فوضى الملاعب والمعنى

05 مايو 2023 19:44

هوية بريس – ابراهيم أقنسوس

الأصل في متابعة منافسة رياضية، أنها مناسبة للترويح عن النفس، وإراحتها من أوصاب الحياة وأتعابها، وإمتاعها بفرجة جميلة، عمادها تنافس شريف وأنيق، بين متنافسين أو أكثر، يجتهد كل طرف منهم، لحيازة الغلبة، وعرض مهاراته وبراعته الفنية أمام المتفرجين، بغرض إمتاعهم وانتزاع تشجيعاتهم وتصفيقاتهم؛ وكلما تقدمت أطوار المنافسة الرياضية، وارتفع مستواها، وطنيا فقاريا فدوليا، كلما اشتد معها منسوب الحماس، وأصبح للفرجة طعم آخر، أجود وأرقى وأكثر إمتاعا؛ وبمجرد انتهاء المنافسة، تعود جموع المتفرجات والمتفرجين، إلى حياتهم العادية، وإلى معانقة عوائدهم وأشغالهم، وهم أكثر نشاطا وانشراحا، سعداء بما قضوه من لحظات ممتعة ومفيدة.

هذا ببساطة، هو المعنى العادي والبدهي، الذي تهدف إليه المنافسات الرياضية عموما، والتي لا علاقة لها إطلاقا، بكل ما نراه ونتابعه ونسمع عنه، من مشاهد وصور مفجعة، لأشكال مختلفة من العنف، بنوعيه الرمزي والمادي، والتي سرعان ما تتحول، مع الأيام، ومع الإهمال، إلى فوضى مخيفة، تزعج المواطنين، وتهدد سلامتهم.

فما معنى أن يتحول حضور منافسة رياضية، إلى مناسبة لتفجير العداوات، وإثارة الأحقاد، والتلويح بألوان من العصبيات؟؟

ما يعني أن أصحابها، ما زالوا يعيشون في زمن الغاب والطبيعة، ولم ينتقلوا بعد، ولا يهمهم أن ينتقلوا، إلى زمن الثقافة، حتى وهم يتواجدون داخل مدينة كبيرة، من حجم الدار البيضاء مثلا؛ نعم، واضح جدا، أن علينا البحث في الأسباب التنظيمية الثاوية، خلف ما حدث في مقابلة، الرجاء والأهلي، وكذا البحث في الأسباب التي أدت إلى وفاة الشابة المشجعة نورة، ثم لنا بعد ذلك، وحتى لا تتكرر هذه المآسي، أن نطرح الأسئلة الأهم، ويأتي على رأسها: من أين تأتي هذه الفوضى، التي تتحول مع الأيام، إلى هاجس يؤرق المواطنين والمواطنات، والجهات المعنية بالمحافظة على الأمن؟؟ وعلينا أن نتذكر ونستعرض كل العناصر والأسباب، التي تؤدي إلى إفساد هذه الفرجة الرياضية البديعة، وهذه بعضها:

أولا: عينات الجماهير التي تحضر هذه المباريات، وأخص بالذكر الشباب واليافعين، وأيضا الأطفال؛ هؤلاء الذين يأتون إلى الملاعب في جماعات، ويتنقلون من مدينة إلى أخرى، بدعوى متابعة فرقهم المفضلة، وبعضهم ينتمي إلى بعض (الإلترات)، يرددون أناشيدها بحماس ظاهر؛ ما هي المستويات الدراسية لهؤلاء الشباب، وما علاقتهم بالمدرسة؟ ما طبيعة أسرهم التي نشؤوا فيها؟

ولماذا يترك بعضهم، أقسامهم الدراسية، في غير أيام الآحاد، من أجل متابعة فريقهم المفضل، أو كما يقولون، ومن أقنعهم بهذا المعنى؟

ومن المسؤول عن كل هذا التردي القيمي والسلوكي، الذي يصدر عنه الكثيرون منهم، لا سيما في حالة هزيمة فريقهم المفضل؟ وما سر كل هذا العنف الرمزي والمادي، الذي يواجهون به، منافسيهم؟؟ ولماذا يتجهون مباشرة، وبعد نهاية المباريات، إلى تخريب الممتلكات العمومية والخاصة؟؟. المؤكد أن مسؤولية، الأسرة، والمدرسة، ومؤسسات المجتمع المدني، المسؤولية التأطيرية والتربوية تحديدا، واضحة هنا.

ثانيا : الإعلام الرياضي في بعض أنشطته، لا يبدو موفقا في القيام بمهمته التأطيرية، إذ ينساق في عمومه، مع حماس المنافسات، ويساهم بلاوعي أحيانا، في التأجيج السلبي لعواطف المتفرجات والمتفرجين، باستعمال لغة ومصطلحات، هي أقرب إلى قواميس الحروب والمواجهات العسكرية، منها إلى المنافسات الرياضية، (علينا أن ننتصر في هذه المعركة، نحن في مواجهة خصم عنيد، يجب أن تكون الخطة محكمة، حذار من الأخطاء القاتلة، نخوض اليوم أم المعارك، لا محيد اليوم عن الإنتصار، علينا أن نسجل باكرا لنقتل المباراة… )، ومن المنشطين الرياضيين من يلهج بالدعاء، ولست أدري ما علاقة الدعاء، بمباراة في كرة القدم مثلا، التي لا تعدو أن تكون منافسة رياضية، ينتصر فيها، الأجدر والأقدر والأكثر استعدادا وتركيزا، كان من كان. يبدو أن الإعلام الرياضي، المسموع والمرئي خاصة، مدعو عبر بعض وجوهه، إلى مراجعة خطابه، وإعادة التفكير في دوره التربوي والمنهجي، اتجاه المتلقين.

ثالثا: إن المنافسات الرياضية لا يمكن أن تكون ملهاة، وليست مجالا للتنفيس عن الإكراهات، ولا تعويضا عاطفيا، عن الخسارات والخيبات، التي تواجه هؤلاء الشباب، والنتائج أمامنا واضحة وناطقة، وبلادنا تريد أن تتقدم، وتحوز مكانتها المعتبرة بين الأمم، وتنال الحظوة بتنظيم كأس العالم؛ وكل هذا لا يتحقق إلا بشباب متعلم، واع، منظم ومواطن، يحس أن هذه البلاد التي يصرخ في مدرجات ملاعبها، تحتضنه، وتهتم بشؤونه، وتخدم قضاياه الأساس، ورحم الله الفقيدة نورة، وألهم أهلها الصبر الجميل.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M