عقدة “بول البعير”!!
هوية بريس – ذ. إبراهيم أيت باخة
صار (بول البعير) عند كثير من ملاحدة البلاد الإسلامية ومن تأثر بهم، فكرة وفلسفة تحمل دلالات ترمز إلى التخلف والجفاء والأسطورة، فلم يعد البول مجرد إفراز تستقذره الطباع، بل صار يرمز –عندهم- إلى قذارة الفكر ونتانة العقل، ولم يعد البعير ذلك الحيوان الذي يعيش في الصحراء، بل هو ذلك الحيوان الإنسان الذي يعاني من قحولة العواطف وجفاء المشاعر.
(ثقافة بول البعير) أو (حضارة بول البعير) هكذا يعبر الملاحدة للتشويش على كل متحدث عن الحضارة الإسلامية والفكر الإسلامي، مستغلين في هذا ما هو راسخ في أذهان الناس وطباعهم، من استبشاع ونفور من هذه السلوكات، وما عندهم من فراغ علمي ومعرفي بدينهم، فيوهمونهم أن الإسلام إنما جاء يدعو أتباعه إلى شرب بول البعير وسبي النساء ورضاع الكبير ونحو ذلك.
وأصل القصة هو ما ورد في الصحيحين أن أناسا من عكل وعرينة قدموا المدينة فأصابهم مرض، فأشار عليهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يأتوا إبل الصدقة فيشربوا من ألبانها وأبوالها، فشربوا حتى برئوا وصحوا…
وليس في القصة ما يثير أو يستغرب، خاصة إذا تناولناها في سياقها الذي وردت فيه، غير أن الذين يصطادون في الماء العكر، أرادوا أن يختصروا الإسلام وقيمه وحضارته ورقيه وجمال تعاليمه في هذه القصة، بل في كلمة مجتزأة من كلماتها.
وحتى لو عرضنا هذا الموضوع – ألا وهو الاستشفاء ببول البعير- على المنطق السليم، والعقل المتزن، بعيدا عن عواطف التهييج والتهويل ودغدغة الأذواق، فلن نجد في الأمر ما يعاب أو يستشنع، والبيان فيما يلي:
1- شرب بول البعير إنما ورد في باب التداوي والاستشفاء، وليس في باب الأطعمة والأشربة، وشتان بين المقامين، فمقام التداوي لا تراعى فيه الأذواق، ولا يلتفت فيه إلى رغبات النفس، أو مستطيبات الطبائع، بل في غالب الأحيان تجبر النفس على ما تأنف منه أو لا تكاد تسيغه، وربما في أحايين أخرى ترغم على البتر والقطع والجراحة ونحو ذلك..
2- الأمر بالشرب من أبوال الإبل ليس على سبيل الأمر التشريعي، بل هو أمر عادة مرده إلى التجربة، وعلى هذا فلا يلزم أحد بفعله ولا تركه، وليس كل من جربه انتفع به، وذلك حسب أحوال الناس وأمراضهم، فكم من علاج يصفه الطبيب لمريضين بنفس المرض فينتفع به أحدهما دون الآخر، ولهذا نجد النبي صلى الله عليه وسلم حينما أرشد العرنيين إلى الشرب من أبوال الإبل قال (إن شئتم) على التخيير، كما في رواية مسلم.
3- النبي صلى الله عليه وسلم حينما أشار إلى شرب بول البعير على سبيل الاستشفاء، لم ينف كون ذلك مما تعافه نفس الإنسان، لذلك ورد الحديث عند البخاري بلفظ (فرخص لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأتوا إبل الصدقة، فيشربوا من ألبانها، وأبوالها) والترخيص يقتضي المنع من حيث الأصل، أي في غير حاجة الاستشفاء.
4- لو افترضنا أن الطب الحديث لم يثبت أي منافع صحية لأبوال الإبل، فإن ذلك لا يعني خطأ ما ورد في الحديث، إذ عدم العلم لا يعني عدم الوجود، ولم يدع أحد أن الطب قد وصل إلى منتهاه، وأدرك كل شيء، بل لازالت الدراسات والاكتشافات الطبية والعلمية تتوارد كل حين، وهذا لو سلمنا بهذا الادعاء، وإلا فقد أجريت عدة تجارب ودراسات من متخصصين، وأثبتوا فاعليته وقدرته على معالجة بعض الأمراض، منهم الدكتورة فاتن خورشيد، والدكتورة أحلام العوضي، و البروفسير أحمد عبد الله أحمداني، والمهندس محمد أوهاج وغيرهم.
5- الإسلام حينما رخص في استعمال هذه المادة، فإنه لم يدع –طبعا- إلى استعمالها في أي وقت، وعلى أي وضع، وبأي مقدار، وعلى كل حال، بل ذلك مسيج بالقواعد التي تنضبط لها المصلحة والمفسدة في مثل هذه الأمور، كـ (الضرورة تقدر بقدرها) و(لا ضرر ولا ضرار) وغيرها، وفي عصرنا الحاضر لا بد من ترشيد استعمالها، وتوجيه مستعملها من طرف المختصين.
6- في عصرنا الحاضر وفي الغرب المتقدم الذي يضرب به المثل في الرقي، نجد كثيرا من المؤسسات الرسمية وشركات إنتاج الأدوية، تعتمد مواد من هذا القبيل وفق دراسات طبية معتمدة، من ذلك مثلا الشركة الأمريكية Pfizer المشهورة بصناعة الكثير من الأدوية والعقاقير، من ذلك عقار Premarin المستعمل لتأخير سن اليأس عند النساء، ويتم استخلاصه من بول أنثى الفرس الحامل، فهل يصح أن نسمي حضارتهم بـ(حضارة بول الفرس)؟؟
7- في هذا العالم المتحضر بدأ العلماء يتحدثون عما سمي بـ(نقل البراز)، حيث يتم تزويد إنسان مريض ببراز إنسان سليم، وهذا أبشع ما يمكن أن يصل إليه الطب، ومع ذلك فقد أكد المتخصصون جدوى هذه العلمية، مع تحفظهم على قذارتها ووقعها على نفسية المريض، لذلك اقترحوا أن يطلق عليها (نقل البكتيريا) بدل نقل البراز.
8- في ذات العالم المتحضر نجد من يقدم مثل هذه المواد المستقذرة حتى في المأكولات والمشروبات، من ذلك:
– قهوة Kopi Luwak التي تعد من أغلى أنواع القهوة في العالم، حيث يفوق سعر الفنجان الواحد منها 50 دولارا، يتم إنتاجها في أندونيسيا وتستخلص من براز وفضلات حيوان من أنواع القطط يسمى الزباد.
– قهوة العاج الأسود، المستخرجة من براز وفضلة الفيلة في شمال تايلاند، وهي أيضا من أغلى أنواع القهوة في العالم إذ يصل سعر الفنجان الواحد منها 70 دولارا، وتنتجها شركة Black Ivory Coffee.
– مطاعم الحشرات: هذه المطاعم الفخمة التي صارت ظاهرة جديدة غزت بشكل سريع مختلف الدول والعواصم، مثل بريطانيا وفرنسا واليابان والصين وتايلاند وغيرها، وقد ذكرت منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة FAO في بعض تقاريرها (أن عالم الحشرات من الممكن أن يتيح إمكانيات واعدة إقتصادياً وتغذوياً للإنسان، على اعتبار أن أكثر من 1400 نوع حشري تُستهلك في جميع أنحاء العالم بانتظام كغذاءٍ للبشر) – موقع المنظمة-.
وأخيرا وبعد هذا البيان، فإن الذين يرفعون أصواتهم مستنكرين ومستبشعين للتداوي بأبوال البعير، إنما حملهم على ذلك موقفهم الرافض لكل ما له علاقة بالإسلام، لا الحرص على أذواق الناس، ولو كان الأمر كذلك لانسجم خطابهم، ولكان على مسافة واحدة من جميع هذه السلوكات والتصرفات.
والحمد لله رب العالمين.
احسن الله اليك استاذ ابراهيم اضافة الى ماذكره هناك ايضاً الهندوس مئات الملايين في الهند يشربون بول البقر تبركا حتى زعيمهم غاندي يفتخر بهذا ورغم هذا فان بني علمان لا يستطيعون القول عن امة الهند حضارة بول البقر