عبد الاله بنكيران من تقويم اعوجاج الدعوة الى تقويم اعوجاج الدولة

09 أبريل 2016 22:03
فضل الاجتماع على نوافل الطاعات‬

د. محمد بولوز

هوية بريس – السبت 09 أبريل 2016

تذكرني المعارك المستمرة لرئيس الحكومة الأستاذ عبد الاله بنكيران لإرساء قواعد دولة الحق والقانون، وترسيخ مبادئ موضوعية في النظام السياسي المغربي، والسير في وجهة الحكامة والنزاهة والشفافية، بما كان يمارسه معنا يوم كان يقودنا في المسار الحركي والدعوي، فقد تربينا في المراحل الأولى للحركة الاسلامية وبالضبط في الجناح المنبثق من الشبيبة الاسلامية على السرية وما يشبه الفكر الثوري الانقلابي على الوضع القائم، وكان الحكم بوصلتنا في التغيير والاصلاح، وهو المضغة عندنا إذا صلحت صلح ما بعده، وأن الانشغال بالإصلاحات الجزئية مضيعة للوقت والعمر، وأن مشروع التغيير لا يمكن أن يحمله غير المبشرين به، بما يعني جعل ذواتنا ومن يشبهها أو يعتبر امتدادا لها شرطا ضروريا لذلك التغيير، وكان عندنا ما يشبه الغاية تبرر الوسيلة وخصوصا تجاه النظام ومن نعتبرهم من الخصوم، وكان عندنا الاسلام هو الحل بشكل آلي لكل المشكلات والمعضلات، وكان عندنا ما يشبه التنكر لظاهر ما يرفع من شعارات الدين والوطنية ونحو ذلك، والقفز على التاريخ والخصوصية المغربية.. ولم يكن للعلماء المغاربة ممن عندهم صلة ما بالجهات الرسمية وزن يذكر في صفوفنا، وعندنا سوء ظن شديد من الرسميات وكل ما يأتي من مؤسسات الدولة..

إنها بفهمنا الان أعطاب حقيقة وسير في نفق غامض أو حتى مسدود، رغم أنه كان عندنا سيرا واضحا لا لبس فيه بحسبنا، ويشفع لنا الصدق والحماس والاستعداد للتضحية بلا حدود، وكان عندنا إخلاص في الانتماء وجندية متحفزة، وأذكر في مخيماتنا اسمي الحركي “معاذ” وأذكر إخوة آخرين طلحة والزبير وعمر وغيرهم على أسماء الصحابة رضي الله عنهم، وأذكر تقمصي لشخصية سعيد بن جبير في مسرحية المخيم “عالم وطاغية” وأذكر أحد الاخوة جاء بعد المخيم يسأل عني في بيتي باسم معاذ فأجابته الوالدة حفظها الله ما عندنا معاذ يا ولدي.. وأذكر تسللنا خفية عن عيون “المقدمين” والتحاقنا بعد صلاة الفجر خارج سور المدينة من جهة حي الروى بمكناس حيث كنا نتدارس أمثال حديث جبريل أو فقرات من ظلال القرآن لسيد قطب رحمه الله ومعالم في الطريق له ثم تكون بعده حصة رياضية قاسية نزحف فيها على مرافقنا العارية غير مبالين بشوك أو حجر.. المهم أننا كنا نستعد ليوم الفصل منتشين بأبيات مشرقية نرددها “هو الحق يحشد أجناده…ويعتد للموقف الفاصل…فصفوا الكتائب آساده…ودكوا به دولة الباطل..”.

هذه هي الأجواء وما يشبهها التي باشر فيها الأستاذ عبد الاله بنكيران الاصلاح الدعوي هو وثلة من الاخوة القياديين يومها من أمثال عبد الله بها رحمه الله والأستاذ محمد يتيم والدكتور سعد الدين العثماني والدكتور عز الدين توفيق.. إنه كان نحتا في الحجر، وما يشبه تحويل نهر هادر، وتعديل مسار تيار جارف، كانت جولات مكوكية في ربوع الوطن ولقاءات مطولة وسهرات ليلية إلى أوقات متأخرة في جموع مكتظة وفي بيوتات معظمها ضيق يؤشر على المستوى الاجتماعي لمعظم المنتسبين، وفي أجواء مشحونة أحيانا بتساؤلات مريبة وحتى مشككة أحيانا أخرى تصحبها حدة من شباب متحمس..

فبدأ الحديث عن “الابتلاء المبصر” أي الاقناع بالخروج إلى الأضواء الكاشفة حيث يكون الابتلاء إذا قدره الله على أمر واضح، ألا وهو الدعوة إلى الله تعالى، وقطع الطريق على تلفيق التهم بأي شيء مما يتيحه العمل السري للخصوم، والقطع مع استنساخ التجارب المشرقية للحركة الاسلامية وخصوصا في موقفها من أنظمتها، ثم التركيز على أننا جماعة من المسلمين نساهم في إقامة الدين في مختلف المستويات الممكنة، ثم أخذ الناس بظاهر ما يزعمون بدون الخوض في البواطن والنوايا، فكما نسلم للمسلم الواقع في مظاهر الانحراف بإسلامه وندعوه إلى إكمال تدينه وتصحيحه وترشيده، فكذلك الدولة، هي دولة مسلمة وندعو إلى استكمال ما نقص من الدين وتصحيح ما وقع فيه الانحراف، وتثمين الموجود والرفق في تحصيل المقصود، فالإسلام أصيل في دولة المغرب لقرون والانحراف طارئ وجب المساهمة مع آخرين من أجل إصلاحه، والاسلام ليس فيه حلول آلية وميكانيكية لكل القضايا والمشكلات وإنما هو هداية يستصحبها المسلم وهو يباشر السياسة أو الاقتصاد أو التربية والأمور الاجتماعية وغيرها، فيكون ما يقوم به اجتهاد من الاجتهادات، يخضع للخطأ والصواب، ومما كان فيه الأستاذ عبد الاله بنكيران صارما لا يقبل فيه التنازل، رفضه الازدواجية والعمل بوجوه مختلفة، ورفضه للمناورات وحرصه على الصدق، وأن لا يقول الإنسان في اللقاءات الداخلية في الغالب الأعم إلا ما يقدر أن يقوله دائما وبالعلن في الناس، ويستطيع أن يدافع عنه بما يناسب، ويحرص الرجل على التطبيق الداخلي للمبادئ قبل مطالبة الآخرين بها، واعتماد الشورى الحقيقية والانتخاب الداخلي بلا ترتيبات قبلية ولا كواليس ممهدة لإخراج مدروس لنتائج التجمعات، وغضبه الشديد إذا مست المشروعية، فالمسؤول مسؤول والطاعة واجبة في المعروف والقوانين الداخلية تحترم، وإذا كان فيها من إشكال تراجع أولا عبر مؤسساتها ثم تلتزم بما هي عليه.. وأذكر مرة أنه كان على استعداد لتذهب مدينة حركية بكاملها، ويعاد العمل فيها من جديد، إذا كان المقابل هو خرق القانون الداخلي وعدم اعتبار المشروعية، فأصر على تطبيق القانون ولم يخرج من الحركة يومها سوى عضو واحد أو اثنين وبقي العمل متماسكا رغم ما كان من تخوفات..

هكذا عرفنا الأستاذ عبد الاله بنكيران مع صبر كبير على إخوانه ممن لم يستوعبوا التوجه إلا بعد هياط ومياط كما يقال، وصاحب أخلاق رفيعة، وتواضع جم، وجود وكرم نادرين، وبذل وتضحية معتبرين، ومن آخر ما أذكر للرجل أنني بعثت برسالة هاتفية لعدد من إخواننا في الحركة أستنجدهم للمساهمة في بعض إصلاحات مقر الحركة بفرع الرباط فأغاثني بخمسين ألف درهم من ماله الخاص، دفعة واحدة بهدوء ومن غير إلحاح مني، ففهمت لماذا لم يتكون له رصيد معتبر من الأموال رغم راتبه المحترم في رئاسة الحكومة، وللرجل قلب أبيض من اللبن بحسب ما ظهر لي أنا على الأقل، وحس اجتماعي خاص وخصوصا مع ذوي الفاقة والحاجة، وبيته كان شبه مقر للإخوان والأخوات وكان شبه خيرية لذوي الحاجات، وله بفضل الله فطنة وذكاء وموهبة بارزة في الشخصية والقيادة، إنه هدية نفيسة وغالية من الحركة الإسلامية الرشيدة لهذا الوطن وللمغرب والمغاربة.

فهو يقوم اليوم داخل دواليب الدولة، بعد عون الله وتوفيقه ثم بمعونة ملك البلاد، والمخلصين في هذا البلد، بما كان يقوم به داخل صفوف الحركة الاسلامية وفي تيار الدعوة إلى الله، بصدق وإخلاص وتجرد ونزاهة وشفافية، وحرص على دولة الحق والقانون والسير قدما على درب الحكامة الجيدة وترسيخ المشروعية وعمل المؤسسات، يريد الخير للوطن ويريد له رفعة وكرامة وتنمية فعالة وتطورا مطردا وعدالة اجتماعية، فعينه دائما على الضعيف والمسكين حتى يصل إليه شيء من خيرات البلد، ولو لم يكن يحسن الصراخ والاحتجاج، يواجه المواقف بشجاعة ولا تحرك بحره الدلاء مهما علا الضجيج والتشويش، حفظه الله من كل سوء، وختم لنا وله بالحسنى وزيادة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

د. محمد بولوز: أستاذ التعليم العالي

مكون بالمركز الجهوي لمهن التربية

والتكوين بالرباط المغرب

ممثل المراكز في اللجن الثنائية عن النقابة

المغربية للتعليم العالي والبحث العلمي.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M