د. محمد الدريج: الأسئلة المسكوت عنها في منظومة التربية والتكوين

10 سبتمبر 2015 20:09
د. محمد الدريج: الأسئلة المسكوت عنها في منظومة التربية والتكوين

د. محمد الدريج: الأسئلة المسكوت عنها في منظومة التربية والتكوين

هوية بريس – (السبيل؛ ع:198)

الخميس 10 شتنبر 2015

أحدث المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي بتاريخ 16 ماي 2014، تطبيقا لمقتضيات دستور2011، ليحل محل المجلس الأعلى للتعليم، ومن أدواره فضلا عن تقديم المشورة، “تنوير ذوي القرار والفاعلين والرأي العام، بواسطة التقييمات الكمية والنوعية، المنتظمة والدقيقة لمختلف مكونات منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي”، لذلك كان من الطبيعي أن ينجز تقرير تقييمي لما تم إنجازه.

وقد عدَّ الدكتور والأستاذ الباحث في علوم التربية محمد الدريج1 قراءة نقدية لـ(التقرير التحليلي، لتطبيق الميثاق الوطني للتربية والتكوين 2000-2013 المكتسبات والمعيقات والتحديات) الذي أصدره المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي دجنبر 2014، ليسهم -وفق ما قرره- بموضوعية وتجرد، في تنوير كل من يهمه الأمر بمن فيهم أعضاء الهيأة التي أشرفت على إعداده، والمساهمة بالتالي في تطوير التعليم ببلادنا.

وقد أشار خبير علوم التربية الدكتور الدريج إلى أن التقرير عمل على إبراز الفوارق بين أهداف وتوصيات دعامات الميثاق من جهة (وخصوصا ما يتعلق بالتطبيق)؛ وبين الإنجازات الفعلية من جهة أخرى. فالمقصود إذن، هو كشف المكتسبات ومكامن العجز وتحديد التحديات التي يجب رفعها لتحسين جودة التربية والتكوين في المستقبل.

واعتبر أن التقرير يخترقه سؤالان أساسيان هما: هل حقق تطبيق الميثاق بعد مرور أكثر من عشرية، غايته المركزية المتمثلة في تحسين أداء المدرسة المغربية على عدة مستويات؟

وما هي مكتسبات الإصلاح وما هي العوائق التي تمت مواجهتها والاختلالات التي حصلت أثناء تطبيق هذه الوثيقة؟

“إن الهدف من هذا التقرير المرتكز على دعامات الميثاق (وهو الأول من نوعه بخصوص هذه المسألة بالمغرب)، هو تقييم الفوارق بين أهداف الميثاق المذكور والنتائج المحصل عليها.”(ص 10).

وخلص أن التقرير يحيد عن المقاصد بوضعه لهذه الأسئلة/الأهداف الشاردة والتي تجعلنا نبتعد عن التشخيص الحقيقي لأسباب الأزمة والكشف عن آثارها المدمرة ومحاسبة المسئولين عنها وبالتالي تخطيط معالم الإصلاح الناجع الذي طال انتظاره. فنغرق في المقاربات التقنية والتفاصيل الكمية والقواعد الإحصائية والرسوم البيانية والعناوين الفرعية، ونبقى على السطح بدل من التعمق في الأسباب الحقيقية والمرامي الدفينة، لأن السؤال في اعتقادنا، ليس عن الاختلالات في تطبيق الميثاق، بل كان ينبغي التركيز على تحليل ومناقشة السياسات التربوية (اليمينية منها واليسارية…) التي تعاقبت خلال العشرية المقصودة والتي لم يكن همها دائما تطبيق الميثاق ولم تكن تلتزم بالضرورة بمقتضياته، بل كانت غالبا ما تدير ظهرها لدعاماته.

سياسات قاصرة قادها بعض السياسيين (وغير السياسيين)، الذين لم يلتزموا دائما حتى ببرامج أحزابهم، وكانت قراراتهم المتسرعة والتي يغلب عليها العشوائية والارتجال، خاضعة في الغالب إما لضغوط المنظمات والصناديق الدولية ومكاتب الدراسات الأجنبية والمانحين باسم التعاون والشراكة، وإما نتيجة ضغوط داخلية لم يكن دوما هاجسها الأساسي خدمة الوطن ونموه ورفاهية أبنائه، وإما لقرارات ظرفية يمليها الانشغال بتدبير الشأن اليومي والهاجس الأمني والحفاظ على “المكتسبات”.

إن الأسئلة التي يضعها مؤلفو التقرير، تجعل في رأينا، من الميثاق مجرد “قميص عثمان” أو الشماعة التي نعلق عليها سياساتنا التربوية/ اللاتربوية الفاشلة .

كما أن السؤال/التقييم كان ينبغي أن يشمل أولا، وزارة التربية الوطنية نفسها، (وليس فقط الوزير سياسيا أكان أم تقنوقراطيا)، في هياكلها (أورجانيجرام) وتنظيماتها وأكاديمياتها… وموظفيها وأطرها وخاصة العليا منهم والذين يؤثرون كثيرا في قرارات الوزراء خاصة من يأتي منهم من قطاعات وتخصصات أخرى بعيدة كل البعد عن التربية والتعليم، وأن يشمل التقييم “حكامتها” بل وتحكمها وتسلطها المركزي والمتمركز (ضدا عن كل مبادئ وخطط الجهوية المتقدمة) وأن يشمل السؤال، أساليب عملها وتدبيرها للميزانيات وعقد اتفاقيات التعاون والشراكات وإبرام الصفقات (وما أدراك ما الصفقات) وأن يستهدف قبل هذا وذاك، الثقافة السائدة في دهاليز الوزارة والعقلية المتفشية في أقسامها ومديرياتها ومدى نزاهة المسئولين عنها …

ثم إن الهيأة التي أشرفت على هذا التقييم، كان ينبغي أن توجه الاستدعاء كذلك، للمجلس الأعلى للتعليم ذاته، وتستفسره عن ماذا كان يفعل خلال هذه العشرية ونيف، وعن دوره، وأساليب عمله وتقييماته وعلاقته بوزارة التربية الوطنية والتي على ما يبدو، لم تكن دائما وربما لحد الآن، علاقة تعاون وتكامل واندماج، حيث نلاحظ على سبيل المثال، أنها لم تنتظر نتائج مشاوراته وجلسات الاستماع ودراساته والتي كانت تتم بموازاة مع مشاورات ودراسات الوزارة، حتى أعلنت عن أولوياتها واستراتيجياتها الخمس عشرية (رؤية أفق 2030) بموازاة وربما حتى قبل انتهاء المجلس من رؤيته وأولوياته في الإصلاح والتي قدمت مؤخرا إلى عاهل البلاد.

بل ومررت وزارة التربية الوطنية قبل ذلك ومن تحت الطاولة، قرارات خطيرة، مثل:

– إقرار مسلك البكالوريا “الدولية”؛

– أجرأة مشروع المؤسسة؛

– الاستراتيجية الجديدة للارتقاء بالتعليم والتكوين الخصوصي وتعزيزها بميكانيزمات للنهوض به وجعله شريكا أساسيا للتعليم العمومي،

– وضع خطة لتكوين المدرسين خارجة عن توصيات المجلس؛

– والشروع في تفعيل بعض الأولويات (التدابير ذات الأولوية) في إطار تنزيل خطتها الإصلاحية ورؤيتها المستقبلية الاستشرافية، والتي وضعتها (الوزارة) باستقلال عن خطة المجلس، والمؤلفة من 23 إجراء موزعا على 9 محاور؛

– وضع بل تحسين برامج/مناهج جزئية “منقحة”، لا تندرج بالضرورة في إطار النظرة الشمولية للمنهاج المنشود في كل إصلاح حقيقي؛

كل ذلك في ارتباط وثيق بين الأولويات والإجراءات …و بين وضع مشاريع وعقد صفقات، من مثل برنامج “تحسين المنهاج الدراسي للسنوات الأربع الأولى من التعليم الابتدائي” أو مشروع “رصيد” – القراءة من أجل تطوير المهارات الأكاديمية والنمو الذاتي- مع بعض المانحين الأجانب كوكالة USAID… وغيرها.

ضعف المصادر.. ومراجع منتهية الصلاحية.. وتهميش الباحثين المغاربة..

مؤاخذات على تقرير المجلس الأعلى للتربية والتكوين

مقابل القصور في المقاربة البيداغوجية النسقية وغياب النظرة الاستراتيجية والتحليل السوسيولوجي، نبه الدكتور الدريج في قراءته النقدية لتقرير الميثاق الوطني للتربية والتكوين أن واضعي التقرير يتهربون ويبررون، لأن التقييم الشامل لتطبيق الميثاق، يجب أن يركز على تقويمات قطاعية مقترنة بمختلف جوانب نظام التربية والتكوين والبحث العلمي، وبكل مكوناتها ومردوديتها الداخلية والخارجية.

والحال، أن هذه التقييمات القطاعية والمنجزة بشكل نسقي ومنظم، منعدمة”. لهذا، ستكون مهمة تجاوز هذه الوضعية مستقبلا (إن شاء الله)، موكولة، حسب واضعي التقرير، للمجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، عبر جهازه وهو: الهيئة الوطنية للتقييم.

كما أن العديد من الدراسات المعتمدة كمصادر في التقرير التحليلي، أنجزت -وفق الخبير الدريج- أوائل عهدنا بالميثاق وانتهت مدة صلاحيتها. كما أن بعض القواعد المعتمدة في هذا التقرير تستند على معطيات قديمة تم التوصل إليها منذ أزيد من عشر سنوات. وحتى الدراسات التي أنجزها مؤخرا المجلس الأعلى للتعليم في نسخته الحالية الجديدة، غير ملائمة ومتسرعة، رغم المدة الطويلة والكافية التي خصصت لإعداد رؤيته الاستراتيجية.

وتحفظ خبير العلوم والتربية على الدراسة الاستطلاعية والتي اعتمدها المجلس في وضع تقريره التقييمي واستراتيجيته الإصلاحية، وقال: وكنا نفضل أن يقوم ببحث تشخيصي معمق، بدل الدراسة الاستطلاعية والتي لا تقبل أكاديميا ولا يمكن اعتماد نتائجها علميا، سوى باعتبارها خطوة استكشافية أولية وتمهيدية لبحوث أكثر عمقا. ويلجأ إليها الباحثون في العادة، كتمهيد لبلورة إشكالية البحث واستكشاف فرضياته ووضع أدواته .

 كما نتحفظ عليها لأننا نفضل البحوث الميدانية التي تتصل بشكل مباشر بأفراد العينة بواسطة المقابلات أو الاستمارات وغيرها وللمجلس من الإمكانيات المادية والبشرية ما يمكنه من ذلك.

ووفق د. الدريج دوما كما كان من الضروري اللجوء إلى دراسات مقارنة، لمقارنة تقييم الوضعية عندنا مع تقييمات بعض الدول لأنظمتها التربوية، لأن الأشياء التي لا يمكن مقارنتها مع ما للآخرين لا قيمة لها في حد ذاتها، خاصة وأن أي تقييم لابد أن يستند على معايير الجودة المعروفة والمقبولة عالميا والتي لا يوليها هذا التقرير كبير عناية. فكان بالإمكان الاستئناس والاسترشاد المنهجي ببعض المنظمات الدولية التي تلجأ في هذا الإطار، إلى مقارنة أداء الأنظمة التربوية إقليميا ودوليا، من مثل:

– الجمعية الدولية لتقييم الفعالية في مجال التعليم (LEA).

– اليونسكو.

– شبكة Eurydice للمعلومات حول الأنظمة وسياسات التعليم في أوربا (…)

وبخصوص المراجع المعتمدة والمثبتة في نهاية التقرير فقد سجل د. الدريج جملة من الملاحظات، لخصها في النقاط التالية:

1- على 78 مرجعا معتمدا، لا تمثل المراجع العربية سوى نسبة 10 في المائة وهي 8 مراجع فقط، كلها مذكرات و وثائق صادرة إما عن المجلس نفسه وإما عن وزارتي التربية الوطنية والتعليم العالي.

2- كما نجد 30 مرجعا من أصل 78 (أي بنسبة 38 في المائة)، مراجع صادرة عن وزارة التربية الوطنية نفسها، أي عن الجهة التي تشكل موضوع السؤال والتقييم والتي من المفروض أن نحاسبها على مدى تطبيقها أم لا، لتوصيات الميثاق (شهد شاهد من أهلها).

3- كما تتضمن لائحة المراجع 13 مرجعا، لهم أزيد من عشر سنوات وانتهت مدة صلاحيتهم، على الأقل بالنسبة لهذا التقرير التقييمي.

4- وخمسة مقالات فقط، نشرت لمؤلفين مغاربة “يفكرون” ويكتبون باللغة الفرنسية.

5- و15 مرجعا لباحثين ومؤلفين أجانب..

6- لا تتضمن اللائحة ولو مرجعا واحدا لباحثين وأكاديميين مغاربة يكتبون وينشرون باللغة العربية، أي لم “يعثر” مؤلفو التقرير، على كتاب أو بحث جامعي واحد أو مقالة واحدة حول التعليم في المغرب، صادرة بالعربية، خلال طول الفترة التي يغطيها التقرير (حوالي 14 سنة) ..ألم ينتج المغرب بعد 60 سنة من الاستقلال، مفكرين وباحثين وكفاءات، كان يمكن الاعتماد عليهم والاستشهاد بهم في هذا التقرير “غير المسبوق”، لماذا هذا التهميش؟ إننا نطرح السؤال فحسب.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1- د. محمد الدريج، من مواليد مدينة تطوان، حصل على إجازة في الفلسفة من كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط سنة 1970، ثم على شهادة الدروس المعمقة سنة 1972، كما أحرز على دكتوراه السلك الثالث من كلية العلوم النفسية والتربوية بجامعة بروكسيل سنة 1982 ودكتوراة الدولة في علوم التربية سنة 1993من جامعة مدريد بإسبانيا. وهو أستاذ باحث في علوم التربية بجامعة محمد الخامس بالرباط، ومدير المركز المتوسطي للبحث والتطوير IMED ومختص في مشكلات الأطفال والمراهقين.

من مؤلفاته: الفشل الدراسي وأساليب الدعم، ومدخل إلى علم التدريس: تحليل العملية التعليمية، والتدريس الهادف: من نموذج التدريس بالأهداف إلى نموذج التدريس بالكفايات، والتدريس المصغر: التكوين والتنمية المهنية للمعلمين.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M