لا اتفاق عراقي على إخراج الأمريكيين من العراق (تحليل)
هوية بريس – الأناضول
تسود الأوساط السياسية والاجتماعية في العراق حالة انقسامٍ حادٍ في الموقف من الدعوات الإيرانية لإخراج القوات الأمريكية، وبدرجةٍ أقل الموقف من مشاريع يطرحها نوابٌ “شيعة” في مجلس النواب العراقي لحثّ الحكومة العراقية على الطلب من الولايات المتحدة بسحب جنودها من العراق.
وينظر سياسيون عراقيون مستقلون، أو معارضون، لحكومة عادل عبد المهدي إلى دعوات المرشد الأعلى علي خامنئي الأخيرة بوجوب إخراج القوات الأمريكية من العراق، بأنها تدخلات مرفوضة بالشأن الداخلي العراقي لا يجب السكوت عليها.
بعد انهيار القوات الأمنية وسيطرة تنظيم داعش على مدينة الموصل في يونيو 2014، عادت القوات الأمريكية إلى العراق لأغراض الحرب على الإرهاب، دون أنْ يوقع البلدان اتفاقية لتحديد مواقع انتشار هذه القوات، لذلك فإن الوجود الأمريكي في العراق جاء بطلب من الحكومة العراقية، وهي وحدها التي تملك قرار الطلب من الأمريكيين سحب جنودهم من العراق، وهو ما قد لا يتحقق دون ضغوطاتٍ تُمارسها كتل سياسية في البرلمان العراقي لاستصدار قرار يطلب من حكومة عادل عبد المهدي مخاطبة الإدارة الأمريكية لهذا الغرض.
وتعتقد جهات عراقية مقربة من إيران، أو حليفة لها، انتفاء الحاجة إلى الوجود الأمريكي في العراق بعد الانتهاء من قتال تنظيم داعش، وإنّ مثل هذا الوجود سيكون مكرساً ضدّ إيران خلافاً للأسباب الموجبة لطلب الحكومة العراقية بعد أحداث الموصل 2014 المساعدة العسكرية من الولايات المتحدة لقتال التنظيم.
وتصف فصائل الحشد الشعبي القوات الأمريكية بأنّها “قوّة احتلال” يتوجب عليها الانسحاب من العراق فوراً بعد أنْ انتهت من مهمتها في الحرب على تنظيم داعش؛ وتعتقد هذه الفصائل أنّ العراق لن يستقر أمنياً بوجود قوات أمريكية دخلت إلى العراق دون موافقة مجلس النواب العراقي في الوقت الذي تملك فصائل الحشد الشعبي ما يكفي من الأسلحة لقتال التنظيم ومواجهة تهديداته “المفترضة”.
وبعيداً عن العلاقات الاقتصادية بين العراق وإيران، وحاجة السوق العراقية إلى البضائع والسلع الإيرانية وإمدادات الطاقة الكهربائية والغاز اللازم لتشغيل محطات توليد الكهرباء وغيرها من الحاجات التي يجد العراق صعوبة بالغة في إيجاد بدائل عنها؛ فإنّ معظم الكتل السياسية الفاعلة في مجلس النواب العراقي تميل إلى تأييد السياسات الإيرانية وتناهض سياسات الولايات المتحدة في العراق.
مع بدايات انعقاد جلسات مجلس النواب منتصف أكتوبر من العام الماضي 2018، اتفق عشرات الأعضاء على تقديم مشروع قرار يقضي بانسحاب القوات الأمريكية بشكلٍ كاملٍ من العراق وفقاً لجدولٍ زمني محدد مسبقاً.
وسبق للمجلس في دورته السابقة (غشت 2014 – مايو 2018) أنْ صوّت في الأول من مارس 2018 على مشروع قرار يطلب من الحكومة وضع جدول زمني لانسحاب القوات الأجنبية من العراق؛ وفي الغالب فإنّ مثل هذه القرارات يتمّ طرحها من كتلٍ نيابية حليفة لإيران.
قادةٌ في الحرس الثوري الإيراني ومسؤولون آخرون، منهم المرشد الأعلى علي خامنئي، كرروا في مناسباتٍ عدّة عدم السماح للولايات المتحدة بالبقاء في العراق بعد انتهاء الحرب على تنظيم داعش، وعدم السماح للحكومة العراقية بالمساس ببنية هيئة الحشد الشعبي، أو تفكيك فصائله أو نزع أسلحتها.
وتحاول إيران استثمار أيّ لقاءٍ مع مسؤولين عراقيين لحثّهم على اتخاذ تدابير عاجلة لإخراج القوات الأمريكية من العراق.
المرشد الأعلى علي خامنئي في لقاء جمعه، السبت 6 أبريل، برئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي أشار إلى ضرورة التأكد من أنّ الأمريكيين سيسحبون قواتهم من العراق بأسرع ما يمكن، لأنّ طردهم سيكون صعباً عندما يستمر وجودهم العسكري طويلاً في العراق، أو في أيّ بلد.
ويعتقد علي خامنئي أنّ الأمريكيين لا يرغبون بوجود الحكومة والبرلمان والمجموعة السياسية التي تحكم العراق حالياً، ولذلك يخططون لإخراج هؤلاء من مضمار السياسة.
على الصعيد الرسمي لا تلقى دعوات خامنئي قبولاً إذْ يؤكد مسؤولون عراقيون، مثل رئيس الجمهورية برهم صالح، على عدم وجود معارضة للتواجد العسكري الأمريكي في العراق من منطلق “التوافق العام” على إنّ العراق بحاجة إلى تعاون مستمر مع القوات الأمريكية.
وتحاول الحكومة العراقية طمأنة الجانب الإيراني بأنّ العراق لن يسمح بموجب الدستور بأن تكون أراضيه منطلقاً للعدوان على أيّ دولة، وأنّ العراق “سيقف إلى جانب إيران ضدّ أيّ تهديدات تتعرض لها من أراضي أيّ دولة أخرى”، وفق تصريحات أدلى بها عادل عبد المهدي خلال لقائه بالرئيس الإيراني حسن روحاني في طهران، السبت 6 أبريل.
وهناك ثمّة إجماع لدى المسؤولين العراقيين على “تعزيز فرص التعاون مع جميع دول الجوار وعدم الدخول بمحور على حساب أيّة دولة ورفض سياسة المحاور” في رسائل يوجهها أولئك المسؤولون إلى دول الجوار العربي الحليفة للولايات المتحدة في مهمة التصدي للنفوذ الإيراني في العراق والمنطقة.
ومع تجدد دعوات أعضاءٍ في مجلس النواب العراقي لانسحاب القوات الأمريكية، تُصرّ الولايات المتحدة على عدم مغادرة العراق في المرحلة الراهنة على الأقل.
في مقابل ذلك، تواصل فصائل الحشد الشعبي الحليفة لإيران تهديداتها باستهداف القوات الأمريكية المتواجدة في العراق.
يمكن لإيران أنْ توجه القوات الحليفة لها بالعراق لاستهداف المصالح الأمريكية إذا اتبعت الولايات المتحدة سياسة أكثر “عدوانية” في تشديد العقوبات وإلحاق ضرر بالغ في بُنية الاقتصاد الإيراني والتسبب في اضطرابات داخلية تدفع الحرس الثوري لنقل ساحة المواجهة إلى العراق في محاولةٍ منه لخلق حالة التفاف شعبي حول القيادة الإيرانية في مواجهة عدوٍ يحاول تفويض الاقتصاد والدولة الإيرانية.
ويمتلك قادة الحشد الشعبي ما يكفي من القدرات العسكرية والنفوذ السياسي في مجلس النواب ومراكز صنع القرار في الحكومة المركزية لتبني مشروع إرغام القوات الأمريكية على الانسحاب من العراق، خاصة بعد انتهاء الحرب على تنظيم داعش، وهو موقف تدعمه إيران بقوة.
بعد تنامي حالة “العداء” الأمريكي لإيران والحرس الثوري بشكل خاص بعد إدراجه على لائحة الإرهاب، فإنّ المرحلة القادمة ستشهد المزيد من التحركات لإقرار سحب القوات الأجنبية، الأمريكية تحديداً، من العراق؛ وتنشر الولايات المتحدة 5200 جندي في العراق.
وسبق للقيادي في الحشد الشعبي هادي العامري أنْ هدّد بإسقاط أيّ حكومة عراقية يتمّ تشكيلها بتدخل أمريكي خلال فترة شهرين في لقاء جمعه مع المبعوث الأمريكي الخاص في 28 غشت 2018.
يبدو إنّ الدور الأمريكي في العراق بدأ بالتراجع التدريجي بعد الانتهاء من قتال تنظيم داعش رغم الإنفاق الأمريكي الهائل والدعم الجوي المباشر للقوات البرية في المعارك التي كانت فصائل الحشد الشعبي الجزء الأهم منها.
لاستعادة الدور الأمريكي والحد من النفوذ الإيراني في العراق والمنطقة، سيكون على الولايات المتحدة تعزيز وجودها العسكري بالمزيد من الجنود والمستشارين لاستكمال تدريب وحدات الجيش العراقي وفق عقيدة قتالية شبيهة بقوات جهاز مكافحة الإرهاب، القوة الوحيدة في هذا الوقت التي يمكن لها أن تتصدى للقوات شبه العسكرية التي تشكل تهديدا جديا للدولة العراقية، واحتمالات استهداف المصالح الأمريكية في العراق وجنودها في العراق وسوريا، أو تهديد دول أخرى حليفة للولايات المتحدة مثل السعودية والكويت انطلاقاً من الأراضي العراقية مع تصاعد حدّة التوترات بين الولايات المتحدة وإيران.