الانتخابات أم الديموقراطية… الولايات المتحدة وشبح ترامب!

16 سبتمبر 2022 09:13
بنحمزة غاضب من الإعلام العمومي بسبب إقصاء شباط وتلميع نزار بركة

هوية بريس – عادل بنحمزة

تخوض الدولة العميقة في الولايات المتحدة الأميركية وجزء واسع من الديموقراطيين منذ فترة، حرب “إبادة” ضد ترامب والترامبية بصفة عامة، فرغم أن الاقتصاد الأميركي يؤدي أداء جيداً على عكس ما يعرفه العالم من انكماش اقتصادي، ذلك أن الاقتصاد الأميركي قد انتعش نهاية عام 2021 ليحقق أفضل نمو للعام بأكمله بـ5.7 في المئة وذلك منذ عام 1984، كما أن أرقام البطالة نزلت إلى أقل مستوياتها التاريخية قبل الجائحة إذ بلغت 3.6 في المئة وما واكب ذلك من ارتفاع في الأجور بفعل ندرة المستخدمين وتراجع طلبات تعويضات البطالة إلى أدنى مستوياتها منذ 1969، غير أن ارتفاع الأجور بالإضافة إلى عوامل أخرى، ساهم في رفع مستويات التضخم في سابقة منذ أربعة عقود، ورغم أن الإدارة الأميركية قررت رفع نسبة الفائدة للحد من التضخم، فإن الجمهوريين يركزون على نسبة التضخم غير المسبوقة، لكن يبدو أن جهود الإدارة الأميركية على مستوى الأداء الاقتصادي لا يوفر كثيراً من اليقين لدى “الاستبليشمنت” والديموقراطيين بصفة عامة، لأنه لا يبدد مخاوفهم من خسارة التجديد النصفي للكونغرس بعد شهرين، بخاصة أن استطلاعات الرأي توضح استمرار الانقسام وسط الناخبين الأميركيين مع استمرار هيمنة الرئيس السابق دونالد ترامب على الحزب الجمهوري.

قبل أزيد من أسبوعين اختار الرئيس جو بايدن توجيه خطاب استثنائي وقوي وسط فلاديلفيا غير بعيد من قاعة الاستقلال التاريخية الوطنية المكان الذي اجتمع فيه الآباء المؤسسون للديموقراطية الأميركية لكتابة الدستور الأميركي. رمزية المكان سرعان ما ستظهر في مضمون خطاب بايدن، الذي رسم صورة سوداء عن الديموقراطية في الولايات المتحدة الأميركية وكونها تواجه مخاطر جدية، بايدن سعى إلى دفع الأميركيين للتفكير في التهديدات التي تهم عيشهم المشترك بدل التفكير المحدود في انتخابات التجديد النصفي للكونغرس حيث يتمتع الديموقراطيون بأغلبية طفيفة، هاجم بايدن ترامب بصورة مباشرة قائلاً: “الكثير مما يحدث في بلدنا اليوم ليس طبيعياً، فالحزب الجمهوري يهيمن عليه ترامب ومؤيدوه”. مضيفاً: “إنهم يرفضون قبول نتائج انتخابات حرة. ويعملون الآن في ولاية تلو الأخرى لإعطاء سلطة تقرير الانتخابات لأنصارهم وللمقربين منهم، وتمكين رافضي الانتخابات من تقويض الديموقراطية نفسها”.

قناعة جو بايدن تسندها نتائج استطلاع للرأي أجرته جامعة كوينيبياك ونشر الأسبوع الماضي، أظهر أن 69 في المئة من الجمهوريين ومثلها من الديموقراطيين، قالوا إنهم يعتقدون أن “ديموقراطية البلاد تتعرض لخطر الانهيار”، كما أظهرت استطلاعات أخرى تراجع الثقة بين الجمهوريين في النظام الانتخابي، حيث ردد الكثيرون منهم رواية ترامب كون انتخابات عام 2020 كانت مزورة وأن النتائج قد سُرقت من الجمهوريين.

في الولايات المتحدة الأميركية التي تمثل نموذجاً للعالم الحر، وبخاصة بعد الأربعاء الأسود الذي شهد اقتحام مقر الكونغرس الأميركي، بدا أن هناك شكلاً من أشكال التحالف أو التوظيف المتبادل بين تيار شعبوي صاعد على يمين الحزب الجمهوري، الذي يمثل دونالد ترامب علامته البارزة، وبين تيارات يمينية متطرفة لها جذور طويلة في المجتمع الأميركي منذ حركة الحقوق المدنية بين 1954 و 1968، إذ إن أبرز حركات اليمين المتطرف التي تحالفت مع ترامب، ليست في النهاية سوى امتداد للحركات المتطرفة التي ناهضت حقوق الأميركيين من أصول أفريقية والملونين، ودافعت عن ذلك بسرديات عنصرية تعتقد بتفوق الجنس الأبيض وهي ذات السرديات التي يعاد إنتاجها اليوم داخل أميركا وخارجها. الظهور الجديد لهذه الحركات يأتي في أعقاب الزلزال الذي خلفته الأزمة الاقتصادية والمالية لسنة 2008، وفي ظل عجز منظومة الحكم في الولايات المتحدة على صيانة “الحلم الأميركي” بعد أن سيطرت الرأسمالية المتوحشة وتصاعدت الفوارق في المجتمع، ما جعل ملايين الأميركيين على هامش الدورة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فكانت الخطابات اليمينية العنصرية والدينية المتطرفة، ملاذاً لكثيرين لم يكن ينقصهم سوى شخصيات/أيقونات للبروز إلى الواجهة والتعبير عن رفض مؤسسة الحكم “الاستبلشمنت” والأوليغارشية السياسية والاقتصادية الحاكمة في واشنطن، وقد أفرز ذلك مزيجاً من الساخطين/الضحايا يضم السود واللاتينين والمهاجرين بصفة عامة.

ما حدث في الولايات المتحدة الأميركية مع ظاهرة ترامب، أوقع كثيرين في الالتباس بخاصة لجهة المهتمين بصعود التيارات الشعبوية في العالم وخطر ذلك على الديموقراطية التمثيلية، ما يجب الانتباه إليه هو أن ما يحدث أمامنا منذ سنوات هو تحالف بين طرفين يجب التمييز بينهما، فمن جهة نجد الشعبوية ممثلة في ترامب، ومن جهة أخرى نجد الجماعات اليمينية. تقوم ضرورة هذا التمييز عندما نعلم أن الشعبوية في الجوهر هي نمط من السياسات الأخلاقية، إذ إن التمييز بين النخبة والشعب هو أولاً وأخيراً أخلاقي (أي النقاء مقابل الفساد)، فالشعبوية تنطوي على نظرة مانوية للعالم تقسم الفضاء الاجتماعي إلى معسكرين متعارضين: “الشعب” الأخلاقي ومؤسسة الحكم الفاسدة كما تقول ناديا أوربيناتي، إذ لا يقوم التمييز على جانب ظرفي يرتبط بالموقف من السلطة، أو اجتماعي ثقافي يقوم على الفوارق الإثنية أو الدينية، أو اجتماعي اقتصادي يقوم على الفوارق الطبقية، كما يؤكد كل من کاس مودیه، وکریستوبال روفيرا كالتواسير، فالهدف النهائي للشعبويين واليمين المتطرف مختلف ومتمايز، وأي خلط أو الاعتقاد بوجود نوع من التطابق الكامل بينهما، إنما يساهم في تضليل التحليل الذي يسعى إلى فهم ما يجري على الساحة الأميركية منذ سنوات وهو ما يمكن إسقاطه أيضاً على تجارب أخرى خاصة في القارة الأوروبية.

بالتأكيد ليست أميركا فقط هي التي تواجه تراجع الديموقراطية وتصاعد العداء لها بشعارات ومبررات مختلفة، ولكن ذلك يمثل موجة عالمية متصاعدة منذ انهيار جدار برلين، كما أن ترامب ليس سبباً في ما تعرفه أميركا منذ سنوات، بل هو نتيجة لمسار طويل من التراجعات التي كانت موضوع كتابات وازنة منها كتاب ستيفن ليفيتسكي ودانييل زيبالت “كيف تموت الديموقراطيات” الذي أكدا فيه أن التاريخ أثبت في معظم الحالات “أن الديموقراطيات تموت ببطء لا يكاد يلاحظه أحد”، إذ إنها “تفسد بسبب القادة الذين يسيئون استغلالها”، وأن أرض الديموقراطية الخصبة تخضع للتجريف لمدة طويلة. في ذات السياق يجدر بنا التذكير بأن مجلة الديموقراطية Journal of Democracy التي تأسست سنة 1990، اختارت مسألة تراجع الديموقراطية موضوعاً لعدد خاص أصدرته لمناسبة مرور ربع قرن على إنشائها، ثم نشرته سنة 2015 ككتاب جماعي تناول مجموعة من القضايا التي تهم واقع ومستقبل الديموقراطية في العالم والولايات المتحدة الأميركية بين متفائل بمساراتها المستقبلية وبين متشائم بتلك المسارات.

الأحداث الجارية اليوم توضح حجم التفاؤل والتشاؤم، معززاً بآخر التقارير الدولية حول الديموقراطية في العالم والتي تخلص إلى حقيقة تراجع قيمها، في مقابل بروز بعض مظاهرها مثل الانتخابات، فعلى الرغم من أن الانتخابات أصبحت هي القاعدة وليس الاستثناء، فإن الكثـيـر مــن الأنظمــة غير ديموقراطية، كما أكدت المؤسسة الدولية للديموقراطية والانتخابات في تقرير سابق لها حول الحالة العالمية للديموقراطية، تستعمل الانتخابات فقط كوسيلة لإضفاء الشرعية الداخلية والخارجية، أما في البلدان التي تحكمها أنظمة هجينة أو غير ديموقراطية، حسب ذات المؤسسة، فإن دور الانتخابات يقتصر على تعزيز الواجهة الديموقراطية. هذا التشويه للمبادئ الانتخابية لأغراض غير ديموقراطية، يساهم في تقويض ثقة الجمهور بقيمة العملية الانتخابية في البلدان الديمقراطية كما يخلص التقرير.

فهل يمكن توقع خفض التخوفات الجدية من انحدار الديموقراطية في الولايات المتحدة الأميركية ومن خلالها باقي دول العالم؟ أم أن القرن الحالي هو في الطريق للقطيعة معها أمام فراغ مهول يتعلق بالبديل الممكن؟

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M