الأخطار الكارثية لمدونة الأسرة الجديدة
هوية بريس- د.محمد الراجي
صحيح أن مشروع مدوة الأسرة الجديدة، في الجانب الشكلي والمنهجي، قائمة على قاعدة “لا أحلل حراما ولا أحرم حلالا“؛ وصحيح أيضا، أن هذه المدونة، في مضامينها، وضعت على أساس احترام كثير من النصوص القطعية البينة قطعيتها؛ وهي ضربة مؤلمة وقاصمة، للعلمانية ودعوات فصل الدين عن الدولة؛ وهي طبعا، صادمة لوزير العدل في دعوته، نيابة عن العلمانيين، إلى تغيير قواعد الميراث المنصوص عليها في القرأن والسنة، وفي دعوته المتطرفة إلى اعتماد التحليل الجيني لإثبات النسب، عندما صرح بالسب والشتم للمغاربة، وباتهام شرف المغربيات بدون حسيب ولا مراقب: “لو لجأنا إلى الحمض النووي لوجدنا أن لكل مغربي 20 طفلا”.
لذلك، وبكل موضوعية، نسجل أن المنهجية التي اتبعت، والإصرار على انبثاق الاصلاحات من الشريعة الاسلامية، لا يمكن إلا أن يثمن، وتشكر عليه الدولة شكرا جزيلا.
رغم كل ذلك، لم تخل تلك الاجتهادات من أخطار كارثية على مستقبل الأسرة، اعتبارا لما سينتج عنها من آثار عكسية على مستقبل تماسك الأسرة؛ وبالضبط، قد تصب تلك الاجتهادات في خانة تثبيت كارثة عزوف الشباب عن الزواج، وكارثة النسبة المتزايدة لمشكلة العنوسة، وكارثة الزيادة في نسب الطلاق، وما يترتب عن هذه المشكلات من اتساع ظاهرة الفساد الأخلاقي، وإنتاج أبناء الشوارع، والإصابة بالإعاقات الجسدية والعقلية، والامراض النفسية، وإنتاج المزيد من تفكك نواة الأسرة، إلى المجتمع المريض الذي لن يصلح أفراده لأي شيء.
وأيضا رغم كل ذلك، وعلى فرض حسن النية، تبقى النقطة الأساسية المشوشة، والمسببة للانحراف عن المقاصد الشرعية للاجتهاد الفقهي، سواء اعترفوا أو لم يعترفوا، هي أن إصلاحات المدونة جاءت في سياق عدم استقلالية الفاعلين في الدولة في قرارهم السياسي والاقتصادي، والخضوع التدريجي لهواجس ضغوط ومطالب الدول المانحة والداعمة، وفي سياق الاستجابة أو التوافق مع ما سمي باطلا “القيم الكونية”، أكثر من الاستجابة للمشاكل الحقيقية التي تعيشها الأسرة المغربية.
وإن الجدير بالذكر، أن تلك “القيم الكونية”، المتغنى بها، لا أثر لها، على الأرض والواقع، ولا علاقة لها بحقوق المرأة ولا حقوق الطفل ولا حقوق الانسان عامة، في أي مكان من العالم: في غزززة نموذجا، وقبلها في سوريا وفي العراق وفي أفغانستان، وأولا وقبل كل شيء في الدول التي ابتليت بالحركات الاستعمارية الوحشية.
والحقيقة، أيضا، أن فرض الإصلاحات على الدول التابعة، وعلى قاعدة التوافق مع ما سمي ب”القيم الكونية”، ما هو إلا توجه المتحكمين دوليا، للتحلل من القيم الانسانية المتوارثة، ولممارسة اسلوب جديد في جريمة الإبادة الجماعية للعنصر البشري، وبأشكال متعددة الصور، غير مباشرة، من أهمها القضاء على الأسرة، خطوة خطوة، في إطار خطة بلوغ عدد البشر المليار الذهبي، الذي تأمله الرأسمالية المتوحشة لتعيش بسلام وهمي.
إن هذا التوجه الذي تستجيب له كثير من الدول التابعة، بالإصلاحات والقرارات، في عدد من المجالات، بوعي أو بغير وعي، طوعا أو كرها، لم يعد خافيا على المتتبعين، بعد صدور تصريحات كثيرة تلمح إلى كوارث فناء كثيرة تهدد وجود الملايين؛ آخر تلك التصريحات تصريح بيل غيتس في مؤتمر ميونيخ 2017 للأمن حيث صرح: على البشرية أن تستعد لأشكال من الوباء!