أمريكا والشيعة.. تمدد من الشرق إلى الغرب

02 ديسمبر 2014 18:42
أمريكا والشيعة.. تمدد من الشرق إلى الغرب

أمريكا والشيعة.. تمدد من الشرق إلى الغرب

ذ. إبراهيم الطالب (مدير أسبوعية السبيل)

الثلاثاء 02 دجنبر 2014

«كي تبقى سيدا على عبيدك لا تجعلهم يتحدون، فاتحادهم تهديد لسيادتك، ولكي لا يتحدوا أبدا لا تجعلهم يعرفون الاستقرار والأمن، حتى لا يستغنوا عن قوتك ورأيك»، على هذا الأساس تشتغل أمريكا في سياسة الدول، تستغل خلافاتهم الحدودية وتنوعهم الإثني، وتدير صراعاتهم عن طريق تقارير خارجيتها وبنتاغونها ومراكز دراساتها الاستراتيجية.

تشجع استقلال الأقليات بدعوى حق تقرير المصير فتشطر دارفور عن السودان لإضعافه، وتفتت العراق إلى إثنيات متناحرة، في حين تبني دولتها على أرض الهنود الحمر، وتدبر تنوعا ثقافيا وعرقيا ودينيا ولغويا لشعب كله مهاجرون، يشكلون أكثر من خمسين ولاية، بلغ عددهم في عام 2010 نحو 308.745.538 شخص.

استنادا إلى قوتها العسكرية والاقتصادية والاستخباراتية، قسمت أمريكا العالم إلى أعداء تلعب بهم وبمصيرهم وتخيفهم من خلال مجلس الأمن، وحلفاء لها تتخذ منهم أصواتا مؤيدة لحرب من جعلتهم في خانة أعدائها ممن تعتبرهم دولَ «محور الشر» أو «الدول المارقة» أو «أعداء السلام العالمي» أو «أعداء أمريكا».

فبعد الإطاحة بالاتحاد السوفييتي، وانهيار الثنائية القطبية، وتصفية مخلفات الحرب الباردة، بدا واضحا أن أمريكا تسعى إلى خلق عدو جديد يسوغ لها تدخلاتها في العالم، واحتكارها للقرار الدولي، ليسهل عليها وضع الخريطة الجديدة لدول المعمورة.

الخريطة الجديدة استلزمت وجود لاعبين كبيرين على رقعة الشطرنج: التشيع والوهابية، فكانت الوهابية هي الكلمة التي لا يخلو منها تقرير صحفي أو استخباراتي، خصوصا بعد أحداث 11 من شتنبر 2001، حيث أصبح سكان العالم كله يحفظون هذه الكلمة على اختلاف لغاتهم، فكانت الوهابية حاضرة بشكل يومي في تحقيقات الشرطة كما في المقالات الصحفية والمؤتمرات الدولية الفكرية والسياسية على السواء، رغم أنها حليفة للدولة التي عرفت دعوة الشيخ المجدد بن عبد الوهاب.

أما التشيع فلم تحتج الإدارة  الأمريكية إلى التحذير منه أو الدعاية له، لأنه كان الفزاعة التي أرهبت بها دول الخليج والعرب أجمعهم، حتى تجندهم في دعم العراق لحرب 8 سنوات ضد إيران، التي خرجت منها الصفوية قوية قادرة على التفاوض مع أمريكا، فكانت الحليف الاستراتيجي للجيش الأمريكي في غزو أفغانستان والإطاحة بحكم طالبان وحرب القاعدة، وبعد إسقاط بغداد سلمت العراق لإيران وأصبحت شيعية، ليتمدد التشيع الصفوي مستكملا جسم ما يسمى الهلال الشيعي، ثم تلتحق اليمن بهذا الهلال فيتم تثوير المذهب الزيدي ليصبح امتدادا للثورة الصفوية في أرض لم تكن يوما شيعية جعفرية.

غضت أمريكا الطرف عن حركة «أنصار الله» الحوثية التي تعتبر استنساخا «لتجربة حزب الله» اللبناني الموالي لإيران؛ لتصنع واقعا على الأرض، تعتبره أمريكا شرطا لرسم خريطة المنطقة وفق ما تريده، هذا رغم أن الشيعة الزيدية عاشت دوما على خلاف عقدي دائم مع المذهب الجعفري الإثني عشري، حيث إن هذا الأخير لا يعتبر زيدا بن علي زين العابدين من الأئمة الإثني عشر المقدسين عند الصفوية.

لكن بمساعدة إيرانية ودعم أمريكي استطاع الحوثيون أن يكتسبوا السلاح والحماية ليقوموا بتثوير الزيدية على أهل السنة في اليمن، لتلحق اليمن السنية بالهلال الصفوي.

والعجيب أن دول الخليج التي أنفقت ملاييرَ ملاييرِ الدولارات على محاصرة المد الشيعي نراها واقفةً مكتوفة الأيدي، مذعنة لسياسة الأمريكان، بل الأعجب أن نرى هذه البلدان الخليجية تستبدل العداء للإخوان بالعداء للصفويين، تماشيا مع السياسة الخارجية الأمريكية التي ترعى الانقلاب في مصر، وتمكن للسيسي ونظام مبارك من جديد، والذي تستغله إيران في التغلغل داخل المجتمع المصري في تواطؤ مكشوف بين الصفويين والانقلابيين، الذين اتهموا الرئيس مرسي بالتخابر مع إيران، في حين نرى اليوم سلطات الانقلاب تجبر الدعوة السلفية على إلغاء مؤتمرها حول: «معا ضد خطر التشيع في مصر»، لتوضيح خطر الشيعة على الأمة الإسلامية، والذي كان من المقرر عقده في مسجد الدعوة السلفية بشبرا يوم الجمعة 31 أكتوبر الماضي، دون إبداء أسباب المنع.

الأمر نفسه حدث بالمغرب، حيث عمدت السلطات المغربية في مراكش إلى منع ندوة لجمعية منتدى الشروق تحت عنوان: «الشيعة عقائد وأفكار»، وقد كانت مقررة بدار الثقافة بالحي الحسني بمراكش يوم الأحد 23 نونبر المنصرم، في حين نرى السلطات المغربية تعترف بتيار شيعي مغربي، ممثلا في «الخط الرسالي بالمغرب»، وذلك بالترخيص لمركز بحثي تابع للشيعة المغاربة، تحت اسم «مؤسسة الخط الرسالي للدراسات والنشر».

الكل يعلم أن أمريكا تلعب بأمن دولنا ووحدتنا الترابية والعقدية وذلك على مرأى ومسمع من الكل، لكن لا أحد يجرؤ على الكلام، فمنذ الثورة الخمينية ونحن نسمع الموت لأمريكا، ونسمع من أمريكا الموت لإيران، لكن على الواقع تكبر أمريكا ويكبر الشيعة، ويزداد التنسيق بينهما على حساب الدول والشعوب السنية، تماماً كما وقع خلال الحرب الباردة مع الاتحاد السوفييتي الذي شق دول المسلمين إلى معسكرين متناحرين، وثالثة الأثافي هي أن أمريكا استطاعت أن تقنع العرب أن الإخوان المسلمين أكثر خطرا من الشيعة على عروشهم.

نعلم أن دولنا لا تستطيع قول: لا، لأمريكا، ولا تستطيع أن تقوم بما يخالف سياستها الخارجية، لكن السؤال الذي يبقى دون جواب هو: إلى متى؟

وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم.

[email protected]

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M