الدكتور العثماني يكتب: هل الأمراض النفسية قابلة للشفاء أم هي دائما مزمنة؟

22 يوليو 2022 15:05

هوية بريس- الدكتور سعد الدين العثماني

[email protected]

من بين الأسئلة التي تصلني كثيرا من المواطنين أسئلة تتعلق بطبيعة الأمراض النفسية، ومنها: هل هذه الأمراض هي دائما أمراض مزمنة؟ وهل هي قابلة للعلاج أو هل الطب النفسي فعلا يعالج منها شيئا؟ ولماذا نجد كثيرا يتابعون العلاج ولا يتحسنون؟

وتردد هذه الأسئلة يؤثر بشكل كبير على تصور المرض النفسي وتصور دور الطب النفسي فيه، لدى المصابين ولدى أسرهم وأقاربهم.

وكنا قد قلنا في حلقة سابقة أنه يجب النظر إلى الأمراض النفسية على أنها تصيب الجهاز النفسي للإنسان، كما أن أمراضا أخرى تصيب أجهزة أخرى من الجسم. والطب اليوم يتعامل من حيث المبدأ مع الأمراض النفسية كما يتعامل مع الأمراض العضوية، ويحتفظ لها ببعض الخصائص التي تؤخذ بعين الاعتبار أثناء التشخيص والعلاج.

ومعلوم لدى الجميع أن الأمراض العضوية عموما نوعان: أمراض حادة وأمراض مزمنة.  فالأمراض الحادة هي أمراض تظهر غالبا بشكل مفاجئ وتستمر لفترة زمنية قصيرة، ثم تزول تلقائيا أو بفضل العلاج، وفي بعض الحالات قد تترك تأثيرات على الصحة إذا تأخر العلاج أو لم يكن مناسبا. ومن أمثلتها التهاب اللوزتين والتهاب القصبات الهوائية الحاد والتهاب المسالك البولية وغيرها.

أما الأمراض المزمنة فهي حالات مرضية مستمرة في الزمان أو طويلة الأمد. والدور الأساس للعلاج فيها هو تحقيق تحسن الأعراض واستقرار حالة المريض. ومن أنواعه أمراض القلب وارتفاع ضغط الدم والربو ومرض السكري وهكذا.

وعلى نفس المنوال فإن الأمراض النفسية هي كذلك نوعان.

فمنها أمراض حادة، يمكن علاجها عموما بسهولة، في وقت قد لا يتجاوز أسابيع أو أشهرا. وعندئذ يمكن أن تشفى إلى غير رجعة تلقائيا أو بعد معالجتها. ومن هذه الأمراض بعض نوبات الاكتئاب أو اضطرابات القلق أو غيرها.

ومنها أمراض مزمنة، تحتاج إلى علاج يمتد لسنوات طويلة أو لعقود من الزمان. وذلك مثل مرض الفصام وبعض الأمراض الشبيهة به. وهذه الطبيعة المزمنة يجب ألا توهم بأن المرض النفسي شيء غريب وغير موضوعي، أو تجعل صاحبه يخجل منه أو من نفسه. فهو مثل العديد من الأمراض العضوية المزمنة، التي تحدثنا عنها، والتي تحتاج إلى علاج يمتد في كثير من الأحيان طول عمر المصاب. دون أن يعتبر ذلك مشكلة أو عيبا أو مانعا من متابعة علاج يحسنها أو على الأقل يمنع تعقد أعراضها.

ليست كل الأمراض النفسية المزمنة ذات تأثيرات خطيرة، وكثير منها إذا استشار المصاب

طبيبا متخصصا، وإذا شخصت حالته مبكرا، يمكن وضع استراتيجية علاجية تؤدي في الغالب إلى تحسن كثير أو قليل على حسب الحالات.

إن التمثلات الموجودة في المجتمع عن هذه الأمراض النفسية المزمنة، هي التي تزرع نوعا من سوء الفهم، وبالتالي تؤدي إلى التوجس والتخوف من هذه الأمراض، والتشكيك في التدخلات الطبية لعلاجها. ولو قارناها – كما قلنا – بالأمراض العضوية المزمنة، وفهمناها على ضوئها لاتضحت طبيعتها، وفهمنا طبيعة التدخلات العلاجية وحدودها.

وأختم بأمر جدير بالاهتمام، وهو أن علاج الأمراض التي أسميناها حادة مثل نوبات الاكتئاب، لم يكن متوفرا قبل حوالي ستين سنة، عندما اكتشف أول دواء مضاد للاكتئاب في التاريخ. وبدأت العلاجات النفسية هي كذلك تصبح أكثر مهنية وأكثر نفعا للمرضى. كما أن الأدوية التي تستعمل في علاج الفصام والأمراض الذهانية الأخرى لم تكن متوفرة قبل سبعين سنة. وبمجرد اكتشافها تمكن أغلب المرضى من مغادرة غرف المستشفيات النفسية ليعيشوا بين أهليهم، وليمارسوا أحيانا عملهم المهني. ومنذ ذلك الحين وقعت تطورات وتطورات كثيرة ومثيرة.

لذلك نقول إن عطاءات الطب في مجال معالجة الأمراض النفسية في تطور مستمر، وفي كل فترة زمنية نكتشف الجديد المفيد في التخفيف عن المرضى أو علاجهم. ولذلك يبقى الأمل – كما يقع بالنسبة للأمراض العضوية – أن تتوافر في المستقبل – إن شاء الله – المزيد من العلاجات للأمراض النفسية المزمنة تؤدي إلى شفائهم التام، لكن العلاجات المتوفرة حاليا تحسن حالتهم بشكل كبير.

آخر اﻷخبار
1 comments
  1.  ثبت في صحيح البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ما أنزل الله داءً إلا أنزل له شفاءً)] و كلامك اسي العثماني شبيه بالسفسطة ليس فيه مسكة من كلام الشرع الذي هو دواء أمراض النفوس.

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M