مآلات الحداثة وأضغاث العلماني العربي

02 أبريل 2023 11:22
دعاة الحريات الفردية

هوية بريس – علي الرباج

إن المغرب بلد ضارب في عمق التاريخ الإنساني، ولا شك أنه شهد الكثيرات من التقلبلات الاجتماعية والسياسة والدينية، حتى أرسى أخيرا على الإسلام كدين وكمنظومة حياة.

إبان احتلال الفرنسي ومع أن المقيم العام ليوطي حاول استمالة المغاربة باحترام دينهم وأعرافهم، إلا أنه في قرارة نفسه كان يبغض كل ما له علاقة بالإسلام، وذلك لسبب وجيه وبسيط، هو أن الإسلام دين النخوة والعزة ويؤفض رفضا قاطعا ما كانت تريده فرنسا بالمغرب والمغاربة، فهو الذي به وعليه اجتمعت القبائل لمقاومة الاحتلال وبه حارب المغاربة وهم حفاة، وهم مفتقرون لكل سلاح ما عدا سلاح “لا إله إلا الله الله محمد رسول”.

وبهذا وبتضحيات الشهداء والمجاهدين أمثال أحمد الهبة وحمو زياني والخطابي وأحمد خريرو وعسو ورجال الحركة الوطنية وخاصة المناضلين الأحرار الذين لم يبعوا القضية، وبمعية سلطان البلاد الملك الراحل محمد الخامس نال المغرب استقلاله عن فرنسا وهي التي كانت تعتقد أن خروجها منه مستحيل.

وبعد الاستقلال ظل الإسلام عصب الدولة فكان الحسن الثاني رحمه الله رجل فقه وأصول، فكان يجمع الفقهاء ويغدق عليهم من العطايا ويجلهم، وففي الدورس الحسنية التي عُرفت أيامها، نلحظ أن الملك الراحل يفترش الأرض بينما يجلس العلماء فوق المنبر، في رسالة واضحة إلى أن هذا البلد وهذه القيادة تعلي من قيمة العلماء، الذي أثنى عليه المولى تعالى بقوله “يرفع الله الذين أتوا العلم درجات”، وهكذا يطبق الحسن الثاني رحمه الله الآية فيرفع من العالم ويجلس هو الملك أرضاً.

وقد عُرف عنه دفاعه المستميت عن الإسلام وعن حرمة المسلمين، ففي كتابه “ذاكرة ملك” الصفحة 147، يورد رحمه الله ما يلي: “إذا كان المقصود بالحداثة، القضاء على مفهوم الأسرة، وعلى روح الواجب إزاء الأسرة، والسماح بالمعاشرة الحرة بين الرجل والمرأة والإباحية عن طريق اللباس، مما يخدش مشاعر الناس.. إذا كان هذا هو المقصود بالحداثة،فإني أفضل أن يعتبر المغرب بلدا يعيش في عهد القرون الوسطى على أن يكون حديثا”.

وعلى نهجه صار ابنه وولي عهده محمد السادي، واليوم المغرب يعد دولة إسلامية تهتم لقضايا الأمة وتتفاعل معها، ولكم أن تتخيلوا أعداد الطلبة الأفارقة المسلمين الذين يأتون إلى المغرب لدراسة الفقه والشريعة على نفقة البلد، فيرحب بهم ويتكفل بهم خير التكفل، ولا ننسى أن المغرب يكتسح دائما مسابقات القرآن الكريم التي تنظم في شتى بقاع الدنيا، والعلماء المغاربة لهم حضورهم القوي في المعاهد والجامعات، ومحاضراتهم تملأ العالم العنكبوتي.

ولكم أن تتخيلوا بعد كل ما سردناه، أن مسئولا حكوميا سيضرب كل هذا عرض الحائط ويريد أن يشرع قوانين تتعارض والإسلام وثقافة الشعب المغربي وتاريخ الأسرة الحاكمة الشريفة التي يصل نسبها للرسول صلى الله عليه وسلم!

–      هل كان كانط مخطئاً؟

يعتقد من لم يقرأ في تاريخ أوربا سوى القشور أو الذي لم يقرأ أصلا بل استمع لحديث من هتا وآخر من هناك -وهذا حال الكثيرين-، أن أوربا لم تصل إلى الحداثة إلا بالتفسخ والانحلال والارتماء في حضن الرذيلة، مع أن المطلع والباحث الحقيقي يدرك أن الأوربي لم يؤتى ذلك من انحلال وإنما من أمور أخرى على رأسها نشر مفاهيم المدنية، وتحقيق العدالة الاجتماعية والاقتصادية، وبالطبع لعبت الإمبريالية دورا رئيسيا في تقوية أوربا.

وأما الحقوق فنجد أن النساء مثلا لم تعطى إلا في بداية القرن العشرين كما هو الحال بالنسبة للحق في التصويت، بينما بايعت النساء الرسول صلى الله عليه وسلم في بيعة العقبة قبل 14 قرنا.

لك أن تتحدث عن عوامل أخرى ساهمت في نهضة الغرب، إلا أنك لن تستطيع أبداً ربط التقدم بالتفسخ والانحلال الأخلاقي والزنا، فليست هناك أمة في تاريخ البشرية أرادت أن تتقدم بهذا، ولا فكر بشري قبل العلمانيين العرب في إمكانية تقدم دولة ما بتعرية النساء وتحليل الزنا ونشر الفاحشة في المجتمع.

ونحن نتسأل إذا كان كانط أب الحداثة فلم لا نجد الفيلسوف الألماني يركز على الزنا والفواخش، بينما نجده يبحث عن الأخلاق والتربية الحسنة للمجتمع؟ هل يعني هذا أن العلمانيين العرب والمغاربة خاصة أذكى من كانط؟ وإذا كانوا كذلك، لم لا نسمع عن كتبهم وإنجازاتهم وأبحاثهم الكونية؟

–      حداثة اللاحداثة

صرح مسؤول رفيع المستوى أن التعديل الجديد للقانون الجنائي سيذهب نحو السماح بالزنا وسماه “العلاقات الرضائية” وذلك لأنها حق من حقوق الإنسان، ولأن ممارستها لا تؤذي المجتمع.

وللعلم هذا القانون تحدث عنه هذا المسؤول قبل أن يصبح في منصبه، أي أن هذا التعديل بالنسبة له برنامج سياسي، ولكم أن تتخيلوا أن سياسيا يراهن على تحليل الزنا في بلد مسلم، لكسب التأيد!

وقد دافع عن طرحه بكون الزنا لا تؤثر على أحد، ومن نبرة كلام الرجل يبدو أنه واثق للغاية من أن الزنا لا تؤثر على المجتمع، وهذا قلنا مرده دائما إلى أن الكثير من الناس مع مناصبها المرموقة لا تقرأ ولا تطالع، فيتجمد تفكيرها عند نقطة معينة لا يتحرك، وهكذا ومع ما يشهد الغرب من آفات اجتماعية واقتصادية نتيجة انتشار الزنا والفواحش، ولعل أطفال الشارع والجرائم التي ترتكب من طرف الأشخاص الذين عاشوا دون أب في أمريكا وحدها مثال واضح على أن الزنا يؤثر سلبا غلى المجتمع، ناهيك عن أعداد الفتيات القاصرات اللائي يجدن أنفسهن في خندق الدعارة والإدمان ويفقد المجتمع بذلك فئة مهمة من بناته ومهندسي أجياله، ولا ننسى أن الزنا يساهم بشكل كبير في تشتيت الأسرة فهو قنبلة موقوتة في جسم المجتمع سرعان ما تفجر العلاقات داخله وتسبب له عاهات مستديمة لا فكاك منها.

هذا دون ذكر الأمراض النفسية والجسدية الناجمة عن الزنا؛ وعن المبالغ المالية التي تصرح على علاج الحالات المصابة بأمراض نقص المناعة مثلا؛ فهل يمكن الحديث عن علاقة بين اثنين لا تؤثر في المجتمع؟

القول بأن ظاهرة ما، مهم صغرت لا تؤثر في المجتمع هو جهل طافح، فالمجتمع هو منظومة مركبة؛ فإما التوزان او الاختلال، وبروز أي جزء جديدة يؤثر في باقي الأجزاء لزاما، ولو كان هذا التأثير لا تسجل نتائجه إلا بعد عقود.

ثم أليس في المغرب ملفات هي أهم من قضية الزنا؟

 يريد هذا الشخص وبضع ممن يؤيدونه -وهم على رؤوس الأصابع-، أن يفرضوا على أمة إسلامية عريقة، قوانين مستوردة من المكب نفايات الغرب، تحقيقا لأغراض شخصية وطعنا في الدين وإرضاءً لشريحة علمانية لا تتعدى نسبتها 1%، وإني أتحدى أي شخص أن يعتقد أني أستصغرهم أن يعرض هذه القوانين الغربية جميعها، للتصويت الشعبي، وساعتها يكتشف أنه نائم على عجلة القيادة ويتجه نحو المنحدر.

لسنا نريد الوقوف أكثر على كيف أن هذا الفهم للحداثة مشوه وينم عن جهل بالماضي والحاضر، لأن الجميع -ما عدا العلمانيين العرب- وباستخدام العقل فقط ودون الحاجة للتبحر في المعارف، يدركون أن الفواحش والمنكرات لا تؤدي النهوض ولا التقدم بل للسقوط والتشرذم، ولسنا في حاجة إلى الخوض في مآلات الحداثة في الغرب والتي منذ مطلع القرن العشرين وليس اليوم فقد كل قيمتها، فمع بداية القرن العشرين أدخلت العالم في حرب مدمرة، ثم زادته أنظمة ديكتاتورية، وافترشت منتصفه بحرب مدمرة أخرى، ثم حروب ومآسي وتفقير مستمران ولا يكادان ينتهيان، ناهيك عن أزمة المجتمع الغربي التي تتجلى في أعداد المنتحرين والمكتئبين والمديونين والمساجين وأطفال السفاح والزنا، ولا شك أن المطالع للكتابات الأجنبية يفهم ما أقوله، وأما الذي لا زال يعيش في قرن الفلسفة، وأحلام الحداثة الوردية فذاك مرفوع عنه القلم، ويدخل في حكم النائم أو الأحمق وحتى الطفل، فلا تقاس العقول بالأعمار إنما بالقدرات.

وختاما، صدق إخواننا المصريون حين قالوا “الي اختشوا ماتوا”.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M