د. خالد الصمدي: إلى من يتوجه عيوش بمعجمه؟

09 ديسمبر 2016 20:04
جدل الفلسفة في التربية الإسلامية بين التربوي والإديولوجي.. نداء إلى العقلاء

هوية بريس – د. خالد الصمدي

فمن المعلوم أن المنظمات الدولية تصنفنا بأننا شعب يعاني ما يقرب من نصف سكانه من الأمية، وتبذل الدولة مجهودات كبيرة في برامجها المختلفة من أجل التقليص من هذه النسبة المهولة من أجل القضاء عليها في أفق 2024، دون أن ينتبه صانعوا القرار على الأقل إلى الخلطة السحرية العجيبة لنورالدين عيوش الذي يريد أن يخرجنا من الظلمات الى النور بتعليم الدارجة، والتعلم بها، ويكفي أن يعتمد هذا الخيار بجرة قلم لننتقل من أمة نصفها أمي إلى زيرو أمية، لأننا بكل بساطة نعرف الدارجة ونتواصل بها، ويأمل نور الدين أن نتعلم بها، ولتذهب مقتضيات الدستور وتقارير المنظمات الدولية التي تتهمنا بالأمية إلى الجحيم، إن لم يكن عليها أن تعيد النظر في مقاييس ومعاييرها التي تصنف الدول على أساسها، وهي إتقان لغة عالمة معترف بها لدى الأمم المتحدة، وإتقان العمليات الحسابية الاساسية الأربع.

كما أنه على الدول العربية مجتمعة أن توقف جهودها التي بذلتها طوال نصف قرن لدعم رسمية اللغة العربية في الأمم المتحدة، وتهتم بلهجاتها أو اللهجات السائدة فيها لتتقدم بطلب إلى الأمم المتحدة لاعتماد ما يفوق 150 لهجة ومنها الدارجة المغربية بفروعها، والامازيغية بفروعها، وهكذا ستتعرف الأمم المتحدة بهذه اللهجات باعتبارها لغات. ومن ثم سيتحقق الحلم الذي طالما راودنا وهو خروجنا من التصنيف الدولي المقيت في سلم الأمية حين يتحقق هذا المراد سنة 5001 بحول الله، وسيزور أحفاد أحفاد أحفاد… أحفادنا. قبر عيوش صاحب الفكرة الثاقبة. ولا ندري ساعتها باي لغة سيتكلمون

.إلا أننا متأكدون أن اللغة العربية ساعتها ستكون في صدارة اللغات العالمية. من خلال قراءة المؤشرات المتوفرة عن مسار حياة اللغات اليوم، وكذا من خلال عوامل القوة الداخلية التي تحملها والتي تجعلها قادرة على الممانعة.

دعنا من هذا كله فهو كلام مثقفين ومنظرين، وحتى لا نضيع الوقت في محاربة الأمية بتعليم اللغة العربية، تعالوا نغتنمها مناسبة نوفر من خلالها المؤونة الضخمة المرصودة من طرف الدولة لمحو الأمية إلى نور الدين ومؤسساته لمزيد من تعميق البحث في هذا المجال، لأنه اكتشف الوصفة السحرية التي تجعلنا نقنع اليونسكو بأننا انتقلنا في لمح البصر من بلد يعاني من الأمية إلى بلد عالم، وربما نحوز حظوة التسجيل في كتاب كينيس للأرقام القياسية لمجرد قبول فكرة الدارجة العامية.

عجبت كيف صدق الرجل نفسه، وصدقه الناس بأنه قضى مع فريق بحث أربع سنوات ليجمع معجما للدارجة المغربية ثم يقام له الهيلمان في وسائل الاعلام، وكانه أتى بالفتح المبين، وقد كان بإمكانه أن يجمع مجلدات من هذه اللهجة المغربية في سويعات قليلة يقضيها في أقرب سوق شعبي، أوفي زقاق من أزقة الأحياء الشعبية المغربية وبدون تكاليف إلا من كأس شاي بثمن بخس دراهم معدودة في مقهى من مقاهيه، وعيش متواضع بين رواده.

ولكننا إذا ما علمنا أن صاحبنا لا يعيش في أحياء المغاربة البسطاء وبالتالي لا يتكلم الدارجة في حياته اليومية إلى حد يخشى معه نسيانها. بل يتكلم الفرنسية بلكنتها الباريسية الأرستقراطية في بيته وفي الوسط الذي يعيش فيه.، وهو ما بدا جليا كذلك من خلال تقديم مشروعه في فندق خمس نجوم بين ثلة من المادحين والمانحين، وليس في جامعة شعبية قد يناقش فيها ويناظر، قلنا لا بأس فربما يريد الرجل أن يتعلم الدارجة ويعلمها من هم في حاجة إليها من أترابه، وهم في هذه الحال محتاجين بالفعل إلى معجم من هذا القبيل حتى يفهموا لغة المغاربة على الأقل، فيكون لإصدار هذا المعجم مصوغ ومبرر وفئة مستهدفة.

أما المغاربة المعتزون بلهجاتهم المتعددة بمختلف أعراقها العربية والامازيغية والحسانية والافريقية والاندلسية ووفرتها وتنوعها وغناها، فيقدسون لغة القرآن. ويشعرون بالفخر والاعتزاز وهم يتعلمون هذه اللغة التي تمكنهم من تلاوته وفهم آياته، وتلك أمنية كل فرد فرد منهم، ثم هم شغوفون ومنفتحون على سائر اللغات الأجنبية يتكيفون معها ويتقنونها أحيانا أفضل من أهلها من أجل التواصل مع العالم ومواكبة التطورات العلمية والفكرية في سياق التثاقف الإيجابي.

ولمعرفة مقدار عشقهم للغة العربية يكفي أن تنصت إلى عجوز شمرت عن ساعد الجد في آخر سنين عمرها، وانخرطت بعزيمة غريبة في دروس محو الأمية، وحين تسألها عن الدافع تقول لأقرأ القرآن الكريم وأحفظ الأذكار النبوية، وأصل الرحم مع أهلي وأحبابي وأصدقائي. لمثل هؤلاء يسر الله تعالى الذكر، وقال فهل من مذكر؟ وحين تسأل طالب علم عن تعلمها يقول إنها لغة المستقبل التي يقبل عليها الصينيون اليوم بكثافة بحدسهم البراغماتي فهم حكام العالم المقبلون.

أما اللهجة الدارجة وهي بنت العربية وليست ضرتها فلم يكن المغاربة في حاجة إلى نور الدين وفريقه ليتعلموها من خلال معجم أو أمثال. فقد رضعوها مع البان أمهاتهم قبل ميلاده بمآت السنين. وإن أي سعي إلى تهميش لغة القران فلن يزيدهم إلا تمسكا بها وبجمالها لسبب بسيط وعميق وهو أنهم يعتبرونها لغة القرآن، وأمام هذا الشعور لن يكون هذا المسعى وغيره إلا جريا وراء السراب، مهما أنفق (بالضم) في ذلك من أوقات وأموال، فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M