النسخ مفتاح لفهم أحكام الشريعة وحِكمها والمنكر له جهله فظيع

هوية بريس – د.رشيد بن كيران

◆ جاء في كتاب إرشاد الفحول الى علم الأصول للعلامة المفسر والفقيه محمد الشوكاني رحمه الله:

“النسخ جائز عقلا واقع سمعا، بلا خلاف في ذلك بين المسلمين، إلا ما يروي عن أبي مسلم الأصفهاني، فإنه قال: إنه جائز، غير واقع. وإذا صح هذا عنه فهو دليل على أنه جاهل بهذه الشريعة المحمدية جهلا فظيعا، وأعجب من جهله بها حكاية من حكي عنه الخلاف في كتب الشريعة، فإنه إنما يعتد بخلاف المجتهدين، لا بخلاف من بلغ في الجهل إلى هذه الغاية.

وأما الجواز: فلم يحك الخلاف فيه إلا عن اليهود، وليس بنا إلى نصب الخلاف بيننا وبينهم حاجة، ولا هذه بأول مسألة خالفوا فيها أحكام الإسلام، حتى يذكر خلافهم في هذه المسألة، ولكن هذه من غرائب أهل الأصول”. انتهى.

قلت:

الشوكاني ركّز في كلامه أعلاه على أمرين:

1. الإجماع العملي: حيث اتفق المسلمون سلفا وخلفا على أن النسخ واقع في القرآن والسنة، ولم يخالف في ذلك إلا أفراد شذوا، مثل أبي مسلم الأصفهاني، فأنكر الوقوع وأجاز الجواز. ولهذا عدّ الشوكاني هذا القول انحرافا عن العلم، لأنه يعطل فهم نصوص قطعية من القرآن.

2. تمييز محل الخلاف: ذكر أن الخلاف الحقيقي ليس بين المسلمين، بل بين المسلمين واليهود الذين أنكروا الجواز أصلا، فلا يصح أن يعدّ هذا خلافا داخليا، وإنما هو من جملة مخالفتهم لأحكام الإسلام.

◆ وبناء عليه:

فأطروحة من ينكر النسخ اليوم متهافتة لا تستقيم على وضع:

▪︎ منهجيا إذ إنكار النسخ يعني إلغاء أداة من أهم أدوات فهم النصوص الشرعية، وهو ما يوقع في الاضطراب، لأن الواقع التشريعي مليء بالتدرج والتحول.

▪︎ عقليا إذ النسخ موافق للحكمة؛ فالشريعة جاءت لمخاطبة الناس في أطوار متعددة في زمن التشريع، فكان التدرج من اللين إلى الحزم، ومن الإباحة إلى التحريم، وهذا عين الحكمة والرحمة، لا التناقض.

▪︎ تاريخيا إذ الصحابة والتابعون وأئمة التفسير والأصول لم يختلفوا في وقوع النسخ، بل صنفوا فيه مؤلفات خاصة، وهي كثيرة لا تعد ولا تحصى.

◆ وختاما: إنكار النسخ ليس اجتهادا، بل هو تأصيل لتعطيل للشريعة، وتناقض مع نصوص القرآن، وقطع مع فهم الأمة عبر القرون. ولذلك كان العلامة الشوكاني صارما حين وصف المنكر بالجهل الفظيع، لأن الشريعة التي بنيت على الحكمة والمراحل لا تفهم إلا بمفتاح النسخ.