انتهى زمن فرنسا.. ليس الآن بل منذ سبعة عقود!

18 سبتمبر 2023 12:27
البق يغزوا باريس والحكومة الفرنسية تسابق الزمن للقضاء عليه

هوية بريس- محمد زاوي

كانت الحرب العالمية الثانية حدثا فارقا في التاريخ، وكان من نتائجها تراجع التشكيلات الاستعمارية القديمة وظهور أخرى جديدة، كما كان من نتائجها بروز قوى جديدة تتقاسم المجال مع الإمبريالية الجديدة.

في هذا الشرط الجديد، حافظت فرنسا على وجودها في بعض المناطق كإفريقيا منتظرة زمن انحسارها، أما تراجعها لفائدة قوى جديدة فقد بدأ منذ وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها. فرغم انتصار دول الحلفاء في الحرب، وفرنسا منها، إلا أنها خرجت من هذه الحرب ضعيفة غير قادرة بما يكفي على منافسة الولايات المتحدة الأمريكية في واقع الاستعمار الجديد، ولا هي كانت قادرة بمفردها على مواجهة الاتحاد السوفييتي، ولا على الحفاظ على وجودها دون لجوء لإحدى القوتين.

لجأت فرنسا للولايات المتحدة الأمريكية، لتدخل في مختلف أحلافها العسكرية والاقتصادية، كما حصل بالنسبة لباقي دول الاتحاد الأوروبي. ونتيجة لذلك، ومع استغلال حاجة الأمريكي إلى حلف منسجم (حلف الناتو) يواجه المعسكر الشرقي (حلف وارسو وامتداداته الجيوسياسية في إفريقيا والمشرق العربي…)، حافظت فرنسا على وجودها وجددته ليشمل:

-الوجود الثقافي واللغوي: عن طريق نخبتها الفرنكفونية، وهي النخبة التي لطالما اخترقت بها فرنسا مؤسسات ومعاهد وجامعات ودور نشر وقنوات إعلامية… لا تدافع هذه النخبة عن اللغة والثقافة الفرنسيتين فحسب، بل عن سيطرتهما في مجالات التعليم والإدارة والاقتصاد والتكنولوجيا.. ومع تراجع الدور الفرنسي عالميا، انحسرت هذه النخبة لفائدة نخب أخرى لم تعد تستهويها ثقافة باريس، فتراجعت اللغة الفرنسية لفائدة الإنجليزية، وفلسفة الأنوار الفرنسية لفائدة الفكر النقدي الألماني، وحكمة باريس لفائدة حكمة الشرق، ونمط العيش الفرنسي لفائدة نظيره الأمريكي، وأفلام الأرياف الفرنسية لقائدة السينما الهوليودية… الخ.

-الوجود الاقتصادي: حيث استمر الرأسمال الفرنسي في عدد من المستعمرات الفرنسية السابقة، يستفيد من ظروف استثمار خاصة (إعفاء وتخفيف ضريبي، يد عاملة رخيصة، مجانية الأرض…)، وينهب فائض القيمة من عرق جبين العمال وخامات الطبيعة في عدة دول.. لم يعد هذا الرأسمال الفاعل الوحيد في إفريقيا، وإنما أصبحت تنافسه رأسمالات دول أخرى كالصين والهند وروسيا وأمريكا والمغرب.. على استثمارات القارة الإفريقية، بل وفي دول يعتبرها الفرنسي معاقل تاريخية له.

-الوجود العسكري: وهو الذي مارست به فرنسا حمايتها الجديدة بعدد من دول إفريقيا، عن طريق القواعد العسكرية والتدخل العسكري كلما اقتضت المصلحة الفرنسية ذلك. وقد أصبح هذا الوجود مهددا في دول إفريقية بعينها بعد موجة الانقلابات الأخيرة، وكذا بدخول قوى أجنبية أخرى على الخط (كمجموعة “فاغنر” الروسية مثلا).

-الوجود السياسي: إما بالابتزاز في قضايا بعينها، وإما بالتدخل في القرار السيادي لعدد من دول إفريقيا.. فالقرار السيادي مرتبط بالاقتصاد والثقافة، وتحريره من التدخل الفرنسي يعني تحرير هذين الأخيرين من القبضة الفرنسية.. وقد رأينا أنه بمجرد تغير النظام السياسي في النيجر، أصبحت المصالح الفرنسية في ذات البلد بين كفي عفريت.. وفي دول أخرى، كدول شمال إفريقيا، انحسر التدخل الفرنسي في سياستها إلى أدنى مستوياته بحكم تعدد الأطراف الفاعلة دوليا، وتراجع الرأسمال الفرنسي بينها، ما مكن دول الشمال الإفريقي من فاعلية سياسية أكبر وقدرة على إعادة ترتيب الأولويات والعلاقات في الشرط الجيوسياسي الجديد.

أدت الأحادية القطبية، منذ سقوط جدار برلين، إلى هيمنة الولايات المتحدة الأمريكية على العالم اقتصاديا وثقافيا وسياسيا. ولم يعد لدى فرنسا كثير ملفات لتناور به الطرف الأمريكي، فخضعت لحالة غير مسبوقة من التبعية، بعدما كانت سيدة العالم الرأسمالي، وبعد عقود من اقتسام العالم بينها وبين بريطانيا. لقد عجل هذا الواقع الجديد بتعزيز الانحسار الفرنسي، وربما سيبلغ مداه في نظام دولي جديد، إما متعدد الأقطاب أو ثنائي القطبية بين الصين وأمريكا!

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M