التعصيب الذي لا يعرفه العلمانيون

13 أبريل 2024 13:28

هوية بريس – د. عبد الكبير حميدي

  في سياق الجدل والنقاش العمومي المرافق لورش إصلاح مدونة الأسرة المغربية، ومن مطالب بعض الجمعيات النسائية والحقوقية، وبعض الأحزاب العلمانية، مطلب إلغاء الإرث بالتعصيب، الذي هو النصيب غير  المقدر  في الإرث، والذي يكون في مقابل الإرث بالفرض المقدر  والمحدد شرعا.

 مبرر المطلب عند أصحابه، هو أن الإرث بالتعصيب، ينتج عنه اشتراك العصبة الذكور والإناث، في بعض العقارات والأملاك: منزل للسكن مثلا، وما يترتب عن ذلك من تشريد للبنات، عندما يطلب العصبة الذكور نصيبهم من البيت أو العقار المشترك، وهو مشكل اجتماعي حاصل في الواقع المغربي فعلا، ولكن هل الحل يكمن في إلغاء الإرث بالتعصيب.

 إن مطلب إلغاء الإرث بالتعصيب، مطلب غير ممكن، وغير شرعي، وغير دستوري، وغير واقعي، وغير ناجع، ولا يعتبر حلا، وذلك لسببين:

  السبب الأول: مصادمته للنصوص الشرعية القطعية من القرآن والسنة، وبالتالي فإن المطالبة بإلغائه مصادم للمرجعية العليا للمغاربة، المتمثلة في القرآن والسنة، وخروج عن دستور المملكة الذي ينص على أن الإسلام دين الدولة.

    السبب الثاني: أن إلغاء الإرث بالتعصيب مضر بالمرأة، لأن الذي يرث بالتعصيب ليس الرجل وحده، وإنما المرأة كذلك، بل إن المرأة ترث بنوعين من أنواع التعصيب، فتكون عاصبة بالغير، مثل: البنت مع أخيها، وتكون عاصبة مع الغير، مثل: الأخت مع البنت، بينما لا يرث الرجل إلا بنوع واحد من أنواع التعصيب، هو التعصيب بالنفس، وبالتالي فإن إلغاء التعصيب من شأنه أن يضر بالمرأة، وأن يحرمها من فرص هامة في الإرث والتملك، ومن شأنه الإضرار بالرجل أيضا، والإضرار بالأسرة والمجتمع بالتالي، والقاعدة الشرعية تقول: “لا ضرر ولا ضرار”، و”الضرر  يزال”.

  وإذا كان إلغاء التعصيب غير شرعي، وغير دستوري، وغير واقعي، وغير ممكن، فما هو الحل الشرعي الناجع لمشاكل قسمة الأملاك المشتركة الناتجة عن التعصيب؟

   الحل الذي يقترحه الاجتهاد الفقهي الشرعي، حلان اثنان:

   الحل الأول: الهبة: وهي عقد تمليك للعين، يهب بموجبه الأب مثلا لبناته في حياته ما شاء من أملاكه: منزل أو عقار، أو ما شاء. ولكن الهبة لا تخلو من مشاكل ومحاذير، منها: حق البنات في التصرف في عين الموهوب ببيع أو هبة أو تبرع مثلا، مما قد يلحق الضرر بالأب الواهب نفسه، وقد وهب كثير من الآباء منازلهم  لبعض أبنائهم العاقين، فأخرجوهم منها، وشردوهم في الشوارع والساحات.

  والحل الثاني: العمرى بالألف المقصورة: وهي عقد تمليك لمنفعة السكن أو العقار، عمر  الأب، أو البنات، أو المدة المعلومة التي يشاء المعمر، ولها عدة مزايا، منها: حماية حق السكن للبنات والإناث عموما، ومنعهن من تفويته أو التصرف في عينه بشكل من الأشكال.  ومنع الورثة من مطالبة الإناث بالقسمة، وبقاء ملكية العقار لصاحبه، وعودته إليه أو إلى ورثته، عند استغناء الإناث عنه، أو انتهاء المدة المعينة.

 فهذا هو الحل الشرعي والواقعي الأمثل والأنجع لمشاكل الملكية الناتجة عن التعصيب، وهو عقد معروف في الفقه الإسلامي عموما، وفي الفقه المالكي خصوصا، وحتى في القانون المغربي، في مدونة الحقوق العينية، المواد 105، 106، 107، 108. وهو حل يحترم نصوص الشرع القطعية، ويحل مشاكل الواقع الاجتماعي، وليس له عواقب ومحاذير وآثار  جانبية مثل الهبة، والحمد لله رب العالمين.     

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M