استراتيجية الإسلام (19).. العدل- التفاوت وتطوره

08 مايو 2023 21:46

هوية بريس- محمد زاوي

– التفاوت وتطوره

* الوحي والتاريخ.. قراءة مزدوجة

ارتفع شرط العدل الأول، ليحل محله شرط جديد، شرط “الملكية الخاصة” وما نتج عنها من تفاوت.. لم يتأسس هذا التفاوت على المَلَكة أو الموهبة أو الحكمة، بل على احتكار الملكية الخاصة ونهب مقدرات الفئات الدنيا.. جوهره (التفاوت) تناقض اجتماعي، بين من يملك ومن لا يملك، لا مع الطبيعة، ولا على أساس مدى قدرة الإنسان على استثمارها لمصلحته.

في زمن التفاوت، يكتسب المحتكرون المال بطرق احتكارية، غير مشروعة تهضم حقوق الناس، فيكون الإنفاق من جنس الكسب، كما يكون “انتقال المال في الأجيال” من جنسهما معا (الكسب والإنفاق). ولذلك فقد وجد أصحاب الرسالات أنفسهم في مواجهة أصحاب الملكيات الاحتكارية، يأمرونهم بحسم عروق ما فسد من طرق الكسب. تلك قصة شعيب مع قومه، “وإلى مدين أخاهم شعيبا، قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره، ولا تنقصوا المكيال والميزان، إني أراكم بخير وإني أخاف عليكم عذات يوم محيط”. (سورة هود، الآية 48)

“ألوهية النمرود ومُلكه”، “ألوهية فرعون وملكه”، “اليهودية المحرفة وربا اليهود”، “أصنام قريش وتفاوتهم القبلي”؛ علاقة بين بنيتين: بنية الدين” وبنية الملك، لم يكن الأنبياء ليواجهوا أحد طرفيها دون الآخر؛ فلما اقتربوا من الطرف العقدي لهذه العلاقة، واجههم أصحاب المصالح المادية، مَن يحتكرونها بقوتين، قوة اليد وقوة الكلمة. فكانت المواجهة مزدوجة عقدية في ظاهرها، مصلحية في باطنها.

المواجهة مزدوجة، والقراءة كذلك؛ في بنيتين، ثم في نصين. قراءة تكشف المصلحة تحت العقيدة، وترى العقيدة في مرآة المصلحة. تجد التاريخ في نص الوحي، وتفسّر الوحي بوقائع وقواعد التاريخ. من خلال هذه القراءة، يجد التاريخ روحه، ويجد الوحي كيانه المادي. لا يقرأ الباحث قصص القرآن بحثا عن عظة ما فحسب، بل أيضا عن حقيقة تاريخية بين ثنايا النص القرآني. ولا يقرأ المؤرخ الشواهد بحثا عن حدث ما فحسب، بل أيضا عن مثال يجب أن يتحرك صوبه التاريخ. من شأن هذه القراءة أن تؤسس لنظرية في العدل تجمع بين تاريخانيته ومثاليته.

(يتبع)

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M