تسمية الحدود الشرعية بغير أسمائها.. العلاقات الرضائية نموذجا

06 مايو 2023 14:50
دعاة الحريات الفردية

هوية بريس – د.عبد الحميد بنعلي

جاءت الشريعة الإسلامية بجملة من الأحكام مرتبة على أسماء شرعية معلومة الحد والماهية، وهذا يشمل الأحكام التكليفية والعقوبات الزجرية والحدود وغير ذلك.

وهذه الأسماء والمصطلحات الشرعية تعتبر من ضمن الحدود التي حرم الله سبحانه تبديلها وتغييرها، يقول الإمام ابن تيمية في مجموع فتاويه (ومعرفة حدود الأسماء واجبة لا سيما حدود ما أنزل الله في كتبه من الأسماء كالخمر والربا، فهذه الحدود هي الفاصلة المميزة بين ما يدخل في المسمى ويتناوله ذلك الاسم وما دل عليه من الصفات وبين ما ليس كذلك؛ ولهذا ذم الله من سمى الأشياء بأسماء ما أنزل الله بها من سلطان، فإنه أثبت للشيء صفة باطلة كألوهية الأوثان… وهذه الحدود معرفتها من الدين في كل لفظ هو في كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ثم قد يكون معرفتها فرض عين وقد تكون فرض كفاية؛ ولهذا ذم الله تعالى من لم يعرف هذه الحدود بقوله: {الأعراب أشد كفرا ونفاقا وأجدر ألا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله}).

وفي سياق الحرب على الهوية الإسلامية تم استحداث جملة كبيرة من المصلحات لتحل محل الاسماء الشرعية المتعلقة بالمحرمات، لتجاوز حمولة المصلح الديني القديم.

وقد كان وقوع هذا من دلائل نبوة النبي صلى الله عليه وسلم، فقد روى أهل السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “ليشربن ناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها” وقد جاء حديث آخر يوافق هذا مرفوعا وموقوفا من حديث ابن عباس “يأتي على الناس زمان يستحلون فيه خمسة أشياء بخمسة أشياء: يستحلون الخمر باسم يسمونها إياه، والسحت بالهدية، والقتل بالرهبة، والزنا بالنكاح، والربا بالبيع”.

ومن أشهر هذه المصطلحات الحادثة مصطلح (العلاقة الرضائية) الذي يقصد به الزنا، وضعه أصحابه للتطبيع مع الفواحش، ولتجاوز الحمولة الدينية والشرعية الكامنة في الزنا.

والذي يجب أن يعلمه المسلم: أنه لا يجوز تسمية الزنا بهذا الاسم، وذلك لأمور ثلاثة:

1- ما تقدم من الأدلة الدالة على تحريم تغيير مصطلحات الشرع، واعتبارها من الحدود التي تجب حمايتها.

2- أن الأحكام الشرعية تناط بأسمائها، فإذا بدل الاسم تبدل الحكم الشرعي، وهذا أمر محرم، وما أدى إليه مثله، مع أن التحريم تابع للحقيقة والمفسدة لا للاسم والصورة، ولهذا يقول الفقهاء “العبرة في العقود بالحقائق والمعاني لا بالألفاظ والمباني”، ولكن هؤلاء الناس يظنون أن تلاعبهم بالألفاظ يعفيهم من التبعات وهيهات هيهات، فأي شيء نفع نفاة القدر حين سموا ذلك (عدلا)، وأي شيء نفع المشركين حين سموا شركهم (قربانا)، وأي شيء نفع تسمية السجود لبشر (تعظيما واحتراما)، وتسمية إنكار الغيبيات بـ(الفلسفة والحكمة)، وتسمية النفاق ب(العقل والكياسة)، وتسمية الشبه القادحة في الشرائع ب(الأدلة والبراهين)، وسوى ذلك من الأسماء المحدثة التي قال عنها القرآن {إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان} [النجم:23] .

3- أن هذا المصطلح (العلاقة الرضائية) فيه تزوير وكذب وتضليل، فهو أعني الزنا ليس من قبيل العلاقات، وإنما هو إثم وخطيئة ورجس من عمل الشيطان، والعرب لا يطلقون لفظ (العلاقة) على هذا المعنى، إنما لمعان أخرى ليس فيها من الفواحش شيء.

وثانيا: فهذه (الفاحشة) ليست رضائية، فإن من يعتبر رضاه وعدمه هو الله سبحانه، وهو سبحانه لا يرضى بالفواحش ولا يقرها بحال، {قل إن الله لا يأمر بالفحشاء أتقولون على الله ما لا تعلمون}، ولا عبرة برضا الزاني والزانية إذا كان الله غير راض، ومن قواعد الشرع “كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط”.

وثالثا: فهذا المصطلح من مفاسده شموله لكل علاقة رضائية بين اثنين فهو يشمل إذن البيع والإيجار والزواج والاستصناع وجميع العقود القائمة على الرضا بين الطرفين، وإذا سموه (علاقة رضائية جنسية) دخل فيه أيضا الزواج الشرعي الصحيح، فلا يتحصل به مفهوم الزنا على ما هو عليه، ولا ينطبق عليه شرط الحد المعتبر وهو أن يكون جامعا مانعا.
فلهذه المفاسد كلها وجب على العلماء والكتاب أن يتجنبوا الوقوع في فخ دعاة المجون، وأن يسموا الأشياء بما سماها به الشرع، وإلا كانوا من جملة المطبعين.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M