برقية قرآنية إلى الذين يطالبون بتغيير أحكام الله في مدونة الأسرة

31 مارس 2024 17:24

هوية بريس – ذ.حماد القباج*

قال الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أَمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلُّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا (60) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهِ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا (61) فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا (62) أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ . فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا وَمَا (63) أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أنهم أَنَّهُمْ إذا ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّابًا رَحِيمًا (64)} [سورة النساء].

بجرأتها على الله تعالى وسعي بعض مؤسساتها لتغيير أحكام شرعه؛ جعلت (هيئة الأمم المتحدة) من نفسها ذلك الطاغوت الذي قال الله عنه: “أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ (60)“.

في هذه الآية استنكر الحق سبحانه وتعالى موقف الذين يزعمون أنهم مؤمنون، ومع ذلك يرفضون أحكام الله، مفضلين عليها أحكاما وضعها الإنسان مدفوعا بأهوائه وشهواته؛ وقد سمى الله من بدل حكم الله وسمح لنفسه بأن يحكم بما يرى هو ولو خالف حكم الله؛ سماه: طاغوتا؛ لأنه تجاوز حده بالجرأة على تغيير حكم الله تعالى والطاغوت مشتق من الطغيان ومعناه: تجاوز الحد.

ثم بين الله تعالى أن المسلمين الذين يرفضون حكم الله: منافقون؛ فقال: “وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُول رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا (61)“.

قوله “يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا” تأكيد يتضمن معنى النفور الشديد من حكم الله سبحانه؛ ولا يمكن أن يكون هذا من قلب مؤمن؛ بل قلب تسلل إليه مرض النفاق.

ثم أشار ربنا إلى أن الجرأة على تغيير حكم الله تجر على أصحابها المصائب؛ فقال سبحانه: “فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا (62)“.

فالمجتمع الذي يغير أحكام الله تحل به مصائب متنوعة؛ كالاضطرابات والانحرافات النفسية والسلوكية الحادة؛ مثل القلق المزمن والرغبة في الانتحار والشذوذ الجنسي وإدمان الخمر والمخدرات والرغبة في التحول الجنسي…

هذه الأمراض الفتاكة وغيرها نتيجة حتمية لتغيير أحكام الله سبحانه؛ لأن هذه الأحكام صممت بشكل يراعي

أحوالا كامنة في عمق النفس الإنسانية، وأحوالا ملازمة لطبيعة الاجتماع البشري والعلاقات الإنسانية؛ وهذا يشمل أحكام الله في مجالات العبادات والمعاملات والحكم والمال والاقتصاد والأسرة وتتميز هذه الأخيرة (أحكام الأسرة) بكونها تتعلق بنواة العلاقات الإنسانية والتجمع البشري؛ ولذلك فإن تغييرها يؤدي إلى دمار أكبر وضرر أكثر…

إن تفضيل (حكم الطاغوت) على (حكم الله عز وجل)؛ هو أحد أعراض مرض النفاق.

ومع خطورة هذا المرض فيمكن التداوي منه؛ ولذلك قال الله تعالى لنبيه: “أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ الله مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا (63)“.

أي: أعرض عن عقوبتهم، وانصحهم نصحا مقرونا بالتحذير من مغبة تحاكمهم إلى غير الله ورسوله، وبالإطماع بثواب الذين يحكمون كتاب الله وسنة رسوله، وقل لهم خاليا بهم في سرهم، وفي شأن حقيقة أنفسهم:

قولا يبلغ عمق وجدانهم، ويؤثر في قلوبهم، ويكشف حقيقة نفاقهم الذي يكتمونه…

إنها الرحمة الإلهية والشفقة القرآنية على هذا الإنسان المسكين الذي غره الغرور بربه الكريم؛ فنسي بأن الله لا معقب لحكمه، وأنه خير الحاكمين: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) [المائدة:50].

ثم ختم الله هذا السياق بالتأكيد على مبدأ طاعة الله ورسوله؛ وفتح باب التوبة والمغفرة أمام الذين وقعوا في إثم الصد عن حكم الله تعالى وتوهموا أن مصلحتهم في سن قوانين تخالف أحكام الله تعالى:

وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا” [النساء:64].

الحكمة في إرسال الرسل هي تبليغ أوامر الله وتوجيهاته إلى عباده، ليسيروا في حياتهم الخاصة والعامة وفقا لها، وطبقا لمقتضاها، وما دام الرسول ثابت الصدق عن الله؛ فلا بد لمن آمن به من أن يطيعه فيما أمر به ونهى عنه، دون أدنى تحفظ ولا أدنى اعتراض. ومخالفة ذلك المبدأ ظلم للنفس يعرضها لعقاب الله تعالى؛ لذا تجب التوبة منه: “وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا“.

والملفت أن هذا الإرشاد القرآني بضرورة العمل بقوانين الله تعالى وحرمة تغييرها؛ جاء في سورة النساء؛ وهو ما يوحي بإشارة لطيفة إلى وجود علاقة ما بين “أحكام الله” وتطورات قضية المرأة وحقوقها”،

وموضوع “الأسرة وأحكامها”؛ فسبحان من اخترقت كلماته حجب الزمان، ونفد البحر وما نفدت كلمات الرحمن…

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* مدير مؤسسة إحياء.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M