فتوى تحريم تعليم اللغة العربية لغير المسلمين!!!

17 أبريل 2024 17:15

هوية بريس – د.خالد الصمدي

نظمت كلية الآداب والعلوم الإنسانية بتطوان في تسعينيات القرن الماضي ندوة دولية في موضوع “أضواء جديدة على المصادر الأندلسية”، حضرها المستشرق الهولندي البروفيسور “فان كنسفلد” أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة لايدن وفريق من طلبته الباحثين.

فقدم الرجل قراءة في فتوى لفقيه أندلسي زمن بنى الأحمر (فترة ضعف وسقوط الأندلس) يحرم فيها تعليم اللغة العربية على غير المسلمين،
واعتبر الرجل أن هذا الحكم يدل على عقلية انسداد الفقه الإسلامي القديم في تناف صريح مع التواصل بين الشعوب الذي دعا إليه القرآن بنص قطعي الدلالة، فاتهم هذا الفقه بالانغلاق ولم ينتبه إلى الخلل الذي وقع فيه وهو يفصل الفتوى عن السياق.

قلت له ساعتها معقبا: يبدو سيدي أنك خلطت في قراءة الفتوى الموجودة بين يديك بين الفتاوى والأحكام، فالأحكام كما هو معلوم ثابتة، والفتاوى متغيرة بتغير السياقات والأحوال بل وحتى ظروف الاشخاص، وهو ما يعرف عند علمائنا بفقه التنزيل.

فإذا نظرت الى سياق الفتوى لوجدت أن بعض المسيحيين في لحظة سقوط الاندلس استعملوا تعلم اللغة العربية كسلاح في الصراع الحضاري فكانوا يتعلمون اللغة العربية بقصد الطعن في القرآن والسنة النبوية وتشويه تاريخ وحضارة المسلمين ونشر الاكاذيب بهدف بث الفرقة والشك بينهم.

وحين علم الفقيه المفتي بهذا الغرض السيء أفتى بتحريم تعليم اللغة العربية لغير المسلمين استثناء من الحكم الأصلي وهو دعوة الإسلام إلى التعارف والتواصل والتعليم، الثابت بنص قرآني قطعي.

فإذا انتفى السبب العارض الذي يشكل علة الفتوى عاد الحكم الأصلي إلى أصله في ظروفه الطبيعية، وسكنت الفتوى في بطون كتب التاريخ للعبرة والاعتبار.

وهذا المنهج لا يعني بحال تعطيل نص قرآني قطعي كما زعمت،

وهذا هو الفرق بين الفتاوى والأحكام في تنزيل النصوص الشرعية ،

وإذا عرف السبب بطل العجب،

وألا ترى يا سيدي أن بعض الدول الغربية تمنع باحثين عربا ومسلمين لنفس هذه العلة من البحث في العلوم التكنولوجيات الدقيقة إلى اليوم، استثناء من قاعدة حرية البحث العلمي؟ وتحجب اقتناء السلاح المتطور عن بعض البلدان استثناء من قاعدة حرية السوق؟

لم يجب الرجل على هذا الإشكال المنهجي ولكنه خاض في إثبات وجود الفتوى والمصدر الذي عثر عليها فيه وهذا ليس محل خلاف.

أسوق هذه الحادثة في سياق السجالات الدائرة اليوم حول مدونة الأسرة، ودعوة بعض من تنقصه العدة العلمية في قراءة النصوص الشرعية إلى تجاوز نصوص قرآنية قطعية الدلالة بدعوى تغير الظروف والأحوال، مستشهدا بوجود أمثلة ونماذج في ما ذهب إليه بعض الصحابة الكرام والأئمة الفقهاء الأعلام من زعم تعطيل بعض الأحكام الثابتة بنصوص قطعية الورود والدلالة حينما تغيرت الأحوال، وذلك في خلط واضح بين الفتاوى والأحكام، كما وقع لصاحبنا البروفيسور الهولندي.

إن علماءنا الأعلام قد حسموا في هذا الأمر بالكلام، فميزوا بين الفتاوى والأحكام، ووضعوا لهذا الفقه قواعده وضوابطه وأدواته، وسموه بفقه التنزيل، ولا علاقة لذلك بأي اجتهاد يدعو إلى الدفع بنصوص قطعية الورود والدلالة إلى التحنيط والتعطيل.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M