مليونية خلع الحجاب… وثورة اللامنطق
احسان الفقيه
هوية بريس – الخميس 25 يونيو 2015
في بلادنا.. للحضيض شموخه الخاص.. وللدجّالين مكانتهم.. وللانكسار محاسن كُبرى.. وللأسود نقيق.. وللثيران مُعجبات مُتطرّفات بإظهار التودّد..
* من يصدق أن الميدان الذي شهد قبل ستة وتسعين عاما أغرب الثورات التي عرفتها مصر والعالم الإسلامي العربي ( ثورة اللامنطق واللامعقول) التي خلَت من أي علاقة ظاهرية بين الفعل وأهدافه.. هو ذاته ميدان التحرير في القاهرة الذي اكتسى بعد ثورة الـ 25 يناير اسم ميدان الشهداء (رمز الثورة والحرية) في زماننا حيث العديد من الثورات والاحتجاجات التي انطلقت في مصر وألهبت قلوب الدنيا؟؟
لكل حكاية بداية:
البداية كانت تلك النخب التي سلبها الافتتان بالغرب هويتها، فسعوا لتغريب أوطانهم باقتباس القيم والعادات الغربية التي لا تتفق مع المكوّنات الثقافية للشعوب العربية التي تنبعث من هويتها الإسلامية.
كان من هذه النخب “قاسم أمين” الذي عاد من فرنسا ليبشر بعهد جديد للمرأة المصرية تسير فيه على خطى نظيرتها الفرنسية، ولو أدى ذلك إلى أن تدخل وراءها جحر ضُبّ.
فجّر هذا الرجل وهْم تحرير المرأة، وليته ثار ومن معه على الممارسات الخاطئة في تطبيق تعاليم الدين تجاه المرأة، لا على الدين نفسه وتعاليمه التي لا يصل إليها الخلل.
فصار محور قضية تحرير المرأة تحلّلها من حجابها ومزاحمة الرجال في الصالونات، وهكذا نحن دائما نقتبس من الغرب الطنين وقشّا يطفو بين الفقاقيع.. طبعا الذي شجّع قاسم أمين على المضيّ قُدما في دعوته: الزعيم المزعوم سعد زغلول.
وحتى تسعى المرأة بنفسها إلى تحرير نفسها، تولى هذه الدعوات هدى شعراوي التي عادت أيضا من فرنسا بغير الوجه الذي سافرت به، وصارت تقابل الرجال في الصالونات بغير حجابها، وتزعمت الحركة النسوية المزعومة، والتي وجدت أقلاما تروّج لها في الصحف.
تلك المرأة التي كان أبوها عميلا للانجليز، ومثلُها الأعلى مصطفى كمال أتاتورك، وقالت له وجها لوجه: أنت لست أبا الأتراك وحدهم، أنت أيضا “أتا شرق” بمعنى أبو الشرقيين.
وبينما كان الشعب المصري يثور على الاحتلال الإنجليزي فيما عرف بـ “ثورة 1919” كانت صفية زغلول تقود جمعا من النسوة إلى حيث ثكنات الإنجليز بميدان الإسماعيلية، وهو الاسم السابق لميدان التحرير.
وفجأة اندلعت الثورة.
كيف؟ بالرصاص؟ بالحصى؟ بالصراخ؟ بالهتاف؟
كل ذلك لم يكن، إنما خلع النسوة الحجاب وألقينه أمام الانجليز وأضرَمن فيه النار لكي يحصُلن على حريتهن.
فما العلاقة بين رفض الاحتلال وبين الحجاب، أهي ثورة على الأعداء أم ثورة على شعائر الإسلام؟
فأين موضع المنطق في ذلك الحدث؟
* الإجابة طالعنا بها قديما الأستاذ محمد قطب رحمه الله في كتابه “واقعنا المعاصر”، حيث قال: “لا منطق في الحقيقة! ولكن التجارب التالية علمتنا أن هذا المنطق الذي لا منطق فيه، هو الطريقة المثلى لمحاربة الإسلام… إن الذي يقوم بعمل من أعمال التخريب والتحطيم ضد الإسلام ينبغي أن يكون ” بطلا” لتتدارى في ظل “البطولة” أعمال التخريب والتحطيم!”.
عود على بدء:
وسعيا في إعادة مجد هدى شعراوي وصفية زغلول والمناضلات بنزع وحرق الحجاب، انبعث منذ أيام أشقى القوم، إعلامي مصري من أولئك الذين يفجُرون في الخصومة، وأراد أن يُقحم الحجاب في صراع زمرته المصفّقة الدائمة للسلطة الانقلابية ضد شرفاء مصر الرافضين للانقلاب، والذين اتّسع لهم مسمى “الإخوان” ذلك الوصف الذي صار فضفاضا يشمل كل من قال للظلم والجور: لا.
* وفي غمرة شعوره بالوطنية والحرص على أمن مصر القومي، أطلق الإعلامي الموهوب صيحته في وجوه المصريات للذود عن حياض وطنهم ضد إرهاب الإسلام السياسي.
كيف؟
على طريقة صفية زغلول وهدى شعراوي.
“نداء عاجل إلى نساء مصر: اخلعوا الحجاب، فهذه خير وسيلة للإعراب عن رفضكُنّ للإسلام السياسي”.
وهكذا يدعو شريف الشوباشي مرة أخرى إلى ثورة اللامنطق، فما هو دخْل تعاليم الإسلام وتشريعاته السماوية بتيار الإسلام السياسي؟ هل ذلك التيار هو من شرّع الحجاب؟
إذا كان الإسلام كمنهج شامل للحياة البشرية بجميع جوانبها يُحتّم أسلمة السياسة، فالشوباشي وأمثاله يسعون لتسييس الإسلام، وبما ينعكس على الإسلام او يقود الى هدمه.
* يذكرنا بتلك المسرحية الهزلية التي وقف خلالها أحمد بن بيلا يوم أن خاطب المرأة الجزائرية قائلا: “إن المرأة الجزائرية قد امتنعت عن خلع الحجاب في الماضي لأن فرنسا هي التي كانت تدعوها إلى ذلك! أما اليوم فإني أطالب المرأة الجزائرية بخلع الحجاب من أجل الجزائر!”.
وماذا تستفيد الجزائر من خلع النساء حجابهن؟ لماذا يتعاظم الغيظ في قلوبكم لحجاب المؤمنات؟ لماذا تُسخّرون الحجاب في معارككم السياسية؟
لماذا أيها الشوباشي؟
وعلى الفور دعمته وسائل الإعلام المناهضة للإسلام التي يرعاها نجيب ساويرس، ورجال الأعمال الموالون له أمثال طارق نور مالك قناة “القاهرة والناس”، ما حدا بالمفكر الإسلامي محمد حامد الأحمري إلى أن يقول: “مليونية خلع الحجاب نجاح هائل متتابع لساويرس في مصر. بعد دوره في استعادة العسكر وتدمير ديمقراطية مصر وخلع رئيسها.. هل سيخلع حجابها؟”.
من فتح الباب أولا؟
لقد كان ذلك الحدث أحد إفرازات الخطبة العصماء التي ألقاها كبيرهم “السيسي” خلال احتفالية المولد النبوي، والتي دعا فيها للثورة على النصوص، والخروج عليها، والنظر فيها من جديد.
من يومها، بدأ خط التطاول على ثوابت الدين في التصاعد، وصارت التشريعات الربانية حِمى مستباحا لكل مُغرض باسم تجديد الخطاب الديني استجابة لدعوة الرئيس المُلهم.
وأقول هنيئا للراهبات المصريّات اللاتي يرتدين الحجاب في مصر، فلن يطالهن وصف الإرهاب والتشدد، فهو وصف تم تفصيله على الجسد المسلم وحده، في ظل وجود أبواق إعلامية خاضعة للنظام أُشربت العلمانية، وتعمل شريحة واسعة فيها وفق أجندات قبطية وخارجية.
وبعد أن فتح زعيم الانقلاب الباب على مصراعيه للثورة على النصوص، وترجم إعلام مسيلمة تعاليم حكيم زمانه، أشار من طرف خفي على استحياء للتناول الإعلاميّ لهذه القضية.
وقال إنه ذكر خطوطا عامة في خطابه دون الدخول في التفاصيل، لكن التناول الإعلامي بهذه الصورة لا يخدم تلك القضية، حيث أن ذلك الإصلاح لا يأتي في يوم وليلة.
إذن، فالإصلاح بهذه الطريقة الهدّامة هو عين ما ينشده السيسي، لكنه فقط ينتقد كيفية المعالجة لا التوجّه ذاته.
قد علِمنا يا هذا أنك إنما أتيت لتأخذ بحُجُزِ المصريين إلى العلمانية، لتضمن الرضا الصهيوأمريكي، وتحافظ على حلم ساعة أوميجا.
* أين جهودك المضنية يا شيخ الأزهر في القضايا السياسية التي طوّعتَ لها علمك ومؤسستك؟ أين أنت من الذبّ عن فريضة رب السماء؟ أم أنك وجدت قاعدة فقهية جديدة بنيت عليها صمتك وخنوعك؟
أنا لست في خوف من تأثّر النساء المحجبات في مصر بتلك الدعوة المغرضة، فحتى المتبرجات والسافرات يعلمن جيدا أنه فريضة الله على المؤمنات، لكن أن تنطلق تلك الدعوات المشؤومة في مصر بلد الأزهر دون الأخذ على يد أصحابها المغرضين، ودون أن يتعرضوا للمساءلة القانونية، في الوقت الذي تصدر فيه أحكام الإعدام جزافا بحق الشرفاء والمصلحين، فهذا ما يندى له الجبين.
سأخبركم سرا:
ترددت أن أكتب عن مليونية الحجاب تحسُّبا للردود المعتادة واتهامي بالإزدواجية والانفصال بين الكلام والفعل وبين التنظير والتطبيق، فتذكرتُ مسئولية الكلمة، وأنني وإن قصّرت في واجب فلا ينبغي أن يكون ذلك التقصير مسوّغا لترك أداء واجب آخر.
واجب الثورة على ثورة اللامنطق.