وَلـِيٌّ مـع وقـف التـنـفـيـذ

06 فبراير 2017 21:46
صناعة القدوات بين ماضي البناء وحاضر الهدم

هوية بريس – محمد بوقنطار

مباشرة بعد نعي الطريقة القادرية البوتشيشية لشيخها وإشهار وفاته من على منابرها المعروفة العين، شهدت مواقع التواصل الاجتماعي ضجيجا غير منظم، وحركة ارتجاج زائدة الجرعة من التعليقات والردود والاستدراكات الساخنة، بين مريدي الطريقة من جهة وعدد من معارضي منهجها وسيرة شيخها “حمزة بن العباس” من جهة ثانية.

 بل دخل على هذا الخط الساخن فئة ثالثة من الذين أشاروا لأنفسهم بكونهم لا ينتمون لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، وإنّما كان الباعث كما أفادوا من إرسال دلو المناقشة هو الانتصار لوسطية الإسلام والدفاع عن حرمة الأموات وواجب الكف عن ذكر مساوئهم وما أسلفوه في أيامهم الخاليات بضابط قولهم “دعوا الخلق للخالق”، وهو ضابط له ثقله ووزنه ومكانته في ديننا العظيم ولا اختلاف حول هذا، لولا أن الشيخ في حياته وبعد مماته لم يدع الخلق لخالقهم، وإنما قلنا بعد مماته ليس تسليما منا لما يهرف به بعض المريدين: بكون تأثيره ميتا كتأثيره وهو حي راقد على فرشه محاط بنمارق حفظ توازنه ومستند قعوده غير المتعمد، ولكن القول جاء باعتبار ما أوصى به من توريث “سر الولاية” لابنه ومن بعده عطفا لحفيده، هذا إن سلمت نسبة الوصية لصاحبها، سيما وقد غلبت في أواخر أيامه ومشاهد خرجاته النظرة والإشارة على الكلمة والعبارة والتلميح بمبهم الكلام عن التصريح والبيان.

والواقع أن أمر هذا التوريث والوصية هو الذي حداني لأن أكتب ليس عن شيخ الطريقة كذات، فهو من هذا الاعتبار قد أفضى إلى ما قدم بين يدي رب عدل حكيم ذي عفو وانتقام، وإنما الكتابة عنه من جهة كونه صار حالة وهالة لها امتداد من مخلفات زيغ وإحداث، ولعل المرء لا يستغرب إن سُقنا بين يدي هذا الركام من المخلفات الإقرار بانتساب علماء إلى محفله يقرون ويعترفون ويؤمنون بواجب تنفيذ ثنائية التوصية والتوريث، ولك والحال هكذا أن تستشرف أحوال الدهماء والعوام والمريدين وموقفهم من الموصى إليه أو الموصى إليهما…

ولنرجع لذلك النقاش المحتدم على صفحات الفضاء الأزرق، لنستشف بإجمال وجهات نظر أصحابه، مبتدئين بما فاحت ريحه من تعاليق وردود مريدي الطريقة دفاعا منهم عن الأب القدوة والشيخ الأسوة والشفيع البشير، ونعني به شيخ الطريقة الموصي الهالك، ووفاء لشرط الإجمال يمكن القول أن هذا الصنف من التعاليق وصلت ذروة مروقه حد الزعم بكون القرآن ومعه السنة ليس إلا علم ظواهر وأوراق مفضول معناهما من جهة تفوق علم الحقيقة على علم الشريعة، مرجوح في مقابل ما خُصّ به الشيخ وجنسه ونوعه من شيوخ الطرقية أهل الله وخاصته من فاضل العلم اللدني وما حصل ويحصل من تذوق حقائق ومطالعة غيب وأخذ مكاشفة، وفي مقابل اعتبار علماء الشريعة بأنهم محجوبون مرتزقة  جامدون ظاهريون محرومون من مقامات القديسية والقطبية والغوثية…

بينما وبالإجمال نفسه يرى الطرف المعارض أن الشيخ الهالك قد أفسد عقيدة خلق كبير من مريديه، وحرّف معاني العبودية وعبث بمفهوم الاِتباع وصال وجال مقويا لحياض الابتداع، بل دعا إلى عبادة نفسه متمرغا في نعماء وسراء الهبات والعطايا والهدايا المحمولة إليه باسم زاويته من كل حدب وصوب، حتى إن الزائر لقرية مداغ في الجهة الشرقية من المغرب، ليحسب في ظن راجح أنه يمشي في مناكب إقطاعية دينية أسسها الشيخ بمعية ذويه وسدنة زاويته “غير المستقيمة”، إقطاعية دينية يتوارثها آل بودشيش من الأب إلى الابن إلى الحفيد، في تواتر متصل مضبوط صارم يتحكم ويحكم انتقاله شرط فاسخ بين المريد والآل مفاده قول الشيخ حمزة في وصيته الواجبة والملزمة لأطراف التعاقد الصوفي: “كل من خالف العمل بهذه الوصية، فإننا والطريقة منه براء”.

ولعلها أمور يرى كل المعارضين أنها تظل بعيدة كل البعد عن حقيقة الإسلام ووسطيته واعتداله الحقيقي، من جهة أن إسلام الوحي المعتبر في وجدان الأمة وصدق انتسابها، إنما يقوم أوّل ما يقوم على أنه لا هدي إلا هدي الإسلام، ولا عقيدة إلا عقيدة الكتاب والسنة، ولا شريعة إلا شريعة محمد صلى الله عليه وسلم، ولا متبوع بحق وشرط صدق إيمان إلا محمد عليه الصلاة والسلام، ولا سبيل موصل إلى الله غير سبيله عليه الصلاة والسلام مصداقا لقوله جل جلاله: “قل إن هدى الله هو الهدى” وقوله جل في علاه “فماذا بعد الحق إلا الضلال”.

وعلى الأعراف بين هذا الرأي ومنقوض سابقه وجدنا فئة ركنت إلى المداهنة، رغبة منها في تهدئة الوضع ورأب الصدع ورتق الخرق بين الشيء ونقيضه، وقد بلغ بها هذا الركون وما لزم منه دركات الميوعة، والإخلال بقواعد الولاء والبراء التي تبيّن أنها قواعد رصينة ومستمسك قوي ليس في أدبيات وضوابط الانتساب إلى أهل السنة والجماعة، وإنما هي بجرعة زائدة في أدبيات الفكر الصوفي والواقفين على ثغوره، ولذلك وبالإجمال أيضا يتمنى المرء لو سكتت هذه الفئة وضربت صفحا وإمساكا عن إرسال دلو دفاعها، إذ أن هذا الإرسال لا يمكن أن يُفهم منه إلا أنه إقرار منها بالقصد أو عدمه، بل إعانة منها على تمرير باطل الابتداع على متن مغلوبية الحق ومصادرة حقوق المنتسبين لعراه الفاضلة في غربة وإغراب، وهذه هي الحقيقة وإن بدا الأمر متسترا متواريا وراء أكمة الألفاظ المجملة والمقاصد المدخولة المشار إليها آنفا.

وجدير بالذكر هنا التنبيه بعد بلاء الأمر وخبْره على أن هذه الفئة وهي تحوم حول حمى التصوف، تبقى أكثر من غيرها معرضة إلى الإصابة بلوثة مس التصوّف وخطره الماحق، بله تعتبر مادة خام لتصنيع قطع غيار المريد والمنتسب للطرقية ولو بعد حين، ولا أدل على هذا التنبيه من الوقوف على ذوق التعاليق وطعم مدافعة هذه الفئة، فهي رحيمة متسامحة طافحة الصفح والتجوّز مع ركز وشطح المدافعين عن الشيخ والمنتصرين المنتسبين لطريقته، بينما تقف على حجم الشدة والصلف، وسرعة مروق سهم الاتهام بالوهابية والتطرف والمشرقية النجدية إلى نحور المعارضين في غير شماتة لمنهج الشيخ وطرقيته المحدثة.

ولنعود في الأخير على بدء متكرر لما تقدم بين يدي هذا التذييل، رائمين الوقوف مع مشروعية هذه الوصية من عدمها، منبهين ابتداء على أنه وقوف مخالف لقاعدة من قواعد التأويل وجواز الخوض بتفصيل في المعلوم مجانبته للعقل والحس والدين ونعني بها قاعدة: “التأويل فرع التصحيح”، متسائلين من خلال هذا الوقوف عن ماهية مضمون هذه الوصية وهل هي عقد تمرير لأصل تجاري يستفيد من ريعه الوارث الأول، لينتقل إلى الثاني ونعني به الحفيد أو مشروع الشيخ الموقوفة التنفيذ ولايته، وهكذا دواليك حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا، فيقتلع ورثة الأنبياء والمرسلين من العلماء الربانيين ركس هذا الاستعباد المهين والزيغ المشين من على الأرض والقلوب والنفوس، فيعود التصوف إلى الانجحار والتواري والاستتار كما هي طبيعة العقائد الباطنية على مر التاريخ، وما ذلك على الله بعزيز…

والأكيد أن وصف الوصية بكونها عقد تمرير لأصل تجاري، هو وصف يبقى قائما تسنده الوقائع على الأرض من داخل الزاوية أو في محيطها الوطني والإقليمي، كما تسنده حالة الترف ومظاهر الغنى الطافحة بها أخبار أسرة وآل الشيخ حمزة بن العباس، كما يعضد صحته الإجمال الغامض الذي يكتنف سطور الوصية، خصوصا في منعطفات وتعريجات ذكر هذا الانتقال بالتوريث كقول الشيخ الموصي: “نشهد أمام الحق سبحانه أن الإذن الذي لدينا في تلقين الذكر والدعوة إلى الله على طريق الافتقار إليه، هذا الإذن ينتقل بعد مماتنا إلى ولدنا الأرضى مولاي جمال ثم من بعده إلى ابنه البار مولاي منير”.

 ووجه الإجمال والغموض يحمله لفظ الإذن المحوز ولازم وظيفته في تلقين الناس أجمعين عبادتي الذكر والدعوة إلى الله على طريقة الافتقار إليه من طرف الشيخ الموصي، ثم بنقله ونفثه سرا ومقتضى في روع الابن والحفيد من بعده، فهل من مفصل وموضح منهما لهذا الإجمال والغموض بالتصريح طبعا لا التلميح وبالعبارة سمعا لا الإشارة؟..

[email protected]

آخر اﻷخبار
3 تعليقات
  1. الحمد لله على نعمة الزاوية البوتشيشية. اللهم ارحم الشيخ سدي حمزة بن العباس و اجعل متواه الجنة و الفردوس

  2. سر قوة هذا الشيخ الجليل هو أنه كان لا يلتفت إلى ما يقال عنه وعن طريقة زاويته سواء بالسلب أو الإيجاب وكان يوصي مريديه بفعل نفس الشئ وكان كل ما يطلب منهم هو “ان اتقوا الله ما استطعتم”

  3. مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا
    [ الأحزاب : 23 ]
    الشيخ سيدي حمزة قدس الله سره لعب دورا كبيرا في نشر العقيدة السليمة و الإسلام الصحيح الذي كان عليه السلف الصالح
    و الشيخ رحمه الله غرس في قلوبهم محبة رسوله الكريم و الاكثار من ذكر الله و الرقي في العبادة لله الى درجة الإحسان “ان تعبد الله كأنك تراه فإن لم تراه فإنه يراك”.

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M