظاهرات والمسيرات منذ 30 يونيو المشؤوم، وكما قال المفكر والمؤرخ المصري محمد الجوادي: هل يعقل صرف مليون جنيه لقتل دجاجة؟! لأن السلاح الذي استخدم يكفي لتحرير فلسطين، مع أن أهل دلجا سلميون لم يبدوا أي مقاومة، وكل مداهمات العسكر في سيناء الصامدة، لم يظهر فيها أي اشتباك!
وإمعانا في التصهين فقد قامت حكومة الانقلاب بإرسال وفد مصري إلى فلسطين المحتلة، من أجل استجداء السائحين الصهاينة للذهاب إلى القاهرة وسيناء، لإنعاش السياحة المصرية التي تعيش أسوأ أيامها، مما انعكس على الوضع الاقتصادي المتردي أصلا، وفي هذا الصدد، فقد تسولمحمد حمدي ممثل الوفد المصري الصهاينة قائلا: “إن الغرفة التي كان يستأجرها السائح بقيمة 1200 دولا انخفضت إلى 800 دولار”. وفي المقابل فقد رد الانقلاب وديعة بملياري دولار لقطر، بدعوى “فشل” محادثات تحويلها إلى سندات!
ولأن مسلسل الغدر والتصهين لا ينقطع فقد استهدفت قوات الانقلاب مركبا فلسطينيا للصيد على الحدود البحرية مع غزة، كما تم استهداف زورق للاجئين الفلسطينيين والسوريين الفارين من أتون الحرب التي فرضها سفاح الشام على شعبه، فاستشهد لاجئان فلسطينيان، وأصيب عدد آخر برصاص الغدر الانقلابي.
ويواجه اللاجئون الفلسطينيون الفارون من سوريا إلى مصر أوضاعًا قاسية تفاقمت بعد اختطاف الرئيس محمد مرسي وإلغاء سلطات الانقلاب جملة تسهيلات كان أقرها مؤخرا لهم، فيما تصاعدت الحملة التحريضية من وسائل الإعلام بحقهم ما دفعهم إلى ترك مصر والبحث عن بدائل.
هكذا إذن، يظهر أن طاغية مصر الجديد متصهين حتى النخاع.
[1]والآن فقط تظهر حقيقة العجعجة التي أثارتها الإمارات حول اغتيال المبحوح على أراضيها، لتغطي عن تواطئها في ذلك الاغتيال