«الحزب السياسي ذو المرجعية الإسلامية»!
ذ. الحسن العسال
هوية بريس – الأربعاء 04 دجنبر 2013م
لقد أكد الأستاذ عبد الإله بن كيران على إحدى القنوات الخليجية على أن حزبه حزب سياسي ذو مرجعية إسلامية، بمعنى أنه ليس حزبا إسلاميا، مادام المغاربة كلهم مسلمون حسب تعبيره.
إلا أن خصومه لا يسلمون له بهذا الطرح، بل “يعتقدون” أنه حزب إسلامي، ليلصقوا كل إخفاقاته بإسلاميته، كما أنهم “يعتقدون” أنه حزب كجميع الأحزاب وليس حزبا إسلاميا، وإلا فالأحزاب الأخرى ليست مسلمة[1]، هكذا هو “منطق “بني علمان، “منطق” التناقض.
فإذا “كان “الشيء هو نفسه” طبقاً لقانون الهوية، وإذا كان لا يجوز منطقياً وطبقاً لقانون عدم التناقض أن نَصف شيئاً واحداً بأنه “هو نفسه” و”ليس نفسه”، لاستحالة ذلك منطقياً، حيث لا وسط بين النقيضين، ويترتب على ذلك قانون ثالث هو قانون الوسط المرفوع أو الثالث الممتنع أو المستبعد، ورمز هذا القانون هو (إما أن يكون الشيء “أ” أو “لا أ”. فإن بني علمان “يثبتون” أن الشيء هو نفسه، وهو ليس نفسه، أي أن “أ”=”لا أ”.
إذن، فمهما حاول الأستاذ بن كيران النأي بحزبه عن “إسلاميته”، فإنه لن يقنع حلفاءه العلمانيين، فضلا عن خصومه، ولن يزيل شكوكهم في حسن نواياه.
لهذا عليه تغيير البوصلة، والاتجاه بسفينة حزبه ناحية حاضنته الطبيعية، هذه الحاضنة التي أسست مرجعيتها منذ كانت الدولة المغربية إبان عهد الأدارسة إلى يوم المغاربة هذا، لأن من أهداف بني علمان تزييف وعي هذه الحاضنة، وسلخها عن ذاتها، لتصبح هي الأخرى غير نفسها.
كثيرا ما حدثنا أعضاء الحكومة من حزب العدالة والتنمية عن أن الشعبية لا تهمهم أمام مصلحة الوطن، فلماذا لا يفعلون الشيء نفسه مع مرجعيتهم ليثبتوا أنهم لم يصابوا بانفصام بين كلامهم في المعارضة وأفعالهم في الحكومة، بل ليثبتوا أنهم حزب سياسي ضمن أحزاب مسلمة.
وإلا ممَّ يخشون؟
ولماذا تظل أياديهم مرتعشة كلما تعلق الأمر بالدفاع عن المرجعية؟
فهل من المرجعية الإسلامية أن “يزدهر” مهرجان “اختلال الموازين” في عهدهم، وقد كانوا أشد خصومه ومنتقديه في منبر المعارضة؟
وإذا ارتعشت أيديهم الآن، فلماذا أوهموا الناس أن أياديهم ستكون حازمة، كما كانت ألسنتهم كذلك، قبل أن يتلطخوا بمثالب الحكم؟
فهل من المرجعية الإسلامية أن يخالف الفعل في الحكومةالقول في المعارضة؟
والاختراقات الصهيونية التي لطالما تظاهر ضدها حزب العدالة والتنمية منفردا في المعارضة، أصبحت الآن تقع في عقر داره، فضلا عن مواقع رسمية، كان من المفروض أن يحول بين وقوعها، من حيث المبدأ، ولكي لا تتلطخ سمعته، ولا تعتبر احتجاجاته “القديمة” ضدها؛ مجرد دعاية انتخابية، حصدا لمزيد من الأصوات ليس إلا.
وكان آخر هذه الاختراقات لما استقبل عزيز أخنوش وزير الفلاحة والصيد البحري في حكومة يترأسها حزب العدالة والتنمية، بداية نونبر الجاري في طنجة، وفدا صهيونيا مشاركا في افتتاح لقاء لأطراف اتفاق حفظ حوتيات البحر الأسود والبحر الأبيض المتوسط والمناطق المتاخمة لهما.
وقد أشاد عزيز أخنوش بالوفد الصهيوني، ومكرما إياه ضمن أوائل الوفود المشاركة، كما حظي الوفد الصهيوني بحراسة أمنية مشددة، واهتماما مبالغا فيه!
وظهر ممثلو اللقيطة الصهيونية جالسين في الصف “الرسمي” نفسه الذي يضم أمير موناكو، وعزيز أخنوش، وعمدة مدينة طنجة فؤاد العمري، ووالي جهة طنجة تطوان محمد اليعقوبي، في الجلسة الافتتاحية للقاء التي حضرها أيضا من الجانب المغربي رؤساء الغرف المهنية المحلية، وضمنهم رئيس غرفة الصيد البحري المتوسطية يوسف بن جلون، المستشار البرلماني عن حزب العدالة والتنمية.
وأثار ظهور الوفدالصهيوني في اللقاء الدولي المنعقد بطنجة من 5 إلى 8 نونبر الجاري، استغراب الحضور، خصوصا مع عدم الإشارة إلى وجود ممثلين عن اللقيطة الصهيونية ضمن المشاركين في “الوثائق الرسمية”، من اللجنة المنظمة، أو من وزارة الفلاحة والصيد البحري.
وأفادت مصادر مطلعة لأحد المواقع الإلكترونية أن اللجنة المنظمة استقبلت بشكل “سري” الوفد الصهيوني المكون من ثلاثة أفراد، فيما أكدت “عدم علم أغلبية المشاركين بالحضور الصهيوني في هذا اللقاء!
وأثار انتباه الصحافيين رفض الوفد التونسي، الذي بدا متفاجئا بحضور الوفد الصهيوني، الجلوس إلى جانبه، مما جعل اللجنة المنظمة/المتآمرة تتدخل بسرعة وتفرق بينهما بالوفد الأوكراني.
ماذا سيقول رئيس الحزب السياسي ذي المرجعية الإسلامية حول الاختراق الجديد، ومحاولة التغطية عليه؟
هل سيعلقه على شماعة العفاريت والتماسيح؟
وإذا كان هو عاجزا، وهو رئيس الحكومة، عن مواجهة هذه المخلوقات الفضائية[2]، فهل ينتظر من الشعب المسكين، الذي ينتظر منذ سنين من يقتص له منهم، أن ينوب عنه في ذلك؟
ولما التأمت الحكومة في صيغتها الأولى، كان الاستغراب من كيفية تعايش مرجعيتين متناقضتين، مرجعية إسلامية متمثلة في حزب العدالة والتنمية، ومرجعية شيوعية متمثلة في حزب التقدم والاشتراكية.
إلا أنه قد اتضح أن “التعايش” المزعوم كان على حساب المرجعية الإسلامية، ولصالح المرجعية العلمانية، ولو أن الفرق بين الحزبين كالفرق بين النملة والفيل، فقد استطاعت النملة إجبار الفيل على الخضوع لأهوائها.
وهذا ما حدث لما “أُرغم” رئيس الحزب ذي المرجعية الإسلامية، والمترئس للحكومة، على نزع دفتر التحملات الخاصّة بالقنوات التلفزيونية التابعة للقطب العمومي، من بين يدي وزير الاتصال، والناطق الرسمي باسم الحكومة مصطفى الخلفي، ليضعها بين يدي وزير السكنى والتعمير وسياسة المدينة آنذاك نبيل بن عبد الله!!
لأن الحزب الذي يترأسه هذا الأخير كان ضد بعض مضامين دفتر التحملات، وعلى رأسها رفضه حضور العلماء في البرامج التلفزيونية المجتمعية، وهو الحزب المسلم، ذو المرجعية الشيوعية!
فماذا بقي لحزب العدالة والتنمية من مرجعيته الإسلامية؟
قال صلى الله عليه وسلم: “(…) وما لم تحكُمْ أئمَّتُهم بكتابِ اللهِ تعالَى ويتخيَّروا فيما أنزل اللهُ إلَّا جعل اللهُ بأسَهم بينهم” حسن، رواه ابن ماجة في الفتن.
هم يطبقون حداثتهم وعلمانيتهم، كانوا أغلبية في الأغلبية الحكومية، أو كانوا أقلية، والحزب ذو المرجعية الإسلامية أياديه مرتعشة، وهو يترأس الحكومة في ظل دستور جديد، وإبان ظروف ربيع عربي، تبوأت فيه أحزاب ذات مرجعية إسلامية سدة الحكم.
قال أبو ذر الغفاري رضي الله عنه: قلت: “يا رسولَ اللهِ ألا تستعملْني [أي في منصبٍ] قال: فضرب بيدِه على منكبي ثم قال: يا أبا ذرٍّ إنك ضعيفٌ وإنها أمانةٌ، وإنها يومَ القيامةِ خزيٌّ وندامةٌ، إلا من أخذها بحقِّها وأدَّى الذي عليه فيها” رواه مسلم.
وإذا كان حزب العدالة والتنمية المغربي طالما افتخر بأن حزب العدالة والتنمية التركي هو من أخذ عنه اسم الحزب لا العكس، فهل حقق حزب المصباح المغربي، ما نجح فيه التركي على مستوى المضمون؟
سيجادل مجادل بأن الحزب التركي ظل سنوات يزرع بذور الثمار التي جناها الآن.
وهذا صحيح، لكن الفرق هو أن الإسلاميين الأتراك كانوا ولازالوا وسط علمانية ملحدة، بينما الأمر ليس كذلك بالنسبة للمغرب، باعتراف رئيس الحكومة، فما الذي يمنعه من تنزيل مقتضيات المرجعية الإسلامية، وهو وسط بيئة حزبية مسلمة، “مائة بالمائة”، إضافة إلى أنه لا يولي اهتماما للشعبية أمام المصالح الكبرى، فهل إصلاح الدنيا عنده أهم من إقامة الدين؟
ماذا قدم الحزب من قوانين استنادا لمرجعيته، لإصلاح ما فسد؟
أم أن الحكومات ليس من مهمتها تقريب الشعوب من خالقها، وإصلاح إسلامها؟
وبعد الطفرة الاقتصادية التي حققت تركيا بقيادة أردوغان، فقد نجح في رفع حظر ارتداء الحجاب في المؤسسات الحكومية، وشاركت أربع نائبات تركيات في جلسات البرلمان نهاية أكتوبر الماضي وهن يرتدين الحجاب لأول مرة، كما ارتدته المحاميات في المحاكم والطالبات في الجامعات، ونحن في المغرب، بدون سند من أي قانون، يتم التضييق على المحتجبات في بعض المؤسسات!
وقد تعهد رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان بفرض قواعد جديدة لمنع إقامة الطلاب من الذكور والإناث بمساكن الدولة، في إشارة لمنع الاختلاط، إذ قال في كلمته أمام اجتماع مغلق لحزب العدالة والتنمية الذي يترأسه “لم ولن نسمح باختلاط الفتيات والفتيان في مساكن الدولة”، وأكد أن الحكومة ألغت بالفعل السكن المختلط في 75% من الدور الطلابية الحكومية، وستواصل ذلك.
وبما أن المغرب لم يعرف الأتاتوركية المحاربة للإسلام والمسلمين، فإصلاح دين المغاربة أيسر مما عاناه الأتراك، فماذا ينتظر ابن كيران وإخوانه لتجاوز ما لم يحققه أردوغان، فضلا عما حققه؟
وإلا فإن التشخيص يحتاج لإعادة نظر، للوقوف على مقاربة أخرى تناسب التشخيص الجديد.