إنما هي دنيا..

30 ديسمبر 2023 02:00

هوية بريس – تسنيم راجح

هذه هي النظرة التي أراها في عيون المطمئنين رغم البلاء ورغم الفقد، هي دنيا، قد نفارق فيها الأحباب وقد نتعب ونمرض ونتألم، قد نفقر ونتضايق وينقصنا نومٌ أو صحة أو دفء، لكنها ستمر، لن تكون في عيوننا إلا لحظة، لن نتذكر الشقاء ولن يؤلمنا شيء إن تقبل الله منا وغفر لنا..

هي دنيا بكلّ أشيائها الصغيرة وكلّ فتنتها..
النوم وراحته دنيا
الطعام وفنون تحضيره وتزيينه.. دنيا
جمال الشكل وتجميل الجسد بالرياضة الزائدة والمكياج.. دنيا
اللباس والأثواب والحلي والماركات.. دنيا
تجميل البيت وديكوره.. دنيا
الأبناء والفرح بهم..
السيارات..
الشهادات..
الراتب..
الذكاء..
الهاتف والحاسوب والمكتب الجديد والكرسي المريح والفراش الوثير..

..
كلها دنيا.. مرحلة..اختبار من الله يصعب كلما امتلكت منها أكثر أو اقتربت منها أكثر، فإن ذهبت لا أسف عليها، وإن بقيت كان الامتحان في توظيفها لأجل ما سيبقى…

لكن العجيب هو من يجعلها هدفاً بذاتها، يطلبها ويفني عمره في سبيلها وحدها هي وهو يعلم أنها سخيفة وصغيرة ومخادعة وزائلة ولا يمكن أن تدوم مهما بقيت ومهما غرّت..

يجعلها صنماً في قلبه وهو لا يشعر ويمر العمر وينسى وتمرّ معه طاقته وقدرته..

تظنّ طويلاً إن شراء السيارة الجديدة سيجعلك سعيداً، تعيش له، تعمل ساعاتٍ إضافية له، تسهر وتتعب وتراقب الأسعار وتصير خبيراً بالأنواع والقطع الإضافية وتفاصيلها.. إلى أن تشتريها، تفرح قليلاً، ثم يمر وقت وتملّها، لا تمانع أن تتوسّخ ولا تكترث بها، ثم تبيعها بنصف الثمن أو أقل أو تتركها لغيرك بعدك..

مر العمر الذي مر لهذه الدنيا وذهبت الطاقة التي ذهبت في سبيلها وذهبت هي، مثلها مثل البيت والولد واللباس والذهب وكل أشباهها..
هل تعيشين للثوب الجديد الذي تحلمين به؟ للبيت في الحي الفلاني؟ للخاتم الذي ستلبسينه؟ للشهادة أو لقب دكتور/ة؟ للوقوف في مكتب الهندسة الخاص بك؟ للوظيفة في الشركة الفلانية أم للزواج من فلانة؟ هل تربي ابنك لأجل الشهادة واللقب والراتب والزوجة والبيت والعلو في الدنيا فقط؟

توقف الآن وتفكر..
هذه كلها دنيا.. احذر أن تستولي على قلبك وتوقفك وتعطلك، لن تكون قوياً فعلاً حتى تتحرر وتضع كل شيءٍ في مكانه ونصابه في قلبك وحياتك كلها، هي دنيا ومرحلة ووسيلة للآخرة لا أكثر، لا نعيش لها ولا يشلنا أن نفقدها أو تنقص من بين يدينا..

وذاك مفتاح القوة الذي بدأنا به والذي حيّر الأعداء في إخواننا الثابتين، ولذلك لا يكسرهم مهما فعل الجبناء بهم، لأنهم يعلمون تماماً أن بعد فراق الأحباب القصير هذا لقاءٌ لا فراق بعده، وأن هذه ليست النهاية، وأنهم باختصار.. يعيشون لما هو أكبر..

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M