الإدارة العادلة..

23 يناير 2024 20:17

هوية بريس – متابعات

لا يمكن للقانون وحده، أو للمحاكم وحدها، كبح جماح جنحة أو جريمة ما، إذا أصبحت عادة عادية متفشية في مجتمع ما، لسبب من الأسباب، سواء كان تاريخيا أو جغرافيا أوغير ذلك، في مجتمع ما، و الحل في تولي الإدارة العادلة الأمر مباشرة للقطع مع كل عادة سيئة، في مجتمع ما، طبعا. فاالإدارة العادلة بإمكانها تسيير المجتمع كيفما كان نوعه و شكله و تدبير أموره حسب إرادتها، فإن كانت الإدارة منصفة عادلة فمن الطبيعي أن ينعكس ذلك على المجتمع بأكمله.

و لا خوف على كل مجتمع تتوفر إدارته على كفاءات وطنية نزيهة، و لو كانت مهمشة، تتحلى بالإرادة الحكيمة لإنهاء الرشوة سبب كل المصائب بلا استثناء، لأن وجود هؤلاء مهما قل عددهم يبقي الأمل قائما، لأن هؤلاء يشكلون البديل الوطني السليم للخروج من المآزق التي تحول دون تحقيق حلم القضاء على الفقر و التخلف الذهني و المنطقي و الصناعي و التكنلوجي و الثقافي.

إذ لا يمكن نهب المال العام، مثلا، بلا رشوة، و لا يمكن المتاجرة في الحشيش و الكوكايين، مثلا، بدون رشوة، و لا يمكن لأية مافيا أن تصل إلى منبع القرارات الحكومية، مثلا، بلا رشوة، و لا يمكن عزل النزهاء الأكفاء الوطنيين الأوفياء المخلصين بلا رشوة. و إذا كانت جميع الآفات، و كل المصائب العظمى، و كافة المعضلات سببها الرشوة، فلأن المجتمع المعني بالرشوة كظاهرة شبه عامة يفضل الطريق السهل المؤدي إلى تحقيق الرغبات الآنية اليومية البسيطة بدون أدنى وازع أخلاقي، و بالتالي فكذا مجتمع يستحق وضعه العام.

ولكن على إدارة كذا مجتمع حيث الرشوة شبه عامة أن تصمد و أن تصحح المسار قبل فوات الأوان و أن تتشبث بواجب تحقيق الصالح العام، بكل شجاعة، مهما كلف الأمر من قرارات قاطعة صارمة (و لو اقتضى الحال تعطيل بعض فصول الديمقراطية -مؤقتا- كما سبق و شهدناه إبان “كورونا” في جل إدارات مجتمعات الغرب…) بدأ بإنصاف و رد الإعتبار للنزهاء الأكفاء الأوفياء المخلصين، قبل أن يفقدوا الأمل في إمكانية تمرير مشعل النزاهة للجيل اللاحق، لأن في ذلك نجاة الجميع، خاصة لما يتضح أن وقف هيمنة ثقافة الرشوة أصبح أمرا ملحا ضروريا لا يحتمل التأجيل، من أجل الحفاظ على كل استقرار آمن في مجتمع ما توغلت فيه الرشوة فأضحت شبه عامة تصيب الأفراد بشيزوفرينيا مفزعة تكبل في عقولهم قدرة التفكير السليم، و التشبث بالقيم الإنسانية، و روح المبادرة المدرة للإنتاج و التقدم و الازدهار العام.

و في الختام، لابد من التذكير بأن سبب الرشوة الكبيرة يكمن في الرشوة الصغيرة، لأن كل مرتشي صغير يتقاسم في عقله الباطن منطق كل مرتشي كبير، مهما كان سبب ارتشاء المرتشي الصغير قاهرا… فالخوف، كل الخوف، في أن تندثر الأحلام الجميلة لتترك كأمل وحيد للصعود في سلم التدرج الإجتماعي الإنتقال من درجة الرشوة الصغيرة إلى درجة الرشوة الكبيرة… و أما الأمل الحقيقي الوحيد في مجتمع ما تفشت فيه الرشوة فيكمن في الإدارة العادلة. و تحية عالية إلى الأصدقاء الأعزاء الشرفاء.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M