التدليس العلماني.. وتحفظات المغرب على الاتفاقيات الغربية حول قضايا المرأة والطفولة

18 فبراير 2024 12:00

هوية بريس – د.محمد عوام

الإنكار العلماني لتحفظات المملكة المغربية على الاتفاقيات الدولية بشأن رفع كل أشكال التمييز ضد المرأة، المعروف عن العلمانيين الحداثويين أن ولاءهم المطلق للغرب، لا يخرجون عن مقولاته الفكرية، ومنه يمتحون كل شيء، ويحاكونه حذو القذة بالقذة، وينسجون على منواله شبرا بشبر، وذراعا بذراع، متنكرين لكل خصوصية لوطنهم الدينية والتاريخية والفكرية. هذا يظهر جليا من خلال كتاباتهم ومحاوراتهم وتصريحاتهم.

والغريب أن يدعي هؤلاء أن المملكة المغربية صادقت على الاتفاقيات الدولية جملة من غير تحفظات، لا سيما منها التي تخص قضايا المرأة والطفولة وأمثالها.

علما أن الاتفاقيات الدولية أنواع وأشكال، ونحن لا نريد الدخول في التفاصيل، فرجال القانون وفقهاؤه يعلمون ذلك، وحينما يتحدثون يبينون –وقد سمعت هذا منهم في ندوات- تلك الاتفاقيات، مع التي أوجبت منها التحفظات. فلماذا يدلس العلمانيون على الشعب المغربي، ويروجون معلومات مغلوطة، لنصرة مذهبيتهم البئيسة؟

لا يفسر ذلك إلا بعدم اعترافهم بالمرجعية الإسلامية التي من أجلها تحفظت المملكة المغربية، بل هذا ما فعلته جل الدول بما فيها الغربية، تتحفظ على بعض الاتفاقيات حينما لا تتوافق مع نظمها الاجتماعية وخصوصيتها الحضارية والمذهبية، أو لا ترى مصلحة مرجوة لها فيها…إلخ.

يتحدثون عن رفع كل أشكال التمييز ضد المرأة، ويصوبون سهامهم لقضايا من صميم الشريعة الإسلامية كالإرث مثلا.

فاتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة انضم إليها المغرب بتاريخ 21 يونيو 1993م ونشرت في الجريدة الرسمية عدد4866 بتاريخ 18 يناير 2001.

غير أنه تحفظ على بعض موادها وفقراتها، منها تحفظه على المادة السادسة عشرة، بقوله: “تتحفظ حكومة المملكة المغربية على مقتضيات هذه المادة، وخصوصا ما يتعلق منها بتساوي الرجل والمرأة في الحقوق والمسؤوليات أثناء الزواج وعند فسخه، وذلك لكون مساواة من هذا القبيل، تعتبر منافية للشريعة الإسلامية التي تضمن لكل من الزوجين حقوقا ومسؤوليات في إطار من التوازن والتكامل، وذلك حفاظا على الرباط المقدس للزواج. فأحكام الشريعة الإسلامية تلزم الزوج بأداء الصداق عند الزواج وبإعالة أسرته، في حين ليست المرأة ملزمة بمقتضى القانون بإعالة الأسرة.

كما أنه عند فسخ عقد الزواج، فإن الزوج ملزم بأداء النفقة، وعلى عكس ذلك تتمتع الزوجة بكامل الحرية في التصرف في مالها أثناء الزواج وعند فسخه، دون رقابة الزوج، إذ لا ولاية للزوج على مال زوجته.

ولهذه الأسباب لا تخول الشريعة الإسلامية حق الطلاق للمرأة إلا بحكم القاضي.” (الاتفاقيات الأساسية في مجال حقوق الإنسان التي يعد المغرب طرفا فيها 47، طبعته وزارة الدولة المكلفة بحقوق الإنسان والمندوبية الوزارية المكلفة بحقوق الإنسان 2019م)

كما تحفظت المملكة المغربية على الإعلان التفسيري على المادة الثانية من الاتفاقية ذاتها، وذلك بشرطين، وجاء في ذلك: “تعرب المملكة المغربية عن استعدادها لتطبيق مقتضيات هذه المادة شريطة:

– ألا تخل بالمقتضيات الدستورية التي تنظم قواعد توارث عرش المملكة المغربية.

– ألا تكون منافية لأحكام الشريعة الإسلامية، علما بأن بعض الأحكام الواردة في مدونة الأحوال الشخصية المغربية التي تعطي للمرأة حقوقا تختلف عن الحقوق المخولة للرجل، لا يمكن تجاوزها أو إلغاؤها، وذلك نظرا لكونها منبثقة أساسا من الشريعة الإسلامية التي تسعى، من جملة ما تسعى إليه، إلى تحقيق التوازن بين الزوجين حفاظا على تماسك كيان الأسرة.” (ص48،49)

كما صرحت حكومة المملكة بتحفظها أيضا على الإعلان التفسيري على الفقرة الرابعة من المادة الخامسة عشرة، وأنها “لا يمكن لها الالتزام بمقتضيات هذه الفقرة،…إلا بقدر ما تكون هذه المقتضيات غير منافية للمادتين 34 و36 من مدونة الأحوال الشخصية المغربية.” (ص49)

فهذه بعض تحفظات المملكة المغربية، تؤكد بما لا ريب فيه، أن كل ما يخالف ثوابت المملكة وعلى رأسها الإسلام، باعتباره دين الدولة، تتحفظ عليه، ولا تقره، ويعني ذلك أنه لا يمكن العمل به البتة، فيبقى الزعم العلماني بعيدا كل البعد عن الواقعية التي تعامل بها المغرب لحفظ كيان الأسرة وفقا لإسلامية الدولة المغربية وإمارة المؤمنين، ووفقا أيضا لمقتضيات مدونة الأسرة، التي تستمد شرعيتها من الإسلام قرآنا وسنة، ومن الاجتهادات الفقهية.

ولهذا فإن المساس بالأسرة باعتبارها النواة المركزية للمجتمع والدولة، مساس بهما، وزج بهما في المجهول، وإحداث ثنائية الصراع بين أفراد الأسرة والمجتمع، مما يفضي إلى التلاشي والتآكل الداخلي.

ولا يخفى أن الغرب منذ عقود وهو يعمل جاهدا للقضاء على الأسرة المسلمة، وتفكيك بنيتها ووحدتها، المسيجة بالإسلام، مهما كان من ضعف ينتابها، ـو يتخللها، فإنها قابلة للإصلاح.

غير أن الغرب عبر وكلائه وأجرائه لا يغمض له جفن في الحرب على الأسرة المسلمة، لأنها البنية الصلبة للمحافظة على الإسلام، والتماسك الاجتماعي. ولهذا نحذر دائما من المساس بالأسرة لأنه مساس بالدولة.

ومن أراد أن ينقذ الأسرة ويدافع عنها، فليس بمعاكسة الإسلام وشرائعه، وإنما بالرفع من معاناتها وأزماتها.

كما على من يتباكى على وضعية المرأة عليه أن يجدها في المعامل والمصانع والضيعات الفلاحية، وفي معاناتها مع الهشاشة والفقر، وأن يبحث لها عن الحلول الناجعة ليضمن لها حظا وافرا من الراحة والاستقرار، لا أن يعمد إلى أحكام الشريعة الإسلامية فيريد أن يزيحها ويتمرد عليها، فليس هي من تسبب في معاناة المرأة.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M