د.رشيد بنكيران يكتب: شهر شعبان والحقائق الثلاث

22 فبراير 2023 23:20

هوية بريس – د.رشيد بنكيران

أخرج الإمام النسائي بسند صحيح عن أسامة بن زيد رضي الله عنه أنه قال: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ: لَمْ أَرَكَ تَصُومُ شَهْرًا مِنَ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ؟

قَالَ ﷺ: «ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ، وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ».

يخبرنا هذا الحديث عن ثلاث حقائق ينبغي للمسلم أن يتفطن لها:

✓ الحقيقة الأولى:

تتعلق بعظم العبادة والاشتغال بها عند غفلة الناس، بالقدر الكبير للعابد الفطن عند وجود المتهاونين المفرطين، بالمكانة الرفيعة للطاعة والذكر عند نسيانهما من طرف غالبية الناس.

فما أعظم أن تذكر الله حين ينساه غيرك،

وما أعظم أن تعبد الله حين يغفل عنه غيرك،

وما أعظم أن تقبل على الله حينما يعرض عنه الناس، وقد دل على هذا الأمر أحاديث كثيرة متنوعة من بينها:

ـ ما أخرجه أحمد والترمذي بسند صحيح صحيح عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلاَمٍ قَالَ: لَمَّا قَدِمَ النَّبِىُّ ﷺ الْمَدِينَةَ انْجَفَلَ النَّاسُ عَلَيْهِ، فَكُنْتُ فِيمَنِ انْجَفَلَ، فَلَمَّا تَبَيَّنْتُ وَجْهَهُ عَرَفْتُ أَنَّ وَجْهَهُ لَيْسَ بِوَجْهِ كَذَّابٍ، فَكَانَ أَوَّلُ شَىْءٍ سَمِعْتُهُ يَقُولُ: «أَفْشُوا السَّلاَمَ وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ وَصِلُوا الأَرْحَامَ وَصَلُّوا وَالنَّاسُ نِيَامٌ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلاَمٍ».

ووجه الشاهد من الحديث قوله ﷺ «وَصَلُّوا وَالنَّاسُ نِيَامٌ»، وقد جرت العادة أن وقت نوم الناس يقل فيه من يذكر الله تعالى ويناجيه، فدل ذلك على عظم الصلاة عند قلة المصلين والمناجين.

ـ ما رواه مسلم عن مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ أن النبي ﷺ قال: «الْعِبَادَةُ فِى الْهَرْجِ كَهِجْرَةٍ إِلَىَّ»، وقد فُسر الهرج بكثرة القتل، وفسر كذلك بشدة الفتنة، وكلا التفسيرين صواب إلا أن التفسير الثاني أعم؛ فمن أسباب الفتنة كثرة القتل بين الناس، ومنها كذلك وجود كثرة الشهوات، ومنها أيضا وقوع كثرة الشبهات…

وغالب الناس يغفلون عن العباداتأثناء الفتن الشديدة، فالعابد لله عند وجود الهرج ذاكر لله عند غفلة الناس، وواقف على حدود الله عند تجاوز غيره لها، ومهاجر إلى الله عند انتكاس غيره. وكلما كان ثبات العابد عند شدة الفتن وتفريط غيره عظم أجره واستحق ثواب المهاجر كمن هاجر مع رسول الله عليه الصلاة والسلام.

ـ ما رواه الترمذي وحسنه الألباني عن عمر رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «مَنْ دَخَلَ السُّوقَ فَقَالَ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكُ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، يُحْيِى وَيُمِيتُ وَهُوَ حَىٌّ لاَ يَمُوتُ، بِيَدِهِ الْخَيْرُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ. كَتَبَ اللَّهُ لَهُ أَلْفَ أَلْفِ حَسَنَةٍ، وَمَحَا عَنْهُ أَلْفَ أَلْفِ سَيِّئَةٍ، وَرَفَعَ لَهُ أَلْفَ أَلْفِ دَرَجَةٍ».

ووجه الشاهد من الحديث أن السوق ـ وهو مكان البيع والشراء وكثرة اللغظ وحضور القلب فيما يعود بالنفع الدنيوي ـ يكثر فيه الغافلون عن ذكر الله، فمن ذكر الله في السوق ولم ينساه، واستحضرذلك الذكر النبوي، كان كمن وطن نفسه وقلبه ألا يقع في الغفلة ونسيان الله سبحانه عند وجود أسبابه، فهو في منزلة المجاهدة مع النفس، واستحق بذلك تفضلا من الله ذلك الثواب العظيم.

✓ الحقيقة الثانية:

يحمل حديث أسامة بن زيد حقيقة أخرى تتجلى عند قوله عليه الصلاة والسلام: «وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ». ففي شهر شعبان ترفع أعمال العباد إلى الله وتعرض عليه.

ورفع أعمال العباد إلى الله سبحانه لها صور متنوعة، منها:

1ـ الرفع اليومي: في الصحيحين عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ «يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلاَئِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَلاَئِكَةٌ بِالنَّهَارِ، وَيَجْتَمِعُونَ فِى صَلاَةِ الْعَصْرِ وَصَلاَةِ الْفَجْرِ، ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ فَيَسْأَلُهُمْ وَهْوَ أَعْلَمُ كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِى فَيَقُولُونَ تَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ ، وَأَتَيْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ» .

2ـ الرفع الأسبوعي: ما رواه الترمذي عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «تُعْرَضُ الأَعْمَالُ يَوْمَ الاِثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ، فَأُحِبُّ أَنْ يُعْرَضَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ».

3ـ الرفع السنوي: ففي هذا الشهر المبارك شهر شعبان ترفع أعمال العباد :«وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ»، كأن السنة باعتبار الأعمال التي سيحاسب عليه الناس تبتدأ بشهر رمضان وتنتهي بشهر شعبان، فترفع تلك الأعمال إلى رب العالمين وتعرض عليه.

وهذا يدعو المسلم أن ينظر في أمر نفسه؛ كيف يريد أن يلقى الله عز وجل في خاتمة هذه السنة؟ هل بطاعات وعبادات تقربه من الله أم بمعاصي وفجور تحول بينه وبين رحمة الله !؟

✓ الحقيقة الثالثة:

تشير الحقيقة الثالثة إلى اختيار النبي عليه الصلاة والسلام نوع العبادة التي أحب أن تكون مرافقة لعمله، وعمل النبي عليه ﷺ كله خير من أوله إلى آخره، فوقع اختياره على الصوم، وهذا فيه إشارة إلى تفضيل عبادة صيام النافلة على غيرها من نوافل العبادات الأخرى في شهر شعبان ، وقد كان ﷺ يكثر من صومه، ففي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: “كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ لاَ يُفْطِرُ، وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ لاَ يَصُومُ. وَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ اسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ قَطُّ إِلاَّ رَمَضَانَ وَمَا رَأَيْتُهُ فِي شَهْرٍ أَكْثَرَ مِنْهُ صِيَامًا فِى شَعْبَانَ“.

وإذا تقرر أن صيام التطوع أفضل من غيره في شهر شعبان، فهذا لا يعني ترك ما سواه، فنوافل العبادات كلها خير، وإنما حديثنا عن الهدي الأفضل والأكمل، فمن لم يستطع الإكثار من الصيام فليشتغل بالقيام، أو يعمر وقته بالذكر والصلاة على النبي العدنان، أو غيرها من العبادات كالصدقة بالمال، فما أحوج الناس إليه في هذه الظروف، وأسأل الله أن يتقبل مني ومنكم صالح الأعمال.

آخر اﻷخبار
1 comments
  1. يقول الامام ابن الباز على موقعه الرسمي:”الذكر في الأسواق وفي البيت مشروع، تقول عائشة -رضي الله عنها-: “كان النبي ﷺ يذكر الله على كل أحيانه” والله يقول سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا ۝ وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا [الأحزاب:41-42] الإنسان في السوق يذكر الله، بين الناس يذكر الله، حتى يذكرهم، حتى يعينهم على ذكر الله، لكن هذا الحديث ضعيف.

    وتمامه: كتب الله له ألف ألف حسنة، ومحا عنه ألف ألف سيئة، ورفعه ألف ألف درجة وهو …. حديث ضعيف، لا يصح عن النبي ﷺ حسب ما اطلعنا عليه من أسانيده، ولكن عدم صحته ليس معنى ذلك أن الإنسان لا يذكر الله، يذكر الله، ولو ما حصل له هذا الأجر المعين، يذكر الله كثيرًا، له فضل عظيم، وأجر عظيم، لكن نفس هذا الحديث الذي سأل عنه السائل، ليس بصحيح، نعم.”

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M