هل تصحّ المقارنة بين المغرب وبريطانيا؟

11 ديسمبر 2023 16:12

هوية بريس- محمد زاوي

“الجهل وحدَه عدو الجاهلين”، هكذا تقول الحكمة حتى لا نقول كلاما آخر.. لأن النكاية في الوطن ببلدان أخرى فضلا عن أنها لا تصح عقلا ومنطقا في حالات خاصة، فإنها من الناحية السياسية تطرح عدة أسئلة! في حالات بعينها لا تجوز المقارنة لأنها لا تصح، وكذلك هي المقارنة بين المغرب وبريطانيا فيما يسمى “تقدما”. والمغرب لا يدعي هذه المقارنة، وإنما يسعى إلى استثمار علاقاته بالدول “العظمى” لمصلحته. إنها سياسة قديمة وتقليدية تتجدد، حيث الاستفادة من تناقضات الأطراف الدولية، “اللعب على البيانو بالأصابع العشرة”، كما يقول الصينيون.

أما قوة بريطانيا وتقدمها، ذلك “الصنم” الذي يأبى كل متغرب إلا أن يعبده.. فهي نتيجة خالصة لثلاثة أحداث بارزة في التاريخ: الثورة البورجوازية، والتشكيل الاستعماري، وتصريف الفائض في القارة الأمريكية. من يبحث عن قوة بريطانيا في غير هذه الأسباب، محاولا إحراج المغرب بها، مغرض سياسيا وإيديولوجيا، مفتقر للوعي التاريخي.

إن التغريب ليس ثقافيا فحسب، بل يتجاوزه إلى ما هو سياسي. يعيش فيه المرء، مدعي التحليل، على أمل في النموذج السياسي الغربي.. أي في الديمقراطية الغربية، والعدالة الغربية، والإنسانية الغربية، والحرية الغربية.. يَحكم على المغرب بالجزء في غياب الكل، ب”المسرح” في غياب الحقيقة، بنظارة مضببة، أو لعلها شديدة الاضطراب والزيف، تقلب الحقائق وتضرب الوعي الوطني السديد في مقتل!

المقارنات التي كانت بين ألمانيا وفرنسا مثلا، وبعد أن كانت الأخيرة قد أنجزت ثورتها وشرعت في حداثتها النابوليونية؛ تلك المقارنات كانت متفهمة، مارسها كانط وهيجل واليسار الهيجلي وماركس.. إلا أنها -أي تلك المقارنة- كانت متفهمة لتقارب الواقعين.. بورجوازية صاعدة في البلدين معا، متقدمة في فرنسا، متعثرة في ألمانيا. ورغم ذلك، فقد أبدع المفكرون الألمان في البحث عن المشكل الألماني مقارنة مع فرنسا، فكان الجدل (وعي الترابط والتغير والتناقض)، وكانت العبقرية الألمانية.

مبدعو المقارنات في وطننا، أولئك الذين يحلو لهم إحراج الدولة بديمقراطية زائفة في أمريكا، أو بعدالة رأسمالية في فرنسا أو بريطانيا.. هؤلاء ليسوا عالة على الفكر الألماني فحسب، بل هم عالة على المعارضة السياسية المغربية التي ولت مع رجالاتها الكبار.. تلك المعارضة الحزبية النزيهة التي كانت لا تنبطح إيديولوجيا وفكريا للأجنبي قبل توجيه سهام النقد للدولة، كانت تقول ما يجب قوله بلغة المغاربة لا بلغة غيرهم، وانطلاقا من الواقع الاجتماعي والتاريخي المغربي لا من واقع لا نعلم أين!

المغرب أعظم من بريطانيا.. لأنه “صمد وسط الإعصار”، لم يستعمر دولة من الدول لحل مشاكل الرأسمال الداخلي، ولا هو كان يوما “حضارة لا تغرب عنها الشمس” بانتهاك حدود الأوطان بلغة الحديد والنار.. ورغم كل ذلك ما زال صامدا، ثابت الخطوات.. لا يخلو من مشاكل، ولكنه يقاوم ويتقدم.. إلا أن:

وعين الرضا عن كل عيب كليلة –
لكن عين السخط تبدى المساويا.

كما يقول الشاعر.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M