مساهمات في النقاش المجتمعي والحيوي حول مستقبل التنمية بجهة درعة تافيلالت بعد إلغاء دورة يوليوز 2020

21 يوليو 2020 12:18
الشوباني يكذب موقع "برلمان.كوم" بعد أن اتهمه بدفع تذاكر سفر زوجته من ميزانية جهته

هوية بريس – الحبيب شوباني رئيس جهة درعة تافيلالت الرشيدية 

■ *المقالة الثالثة : بشأن “عريضة” حل المجلس : “الديمقراطية التشاركية” لم توجد لتكون “أداة انقلاب” على “الديمقراطية التمثيلية”..!* ■

*١- استهلال* :
قبل مواصلة الحديث عن ” إنجازات المعارضة ” في مجلس جهة درعة تافيلالت، يستدعي السياق فتح قوس خفيف وإغلاقه بسرعة، للتفاعل المؤقت مع صدى ما يعتمل في المجتمع الجهوي من مبادرات ذات صلة بما فجرته دورة يوليوز من غضب مجتمعي ونقاش عمومي.

يتعلق الأمر هنا بالمبادرة التي أراد أصحابها – من خلال بيان وعريضة وتوقيعات – حل مجلس جهة درعة تافيلالت ؛ والتي سنخصص لها المقالتين الثالثة والرابعة، قبل استئناف سلسلة المقالات التي ستأتي تباعا لعرض وتقييم “حصيلة عمل المعارضة” و”إنجازاتها” خلال خمس سنوات من عمر هذه الولاية التأسيسية للجهوية المتقدمة.

فعقب إلغاء دورة 6 يوليوز 2020 لمجلس جهة درعة تافيلالت بسبب ارتكاب أعضاء المعارضة خروقات متعمدة لقانون الطوارئ الصحية وانتهاك التدابير الاحترازية ذات الصلة به ، عرف المجتمع الجهوي في درعة تافيلالت، بمختلف مكوناته وأطيافه نقاشا وتفاعلات كبيرة ممزوجة بحالة غضب واسع، بالنظر لحجم وطبيعة الخروقات المرتكبة، ولعلاقة ذلك بعرقلة مشاريع تنموية هامة، بعضها موجه لمناطق جبلية في أمس الحاجة إليها للقطع مع عقود من العزلة وتنشيط الدورة الاقتصادية وتوفير فرص الشغل.

وباستثناء البيانات الحزبية والتصريحات السياسية ذات الصلة بالحدث وتداعياته ، فإن أبرز تعبير مدني نضَج وتبلورَ بشكل واضح يسمحُ بقراءته وتقييمه شكلا وموضوعا، تمثل في المبادرة التي وُلدت غي نفس يوم إلغاء الدورة، وعَنْونها أصحابها ب ” ساكنة جهة درعة-تافيلالت تطالب بحل مجلس الجهة : عريضة وبيان للرأي العام ” والتي أطلقها مجموعة من الفاعلين والنشطاء المدنيين. ” العريضة” وقعها ما مجموعه 497 مواطنا ومواطنة في تاريخ إحالتها على الولاية لتوجيهها للسيد وزير الداخلية ( حسب ما نشره القائمون عليها ).

لقد بذل أصحاب العريضة جهدا معتبرا في صياغة أرضيتها وجمع توقيعاتها وكتابتها باللغتين الوطنيتين ( العربية والأمازيغية ) وإيداعها لدى مصالح الولاية ، وغير ذلك من الجهود التي لا يمكن إلا أن تكون محط تقدير لكل من كان دافعه ومحركه الرئيسي المساهمة في غرس بذور ثقافة العريضة في تربة الجهة، والتدريب على مهاراتها وتأطير السلوك الجماعي الغاضب تحت لافتتها ؛ نظرا لأن التدافع بالعريضة يعتبر سلوكا مدنيا متحضرا يستند للدستور ويتطلع أصحابه للتغيير في إطار القانون.

غير أن تقييم “العريضة” المعنية على ضوء الأحداث التي جاءت كجواب عليها أو كردة فعل ضدها، وفحصها تحت مجهر الدستور والقانون التنظيمي 44.14 الذي يؤطر الحق الدستوري في تقديم العرائض للسلطات العمومية ، يكشف وجود “ثلاثة أعطاب جوهرية” أضرت بمِهَنية المبادرة ومصداقيتها وقيمتها الاعتبارية. ويتجلى ذلك في كون المبادرة لم توفق ، أولا، في تفادي “التحيز السياسي” الذي عبرت عن رفضها الوقوع فيه، بسبب ضعف الموضوعية في تقييم سلوكات وممارسات مكونات مجلس الجهة ؛ وثانيا ، كونها جاءت غير منضبطة للمرجعية الدستورية في صياغة مادتها واستنادها إلى فصل لا علاقة له بدسترة الحق في تقديم العرائض ؛ وثالثا، كونها غير مؤطرة قانونيا بما يتلاءم مع المفهوم القانوني ل”العريضة” كما يجري العمل به في التشريع الوطني ؛

وفي ما يلي بيان ذلك بشكل مُركَّز :

١ *- مؤشرات ضعف الموضوعية والوقوع في التحيز السياسي.*

حرص أصحاب العريضة على تأكيد عدم تحيزهم السياسي وتشددهم في تجنب الوقوع في التقاطب السياسي الموجود في مجلس الجهة. غير أن اللغة التي تم اعتمادها في صياغة أرضية العريضة، خانتها الموضوعية ولم توفق في توصيف الواقع بنزاهة الفاعل المدني الذي يتخذ القانون ومصلحة الساكنة مرجعين وحيدين لبناء الموقف من الأغيار. إن “الفاعل المدني المستقل ” يغضب لخرق القانون وينتفض ضد عرقلة التنمية، ويوجه الكلام صريحا واضحا لمن يتحمل مسؤولية ذلك كله، بعيدا عن عمومية الخطاب والخلط بين الأطراف والمواقف. وقد تجلى ذلك فيما يلي :

▪︎تحدثت العريضة عن ” مناوشات عقيمة ولا مسؤولة بين أعضاء مجلس الجهة أفضت إلى تعذر انعقاد دورة يوليوز 2020 ” ؛ وهو وصف مخالف للواقع . لأن أشغال الدورة لم تنطلق أصلا، وألغيت بسبب الخرق المتعمد لقانون الطوارئ الصحية من طرف واحد هو المعارضة، وليس بسبب أي مناوشات، كما عاينت ذلك السلطات العمومية المختصة، وصدر بشأنه بلاغ للرأي العام وقعه رئيس الجهة.

▪︎ تكرر نفس التعميم والخلط في وصف ممارسات المعارضة الخارجة عن القانون بتأكيد أنه ” يتحمل مسؤوليتها سائر أعضاء مجلس الجهة باختلاف مواقعهم”، وهو كلام لا يصدقه واقع ما حصل في دورة يوليوز 2020 ، ولا تصدقه وقائع مداولات المجلس التي يتابع الرأي العام مواقف وسلوكيات كل الأطراف خلالها بالبث المباشر.

▪︎استرجعت العريضة محطة دورة أكتوبر 2019 وعدم التصويت على ميزانية 2020 ، بنفس الخلط والتعميم ؛ علما بأن الرأي العام تابع أشغال الدورة التي كان فيها رئيس المجلس وجها لوجه مع المعارضة ( بعد قرار الانسحاب التكتيكي أو المحتج على العرقلة للعديد من مكونات الأغلبية) ، حيث لجأت المعارضة إلى التصويت ضد مشروع الميزانية ” دون تداول أو اقتراح ” ؛ وهو ما يجعل المسؤولية تقع كاملة وبنسبة 100% على كاهل المعارضة التي أثبتت أنها لا تملك أي رؤية بديلة أو قوة اقتراحية تنطلق من ” استثمار الأغلبية العددية المزعومة ” في فرض البرمجة الميزانياتية التي تشاء ، أو من خلال تأكيد الحرص المزعوم على مصلحة الجهة وساكنتها.. والتصرف على ذلك الأساس!

٢ *- مؤشر عدم الانضباط للمرجعية الدستورية.*

استندت العريضة على الفصل 12 من الدستور في التأسيس لموقفها واعتماد العريضة كوسيلة قانونية لتصريف موقفها الداعي لحل المجلس. غير أن الفصل 12 لا علاقة لها بالموضوع لا من قريب ولا من بعيد ! لأنها تتعلق حصريا بدسترة الحق في تأسيس الجمعيات وبيان موقعها في منظومة الديمقراطية التشاركية. في حين أن ” عرائض المواطنين والمواطنات” نص عليها الفصل 15 من الدستور ونظم الحق في ممارستها القانون التنظيني رقم 44.14 !

إن هذا الخلط والارتباك في التأسيس الصحيح على أحكام الدستور ، أنتج بدوره مسلسلا من التصرفات الفاقدة لأي تأطير قانوني للعريضة المعنية.

٣ *- مؤشرات انعدام التأطير القانوني للمبادرة.*

– تسبب عدم الانضباط للمرجعية الدستورية المشار إليه أعلاه في إفقاد المبادرة أي تأطير قانوني متين ، شكلا ومضمونا ، يجعل منها مبادرة ذات قيمة قانونية معتبرة في علاقتها بالقانون التنظيمي للعرائض 44.14، وخطوة في الاتجاه الصحيح تعكس تَمكُّنَ الفاعلين المدنيين وإلمامهم بمهارات استعمال العرائض الشعبية ؛ وبيان ذلك فيما يلي :

أ- إن “السلطة العمومية” المعنية بالعريضة ( في هذه الحالة ) تتمثل في السيد رئيس الحكومة وليس في السيد وزير الداخلية ، حسب مقتضيات المادة 2 من القانون التنظيمي للعرائض( ق.ت.ع).

– إن “مشروعية” مطالب العريضة تحددها المادة 3 من ق.ت.ع، ولا يمكن إدراج “حل المجالس المنتخبة” ضمن مهام العرائض ومجالات فِعلها كما حددها المشرع. لأن “الديمقراطية التشاركية” لم تأت لتكون “أداة انقلابية” على “الديمقراطية التمثيلبة” بل مكملة لها ومُعَضِّدَةً لها.

▪︎ إن الأمر في هذه النازلة يتعلق باختصاص حكومي حصري مؤطر بالقانون التنظيمي للجهات 111/14 ، بعد اللجوء للقضاء ، طبقا لمقتضيات المادة 75 منه، ولا مجال لتمطيط دور العرائض الشعبية لتصير ” أداة رقابية برلمانية ” على عمل الحكومة، تأمرها وتنهاها بما يجب أن تفعل أو لا تفعل.

– إن استيفاء شرط قانونية العريضة وفق ق.ت.ع يتطلب جمع توقيعات 5000 مواطن ومواطنة طبقا لمقتضيات المادة 6 من ق.ت.ع، في حين أن العريضة اكتفت بجمع 497 توقيعا، وهو ما يجعلها أيضا من الناحية الشكلية غير ذات موضوع؛ ناهيك عن شكليات كثيرة لم يتم التقيد بها مما يمكن الرجوع إليه في الوثيقة المرفقة ( راجع نص القانون رقم 44.14) .

ختاما، إذا كان ولابد من التنويه بسلوك المواطنة الذي دفع إلى اعتماد العريضة كأسلوب متحضر للتعبير عن الموقف الرافض لخرق القانون وعرقلة دور مجلس الجهة في التنمية، فإنه بنفس الوضوح نؤكد أن هذه التجربة لم تكن موفقة في صياغتها وتصريفها طبقا لأحكام الدستور ومقتضيات القانون.

لأجل ذلك ، سنخصص *المقالة الرابعة* بحول الله للمساهمة في الإجابة عن سؤال حيوي تفرضه المرحلة ويمكن صياغته كما يلي : *ما هو دور الفاعلين المدنيين لفرض إرادتهم وقوتهم الاقتراحية الإيجابية على المجالس المنتخبة ك ” سلطة مدنية ترافعية مضادة ” بشكل عام ؟ وعلى مجلس الجهة بشكل خاص ليكونوا جزءا من الحل لا جزءا من المشكلة ؟*

 

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M