نصوص من التراث الأندلسي.. كتاب: “مختصر رحلة الشهاب إلى لقاء الأحباب” لأحمد شهاب الدين الحجري (توفي بعد 1050هـ)

16 أبريل 2023 17:15

هوية بريس – ذ.منتصر الخطيب/ تطوان

عاش العرب الذين تظاهروا بالنصرانية تحت الحكم الإسباني في الأندلس بعد إرغامهم على التنصر زهاء قرن من الزمان منذ سقوط غرناطة آخر حواضر الإسلام بالأندلس في أيدي الإسبان سنة (897هـ/1492م)، وذلك بعد أن أصدرت إسبانيا قرارها الشهير بنفيهم من أراضيها في سنة (1017هـ/1609م). وفي خلال هذه الحقبة الطويلة عانى أولئك المورسكيون ألوانا مروعة من الاضطهاد المدني والديني ومن مطاردة ديوان التحقيق الإسباني في محاكم التفتيش. فاتخذوا لأنفسهم لغة سرية خاصة وجدوا فيها متنفسا للتعبير عن أفكارهم وآدابهم ومكاتباتهم هي لغة “الألخميادو” الشهيرة وهي القشتالية المحرفة وتكتب بحروف عربية. ومن النصوص التي احتفظ بها التراث المغربي الأندلسي لتلك الفترة كتابا أبي القاسم الحجري المشار إليهما عند المؤرخين بـ: “رحلة أفوقاي في وصف لاهاي” وكتاب “ناصر الدين على القوم الكافرين” الذي اختصر فيه كتابه “رحلة الشهاب إلى لقاء الأحباب”.

 

– التعريف بابن الشهاب الحجري:  هو العالم المؤرخ “أحمد بن قاسم بن أحمد بن الفقيه قاسم، شهاب الدين ابن الشيخ الحجري الأندلسي، المعروف بالشهاب الحجري”، الذي كانت ولادته في سنة (977هـ)، الموافق للنصف الثاني من عام (1569م). وكان قد تعلم اللغة العربية من أبيه العالم، وحفظ القرآن، ودرس علوم الشرع سرا، كما تعلم اللغات الأعجمية، وانكب على كتب العقائد اليهودية والنصرانية. ويرجع أصل المترجم له إلى “إشبيلية”، ومنها انتقل إلى غرناطة من قرية الحجر (إحدى قرى غرناطة)، ثم هاجر إلى المغرب سنة (1007هـ/1599م)، ونجح في الإبحار من ميناء “سانتا ماريا” في “قادش” متجهاً إلى ميناء “مازاغان” البرتغالي على الشاطئ الأطلسي للمغرب، متنكرا في هيئة عجوز مسيحي ضمن أفواج من الموريسكيين الذين طردوا من الأندلس قبل النفي بأحد عشر عاما في سنة (1045هـ/1636م). قصد مكة للحج، وفي أثناء رجوعه زار مصر، ولما نزل بها كان يحدث المسلمين ببعض قصصه، فطلب منه الشيخ “علي الأجهوري”؛ وهو من كبار علماء المالكية وقتئذ، أن يكتب كتابا يضمِّن فيه قصته، أما وفاته فتذكر المصادر أنه اختفى بعد عام (1047هـ/1638م) ولم يُعرف مصيره. ويذكر أنه توفي بتونس بعد عام (1050هـ) الموافق لسنة (1641م). (انظر:الزركلي، خير الدين. الأعلام – ج 1- صفحة: 198وما بعدها).

– التعريف برحلة الشهاب الحجري: تكمن أهمية هذه الرحلة في كونها شاهدة ومعبرة عن العلاقات التي كانت قائمة آنذاك بين دار الإسلام في المغرب ودار الحرب في أوربا، ونتج عنها مجموعة من المراسلات الديبلوماسية، ومنها رسالة “أحمد بن قاسم الحجري” المرسلة من باريس إلى “الموريسكيين” بالقسطنطينية، ثم رسالتيه إلى المستشرق الهولندي “ياكوباس خوليوس”.. أما كتاب “ناصر الدين على القوم الكافرين” فهو عبارة عن مختصر لهذه الرحلة التي قام بها الشهاب الحجري أثناء هروبه من الأندلس إلى المغرب عقب طرد الأندلسيين، يقول عنها: (وقد سميت الكتاب بـ: “ناصر الدين على القوم الكافرين”، وهو السيف الأشهر على كل من كفر، وجعلته ثلاثة عشر بابا). وذكر محققه محمد رزوق في المقدمة قوله: (يُعد كتاب ناصر الدين أهم مصدر تاريخي أندلسي كتب بعد صدور قرار الأندلسيين المتبقين بالأندلس، فصاحبه يتكلم وهو بمنأى عن محاكم التفتيش، يجادل المسيحيين واليهود، ويستعرض من خلال ذلك ما فعله الإسبان بالمورسكيين، وظروف انتقال هؤلاء إلى شمال إفريقيا). ويتمحور الكتاب حول طريقة فرار الشهاب الحجري بدينه وبدنه بغرناطة من ملاحقة محاكم التفتيش سنة(1597م)، وذهابه إلى مرسى “شنتمرية” بالبرتغال، وتنكره كمسيحي من إشبيلية، وركوبه سفينة برتغالية مدعيًا توجهه إلى مدينة “مازاغان” التي كانت تحت الاحتلال البرتغالي، ليهرب هو وجماعة معه إلى بلاد المسلمين ويرسو في ميناء “أزمور” المغربي.  وقد قسمه إلى مقدمة وثلاثة عشر بابا:

من الباب الأول إلى الباب الثالث: من غرناطة إلى مراكش؛ تحدث فيه عما وقع له في غرناطة قبل الرحلة وقصة عبوره إلى مراكش.

من الباب الرابع إلى الباب الثاني عشر: خصصه للمناظرات مع النصارى واليهود في مجموعة من بلاد أوربا؛ وهي مناظرات وجدال وحجاج ديني بينه وبين مجموعة من الأحبار والرهبان حول عقيدة التثليث وتأليه النصارى لعيسى عليه السلام والفداء وتحريف الكتب المقدسة.. وغيرها.

الباب الثالث عشر والأخير: عرض فيه لذكرياته في الأندلس ومراكش وبلاد الإفرنج ومصر وتونس. ويعتبر كتاب “ناصر الدين على القوم الكافرين” أو مختصر كتاب “رحلة الشهاب إلى لقاء الأحباب” لصاحبه أحمد بن قاسم الحجري الأندلسي، الوثيقة التاريخية الأكثر أهمية في التأريخ لإجلاء المسلمين من الأندلس، ما بين سنتي: (1017هـ1022هـ/1609 م و1614م).

كما احتل الجدل الديني مع اليهود والنصارى مكانة هامة في رحلة الشهاب الحجري؛ حيث خصص لها المؤلف الباب العاشر بعنوان: (في مناظرات اليهود ببلاد فرنجة وفلنضس)، بلغت ما يقارب سبعا وعشرين مناظرة، تطلعنا على أنه كان مطلعا على اعتقادات الطرف الثاني اليهود والنصارى، فكان في هذه المناظرات يخوض في نقد الأقوال اليهودية والنصرانية التي يقذف فيها بحق الأنبياء عليهم السلام، وفق ما كان سبقه إليه كل من “ابن حزم” و”الباجي” في دحض آراء القوم. (انظر: مختصر رحلة الشهاب إلى لقاء الأحباب (1611-1613) ، ترجمة وتحقيق: محمد رزوق):

وعن طريقة الشهاب الحجري في مجادلاته يقول حسام الدين شاشيه : (لعل هذا الباب القائم على الرد على تصورات المسيحيين المسبقة تجاه المسلمين ومعتقداتهم يمكن تسميته بالجدل التصحيحي المبني لا على الجدل التحليلي والاستشهاد النقلي والبرهان العقلي، بقدر ما هو قائم على تصحيح المعلومات والأخبار، هذا الجدل لم نكن لنجده عند أصحاب الردود الأوائل، نظرا لأنه وكما لاحظنا في العديد من المرات السابقة أن أغلب جدلهم مبني على الجدل الفكري المكتوب في حين أن الجدل في هذا الكتاب هو جدل مناظراتي شفوي مباشر). [الجدل الديني من خلال كتاب ناصر الدين على القوم الكافرين للشهاب الحجري، تأليف: حسام الدين شاشية].

هذه قصة “الشهاب الحجري الأندلسي” وهي نموذج معبر عن هذه الطائفة التي عاشت بالطرف الغربي من أرض الأندلس والتي أرغمت على نبذ دينها ولغتها وكل تراثها القديم ومع ذلك فقد استطاعت – برغم ذلك- من أن تحتفظ بقبس أخير من لغة الآباء والأجداد..

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M