استراتيجية الإسلام (15).. الأخلاق – الأخلاق والدين

22 أبريل 2023 11:30

هوية بريس- محمد زاوي

– الأخلاق والدين

من صفات “القانون الخلقي” أنه عام شامل، لا يجوز إخضاعه لا للمذهب النفعي (جيريمي بنتام، جون ستيوارت ميل)، ولا لآراء الفلاسفة، ولا لأهواء الناس، بل للدين وحده، وخصوصا الإسلام. بهذه الطريقة، تؤسس خصوصيةٌ في “الوحي” عموميةَ مرجعيتها الأخلاقية. فيصبح الحكم الخاص، الوسائل الجزئية، قانونا عاما لا تستقيم أخلاق العالَمين إلا به. (محمود محمد مزروعة، “دراسات في علم الأخلاق”)

بالنسبة لمحمد عبد الله دراز، الأخلاق مصدرها الشريعة. مصدرها ليس الدين بإطلاق، بل مصادر الإسلام حصرا. القرآن والسنة والإجماع والقياس؛ هي مصادر الشريعة، وهي نفسها مصادر الأخلاق. من لم يهتدِ إلى معيار الشريعة، أخضع الأخلاق لهوى النفس أو سلطة الجماعة. ولا سبيل للتحرر منهما إلا بالوحياني والفطري معا. لا يبلغ الوحي تحققه العملي إلا بالقابلية الفطرية، ولا تجد هذه طريقها السديد إلا بمرجعية الوحي. هكذا يقول محمد عبد الله دراز في “دستور الأخلاق في القرآن”.

العالمي هو: الإنسان، قوانين الطبيعة، قواعد التاريخ، القابلية ل”الوحي”، المثل النبيلة؛ تدبيره حسب الشروط الخاصة يدخل في إطار الخاص. الأخلاق إذن، بما هي تنظيم وضبط لسلوك الإنسان، استثمار لقوانين الطبيعة بإحسان، تقدم في التاريخ بإنضاج سلوك تاريخي، استعداد للوحي بالتربية، مثُل يطلبها الإنسان؛ الأخلاق بما هي كذلك عالمية. وإذا تحدثنا عن كيفيات تحققها في تجربة خاصة، في بشرها وطبيعتها وتاريخها ووحيها وخطابها المثالي، فإنها تصبح تجربة أخلاقية خاصة.

علاقة الدين بالأخلاق ذات وجهين، وجه عالمي، ووجه لا يمكن فصله عن خصوصية التجربة الأخلاقية. كلما سمونا نحو القوانين والقواعد والمثل نكون بصدد الوجه العالمي للأخلاق، وكلما انشغلنا بتفاصيل الممارسة الأخلاقية نكون بصدد نموذج أخلاقي خاص، محدود ليس بحدود “الإنسان العالمي” فحسب، بل بحدود شروطه الخاصة أيضا. في كل الدين، وفي متن الإسلام كذلك، نجد خطابين أخلاقيين، خطابا عالميا وخطابا خصوصيا. من ينكر الأول ينكر عالمية الإسلام، ومن ينكر الثاني ينكر تجربته الخاصة وتاريخه الخاص. ولا يعني هذا نفي ما قد يكون للخصوصية من حمولة عامة لا يجوز إغفالها، وإلا سقطنا في إفراغ العام نفسه من محتواه.

بالمثال يتضح المقال؛ خُلق الزهد وضبط النفس في الأموال مثال عالمي، خصوصيته في مجتمع المدينة (دولة المدينة) أحكام فرض الزكاة واستحباب الصدقة وتحريم الاحتكار والإسراف والتبذير والربا… الخ. وهذه أحكام خاصة، مقتضياتها عالجت مشاكل بعينها في مجتمع المدينة. فهل تفقد بذلك عموميتها وعالميتها؟ لو كان كذلك لجاز لنا القول: “لا حق لفقير في مال غني”، و”لا حِرمة لاحتكار أو إسراف أو تبذير أو ربا في مجتمعات أخرى (غير مجتمع المدينة)”..! وهذا قول لا يستقيم إلا في حالات خاصة، ليس من باب القاعدة وإنما من باب الخروج عنها استثناء ووفق “ضرورة تبيح المحظور وتقدَّر بقدرها”.

(يتبع)

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M