التربية والمجتمع أي بديل حضاري للإصلاح!

27 أكتوبر 2015 20:05
التربية والمجتمع أي بديل حضاري للإصلاح!

التربية والمجتمع أي بديل حضاري للإصلاح!

عبد الرحمان بنويس*

هوية بريس – الثلاثاء 27 أكتوبر 2015

التربية والمجتمع في الوقت الراهن تتطلب منا وفقة تأملية تعنى بدراسة مصطلحاتهما والوقوف عند دلالتهما المعنوية والمعيارية، والحق أن هذه القضية قد شغلت بال كثير من المهتمين والمتخصصين قصد إرساء عوالمهما والحسم فيها، إلا أن هذا الموضوع تراكم (معرفيا) فجعل الكثير من الباحثين بالشأن التربوي يتساءلون عن فحوى التربية وواقعها في المجتمع؟؟… وعن العلاقة الرابطة بينهما؟؟[1]

إن هذه الإشكاليات السالفة الذكر تجعلنا أمام حيرة وذهول نزيد من خلالها التفكير في إعادة طرح أسئلة تترى من قبيل: ما البديل الحضاري الذي يمكن أن يساهم في إصلاح المجتمع؟ وما الوسيلة التي تمكننا من إحضار هذا البديل؟ وكيف نوجه التربية لصناعة الحضارة داخل المجتمع؟

فالهدف من هذه الأسئلة وغيرها، هو الاستفادة من التراكم المعرفي في مجال التربية الاجتماعية، ومحاولة إيجاد الحلول التي قد تكون مساهمة وكفيلة بإصلاح المجتمع والرقي به نحو المجتمعات المتحضرة.

إن التربية الاجتماعية “تعلمُ مهارات أساسية ولازمة لاستمرار المجتمع، وتكون الوراثة دافعًا للتفكير والعمل الخلاق الذي يعد بدوره ضروريًّا للتغير الثقافي ، في الوقت الذي يكون فيه تغير الثقافة دافعًا لمزيد من التجديد والتغير”[2]. فالتعليم لا يمكن أن يتخطى التربية في بناء الشخصية والذات الإنسانية فحسب، بل يركز على صقل مهارات الفرد بأفكار متنورة تصير بعد ذلك حذقا بفعل الممارسة والمران عليها، أي إن الإتقان والإحسان في تمهير العقلية الإنسانية، يدفع المرء إلى التفكير الحر الذي ينأى عن الهدم، وبذلك يتحد لديه التفكير الخلاق الذي يعد عاملا مساعدا على التغيير والتحسين، والذي يبني منهجية عقلية وثقافية متنورة تطمح إلى تشكيل حزمة من الوعي الحضاري والتجديد الفكري والإبداع البشري بنسق إصلاحي.

ما العناية التي تسديها التربية إلى المجتمع؟

كإجابة عن السؤال “تعنى التربية بالسلوك الإنساني وتنميته وتطويره وتغيره أي أن هدفها أن تُنَقّل لأفراد الأجيال الصغرى المهارات والمعتقدات والاتجاهات وأنماط السلوك المختلفة التي تجعل منهم مواطنين صالحين في مجتمع ضامن للجماعة التي يعيشون فيها”[3] أي قادرين على تغيير أنماط من الأفكار المتحجرة التي تسعى إلى الإسقاط والهدم، “وبناء عليه فالتربية هي نظام اجتماعي يحدد الأثر الفعال للأسرة والمدرسة في تنمية النشء من النواحي الجسمية والعقلية والأخلاقية حتى يمكنه أن يحيا حياة سوية في البيئة التي يعيش فيها، فالتربية أوسعُ مدى من التعليم الذي يمثل المراحل المختلفة التي يمر بها المتعلم ليرقى بمستواه في المعرفة”[4] أي أنه يترقى في مسار التحول والتقدم لشخصنة وبناء الحضارة المجتمعية بفعل العلم والمعرفة.

وبذلك نكون أننا حاولنا جاهدين إلى ممارسة تربية عفوية وقصدية في آن واحد على أجيالنا.

ولا نقصد بالممارسة الإكراه تحت وطأة تحقيق مقاصد واهية، بالعكس نقصد بالممارسة السهر على التوجيه والتأطير والإرشاد لغرض آني ومآلي، هو إنشاء وتكوين إطار اجتماعي قادر على تسيير حياته وفق الواقع الاجتماعي بلا إفراط ولا تفريط.

إذن فما البديل الحضاري الذي يمكن أن يساهم في إصلاح المجتمع؟

إن الإجابة عن هذا السؤال تنحصر في تبني المنهج ، ذلك أن المنهج القرآني قد كفانا مؤنة البحث عن تشكيل الحضارة المترقية، من خلال بعض السور القرآنية والأحاديث النبوية التي تحث الفرد على التفكر في الإصلاح والإبداع باعتمادا وامتثالية الطاعة لله ورسوله وسبيل المومنين.

 “ولمَّا أن هناك علاقة بين الإبداع والجانب العقلي الذي هو مناط التكليف، وهو القوة التي يدرك بها الإنسان الأمور، وهو عامل أساسي في الجانب الإبداعي، فقد اهتمت التربية الإسلامية بهذا الجانب اهتماماً كبيراً، حفظاً وتنمية، وحذرته ومنعته من كل ما يحجبه عن معرفة الحق، أو يعيقه ويعطله عن دوره، بل جعلت حفظه أحد الضروريات الخمس التي لا يستغني عنها الإنسان.

كما أنها حددت للعقل مساره الصحيح، والحدود التي لا ينبغي له أن يتجاوزها، وجعلت الشرع نبراسه ونوره، وهو يسير خلفه وفي ضوئه، ويستنير بتوجيهاته.”[5] ولعل الداعم في ذلك إذا أحسنا صياغة محتويات التلقين، وأسلوب التربية والتعليم، وطرق التعليم والتدريس، والصدق في التقييم والتقويم بإصلاح آفات المجتمع الذي كدَّر بمشاكله حياة الناس فأعقبهم الجحيم الدنيوي.

ومما يحسن بنا باعتبارنا مربين ومجديين، هو حسن المعاملة مع توظيف التقنيات التربوية، وحسن إنزالها على الواقع وحقائقه، فوسيلة المدرسة التي أطَلْنَا عليها من جنب لا تكفي لصوغ تربية عالمة على المجتمع، وإنما يتطلب جهود باقي الشركاء الآخرين قصد المساعدة والتوجيه والتصحيح، ومن ذلك الأسرة باعتبارها الرعيل الأول للحضانة والقطف الدانية للطفل، إذ  يقضي معها أحلى أيامه أكثر من أي مؤسسة أخرى، فتعليم اللغة من جهتها، وتعلم النطق من لسانها، واللهجة من لكنتها، كما أن لأسلوب حديثها أثر بالغ الأهمية على النشء، لأنه يقتنص سلوكيات من خلال أفعالهم وتصرفهم.

إلى جانب الأسرة نجد مؤسسة المسجد، وبحقٍ فظهور أول حضارة إسلامية كانت مع مجتمع المسجد إذ يجتمع الفرقاء من مختلف الأجناس والأعمار فيتبادلون الأفكار والرؤى، ولعمري لقد كان المسجد في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم حضنا مؤسساتيا بامتياز، تمثل في اتخاذه مدرسة تكوينية، وبالفعل قد حقق مجموعة من الأدوار الهامة في حياة الحضارة الإسلامية المحمدية، كالإخاء والود والتواصل…

وبما أننا نعيش في عصر طغت فيه آلة التكنولوجية بشتى أنواعها، فهي أيضا مؤسسة تربوية لها حقها الخاص في تربية الناشئة، لكن شتان على وسائل طغت فيها الإباحيات على التوجيهات، والخراب على البناء [وإلى الله المشتكى] ولعل الذي يجمع تشكيل المحصلات التربوية هو دور الشارع الاجتماعي، لأنه فضاء خصب يقضي فيه الطفل وقتا مخصصا حينما يبلغ قسطا من العمر.

 فإذا حافظ الآباء على رعاية هذه التشكيلة التربوية، التي من خلالها نصبوا إلى تحقيق حضارة فكرية متقدمة يسمو شعارها بقوله تعالى على لسان صالح عليه السلام: “إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت“.

إذن فهذه المحصلات السابقة عن الرابطة العلائقية بين التربية والمجتمع “تقدم أصولاً تربوية عميقة الفائدة، لمن يسبر غورها، ففاقت جميع التربيات، وأصبح الإنسان مفتقراً إليها غاية الافتقار، ولا سعادة له في دار الدنيا والآخرة إلا بها”[6] وبذلك نطمح إلى إصلاح حضارة عمرانية أساسها المرجعي التربية الدينية كما ذهب ابن خلدون في مقدمته.


[1]– مقال بعنوان التربية والمجتمع أية علاقة للباحث عبد الرحمان بنويس بجريدة السبيل تحت عدد 187 10 جمادى الأولى 1436هـ- 01 مارس 2015.

[2]– دور التربية الأسرية في حماية الأبناء من الإرهاب لسارة صالح عيادة الخمشي 1/5.

[3]– دور التربية الأسرية في حماية الأبناء من الإرهاب لسارة صالح عيادة الخمشي 1/5. (بتصرف)

[4]– نفس المصدر السابق 1/6.

[5]التربية الإبداعية في منظور التربية الإسلامية لخالد بن حازم الخادمي 486.

[6]– المرجع السابق.

* طالب باحث. 

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M