أيها المدرس المفضال.. هذه رسالتك

04 سبتمبر 2014 18:23
أيها المدرس المفضال.. هذه رسالتك

أيها المدرس المفضال.. هذه رسالتك

د. محمد ويلالي

هوية بريس – الخميس 04 شتنبر 2014

يعرف المسار التربوي في المغرب تقلبات كبيرة، جعلت موضوع التعليم -اليوم- لسان كل المغاربة، حيث رصدت ميزانية ضخمة لمحاولة إنقاذه، لنجد أنفسنا في النهاية ضمن خمس وعشرين دولةً قابعةً في ذيل الترتيب العالمي، مع فشل كل المحاولات الإصلاحية في إنقاذه، منذ الاستقلال؛

حين تم التأسيس لما كان يعرف بالمقاربة المضامينية، التي تجعل المضمون أساس البيداغوجيا (matériocentrisme)، بحيث يصير المتعلم مجرد وعاء لتلقي المعرفة، والأستاذُ مالكا وحده لهذه المعرفة، مع التركيز على التلقين والإلقاء، مرورا ببيداغوجيا الأهداف، التي ظهرت منذ مطلع الثمانينيات، والتي سبق تجريبها في الولايات المتحدة الأمريكية منذ 1948م مع “رالف تايلر”، حيث تتمحور العملية التعليمية على المدرس، بما يسمى بالعلاقة الأوتوقراطية، إلى العلاقة الديمقراطية التي أسست لها المقاربة بالكفايات منذ أواخر التسعينيات، فجعلت المتعلم في قلب العملية التعليمية التعلمية، وتوخت الموازنةَ بين الحياة المدرسية، والحياة المجتمعية، مع قَصْر دور المدرس على التوجيه وإذكاء التعلم الذاتي.

فكان لا بد -ونحن على أبواب عام دراسي جديد- أن نعيد النظر في موضوع رسالة المدرس، من خلال الضوابط الشرعية المبثوثة في الكتاب والسنة، وأقوال أهل الاختصاص في ميدان التربية، لنعرف لماذا كان الأوائل ناجحين في تعليمهم، ولماذا خرَّجت مؤسساتهم العلماء والعظماء.

إن وظيفة التعليم من أشرف الوظائف على الإطلاق، لأنها مهمة الأنبياء التي بعثوا من أجلها. قال تعالى: “لقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُومِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنَ اَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمُ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ“.

ويقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: “إن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما، وإنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر” صحيح سنن أبي داود.

ولذلك كان نبينا -صلى الله عليه وسلم- معلمَنا الأكبر، وموجهنا الأعظم. قال -صلى الله عليه وسلم-: “إنما أنا لكم بمنزلة الوالد أعلمكم” صحيح سنن أبي داود.

ويشير أحد علماء التربية إلى أنّ مهنة التدريس هي “المهنة الأم”. ويقول آخر: “المدرس قائد، يمثل كلا من الأب والأم”.

أرأيت أعظم أو أجلَّ من الذي***يبني وينشئ أنفساً وعقولاً

فإذا كان أمرُك هكذا أيها المدرس الجليل، فاحرص على أن تأخذ بمجامع صفات المربي المسلم، الذي بوأه الله هذه المسؤولية العظيمة. قال الشيخ محمد البشير الإبراهيمي في وصيته للمعلمين: “إنكم تجلسون من كراسي التعليم على عروش ممالك، رعاياها أطفال الأمة؛ فسُوسُوهُمْ بالرفق والإحسان، وتَدَرَّجوا بهم من مرحلة كاملة في التربية إلى مرحلةٍ أكملَ منها. إنهم أمانة الله عندكم، وودائع الأمة بين أيديكم، سلمتهم إليكم أطفالاً؛ لتردوها إليها رجالاً، وقدمتهم إليكم هياكل، لتنفخوا فيها الروح، وألفاظاً، لتعمروها بالمعاني، وأوعية، لتملأوها بالفضيلة والمعرفة”.

إن المدرس أمين على أبناء الأمة، قد تنعكس نتائج عمله إذا هو فرط في الأخذ بأسباب نجاح مهنته، فهو كالطبيب، يستطيع أن يُهلك مريضه إذا أساء علاجه، وكالفلاح، قد يُهلك زرعه إذا أساء رعايته. وهو نائب عن الوالدين، وموضع ثقتهما، لأنهما قد وَكلا إليه تربية ابنهما. وهو أمل الأمة في تخريج من سيتولون شؤونها، ويتبوأون مراكز القرار فيها.

إن للمدرس المسلم الناجح صفاتٍ، يجب أن يتحلى بها، من أهمها:

1- الإتقان في مهمته، عن طريق التمكن من مادة تعليمه، وإحاطته بالطرق التربوية الناجعة، وعلمه بالجوانب النفسية للشريحة التي يدرسها، لأن أبناء المسلمين أمانة في عنقه، سيأخذون بتلابيبه يوم القيامة إن هو قصر في حسن تربيتهم، أو علَّمهم ما يكون سببا في زيغهم.

قال الله تعالى: “وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ“. وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: “إن الله كتب الإحسان على كل شيء” رواه مسلم. وقال -صلى الله عليه وسلم-: “إن الله -عز وجل- يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه” صحيح الجامع.

2- الرفق في التعامل مع تلامذته، لا يعنفهم، ولا يضربهم، ولا يشدد عليهم، إلا في الحدود التربوية المشروعة.

قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: “اللَّهُمَّ مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَشَقَّ عَلَيْهِمْ فَاشْقُقْ عَلَيْهِ، وَمَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَرَفَقَ بِهِمْ فَارْفُقْ بِهِ” مسلم.

وقال -صلى الله عليه وسلم-: “إن الله لم يبعثني معنِّتا ولا متعنتا، ولكن بعثني معلما ميسرا” مسلم.

وعن معاوية بن الحكم السلمي أنه قال: [بينا أنا أصلي مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، إذ عَطَس رجل من القوم، فقلت: يرحمك الله. فرماني القوم بأبصارهم. فقلت: واثُكْلَ أُمِّيَاه، ما شأنكم تنظرون إلي؟ فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم. فلما رأيتهم يُصْمِتُونَنِي لكني سَكتُّ. فلما صلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فبأبي هو وأمي، ما رأيت معلما قبله ولا بعده أحسن تعليما منه، فوالله ما كهرني (قهرني وعنَّفني)، ولا ضربني، ولا شتمني، قال: “إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن“] مسلم.

وعن مالك بن الحويرث قال: “أتينا النبي -صلى الله عليه وسلم- ونحن شَبَبَةٌ (جمع شاب) متقاربون (أي: في السن)، فأقمنا عنده عشرين ليلة، وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رفيقا (وفي بعض النسخ: رقيقا)، فلما ظن أنَّا قد اشتهينا أهلنا، أو قد اشتقنا، سَأَلَنَا عمن تركنا بعدنا، فأخبرناه. قال: “ارجعوا إلى أهليكم، فأقيموا فيهم، وعلموهم، ومروهم.. وصلوا كما رأيتموني أصلي، فإذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم، وليؤمَّكم أكبركم” البخاري.

ولخص ابن حجر -رحمه الله- نجاح العلاقة بيم المدرس والمتعلم في: “ترك التشدد عليه في الابتداء، وكذلك الزجر عن المعاصي ينبغي أن يكون بتلطف ليقبل، وكذلك تعليم العلم، ينبغي أن يكون بالتدرج، لأن الشيء إذا كان في ابتدائه سهلا، حُبِّبَ إلى مَن يدخلُ فيه، وتلقاه بانبساط”.

وقد قيل: “حتى تستطيع رفع التلميذ الذي وقع على الأرض، عليك أن تنحني له وترفعه برفق، وإلا فكيف تصل إليه؟”.

وعلى المدرسين -كما قال الماوردي-: “ألا يعنفوا متعلماً، ولا يحتقروا ناشئاً، ولا يستصغروا مبتدئاً، فإن ذلك أدعى إليهم، وأعطف عليهم، وأحس على الرغبة فيما لديهم”.

وكم من الحوادث وقعت بسبب الشدة والغفلة عن هدي الرسول -صلى الله عليه وسلم- في الأخذ بيد المتعلمين، ولو كانوا مشاغبين مشاكسين، فهذا معلم قذف تلميذا بمسطرة حديدية، فتركت في رأسه حفرة غائرة، كادت تؤدي إلى عاهة مستديمة، وهذه مُدَرسة ضربت تلميذا على يده حتى كسرتها، وهذا مدرس كسر أنف أحد التلاميذ المشاغبين، ومدرس آخر يضرب أحد التلاميذ بسلك كهربائي في جميع جسده.. والأمثلة كثيرة.

3- ومن هذه الصفات التي على المدرس الناجح أن يتصف بها، العدل بين التلاميذ والطلاب، وعدم تفضيل بعضهم على بعض في المعاملة، أو العناية، أو الدرجات. والأقبح من ذلك، تلقي الرشاوى من أجل منح النقط.

قال مجاهد: “المعلم إذا لم يعدل كُتب من الظلمة”.

ويروى عن الحسن البصري أنه قال: “إذا قوطع المعلم على الأجر، فلم يعدل بينهم -أي الطلاب- كتب من الظلمة”.

وإذا المعلم لم يكن عدلاً مشى***روحُ العدالة في الشباب ضئيلا

قال تعالى: “إِنَّ اللّهَ يَامُرُكُمُ أَن تُوَدُّواْ الاَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ الْعَدْلِ“.

– قال ابن سينا: “ينبغي أن يكون مؤدّب الصبي عاقلاً، ذا دين، بصيراً برياضة الأخلاق، حاذقاً بتخريج الصبيان، وقوراً رزيناً، غير كَزٍّ ولا جامد، حلواً لبيباً، ذا مروءة ونظافة ونزاهة”.

فماذا تنتظر من أحد الأساتذة يسأل تلميذه سيجارة، وآخر يقترض من تلميذه مالا، وآخر يسأل عن وظائف أولياء أمور تلاميذه، فيستجدي هذا، ويتملق لهذا، ويجعل هذا واسطة لقضاء حاجاته الشخصية، وآخر يُقتر في النقاط على فقراء التلاميذ، ويبسط يده بها للميسورين، لأنهم زبناء عنده في الساعات الإضافية، وآخر يقوم بساعات إضافية في مؤسسة خصوصية، فتراه يحضر في الوقت، ويلبس أحسن اللباس، ويقوم بساعات الدعم والتقوية، ثم يعتبر مؤسسته الأصلية، التي استأمنته الدولة عليها أمرا ثانويا، يتأخر في الحضور، وربما يغيب بلا سبب، لا يعتني بهيئته، وتراه مقطبا عبوسا، يعامل التلاميذ بقسوة وغلظة.. كيف لمثل هؤلاء أن يكونوا عادلين نزهاء؟.

إن اختلال هذا الميزان عند المدرس، هو الذي يولد العنف، والتوتر، وعدم الانسجام، والعداوة والبغضاء بين بعض المدرسين والتلاميذ، بدل المحبة والإخاء.

4- ومن هذه الصفات، صلاح نيته، وتصحيح قصده عند تحمله مسؤولية التربية والتوجيه.

قال الحافظ ابن جماعة -وهو بصدد بيان مسؤوليات المدرس-: “أن يقصد بتعليمهم وتهذيبهم وجه الله تعالى، ونشرَ العلم، ودوامَ ظهورِ الحق وخمولِ الباطل، ودوام خير الأمة بكثرة علمائها”.

وقال الإمام النووي: “ويجب على المعلم أن يقصد بتعليمه وجه الله.. وألا يجعله وسيلة إلى غرض دنيوي، فيستحضرُ المعلم في ذهنه كونَ التعليم آكدَ العبادات، ليكون ذلك حاثاًّ له على تصحيح النية”.

فالمعلم لا يجتهد بقدر أجرته، فهي -في الغالب- زهيدة، ولا يعامل التلاميذ على قدر حسن معاملة إدارته له، ولا يُقَتِّرُ في تعليمهم لأن تعيينه لم يكن مناسبا له.. بل يستفرغ وسعه، ويبذل جهده في تقديم العلم النافع لتلاميذه، كما لأبنائه. ووالله، لقد عرفنا من هؤلاء، من كان يصل الليل بالنهار، تهييئا لدرسه، وبحثا عن الوسائل التربوية الحديثة لإفادة تلاميذه، وسؤال أهل الخبرة عما يفيد طلابه، ويسعد ناشئته.. فَرَعْياً وسُقْياً لهم. وقد قيل: “أعط بلا حدود، ولا تنتظر الأخذ”.

5- أن يكون قدوة لتلاميذه، يترجم أقواله إلى أفعال، فتتحققُ مصداقيته، وتعظم هيبته، وينضبط فصله الدراسي، ولا يترك للتلاميذ مجالا لرميه بالتناقض والازدواجية.

قال عتبة بن أبي سفيان لمؤدِّب ولده: “ليكن أولُ إصلاحك لولدي، إصلاحَك لنفسك؛ فإن عيونهم معقودة بك، فالحسن عندهم ما صنعتَ، والقبيحُ عندهم ما تركتَ”.

وكن عاملاً بالعلم فيما استطعته *** ليُهدى بك المرءُ الذي بك يَقتدِي

حريصاً على نفع الورى وهُداهُمُ *** تنلْ كلَّ خـيرٍ في نعـيـم مـؤبـدِ

والوظيفة الثامنة للمعلم عند الإمام الغزالي هي: “أن يكون عاملاً بعلمه، فلا يُكَذِّبُ قولَه فعلُه؛ لأن العلم يدرك بالبصائر، والعمل يدرك بالأبصار، وأرباب الأبصار أكثر”.

وقد قيل: “كن صحيحا في السر، تكن فصيحا في العلانية”.

وقال الإلبيري -رحمه الله- في العلم:

وإن أوتيت فيه طويلَ باعٍ *** وقال الناس إنك قد سبقتا

فـلا تـأمنْ سؤالَ الله عـنه *** بتوبيخٍ علِمت فهل عمِلتا

6- أن يكون جميل المظهر، أنيق اللباس، معتدل المشية، مقتصد الحركات، متزنا في نظراته والتفاتاته، لما لذلك من التأثير البليغ على التلاميذ.

قال الإمام النووي -رحمه الله-: “وينبغي أن يصون يديه عن العبث، وعينيه عن تفريق النظر بلا حاجة، ويلتفت إلى الحاضرين التفاتاً قصداً بحسب الحاجة للخطاب”.

وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: “إياكم لِبستَيْنِ: لِبسةً مشهورة، ولِبسة محقورة”.

وقال الخطيب البغدادي: “ينبغي للمحدث أن يكون -في حال روايته- على أكمل هيئة، وأفضل زينة، ويتعاهدَ نفسه قبل ذلك بإصلاح أموره التي تجمله عند الحاضرين من الموافقين والمخالفين”.

وقد قام أحد علماء التربية بأبحاث على هذا المستوى، فوجد أن 7% من تثبيت المعلومة تأتي من محتوى الدرس، و38% تأتي من العامل الصوتي، و55% تأتي من العامل البصري.

وإذا كان “المحدث” عند البغدادي يمثله في زماننا مدرس التربية الإسلامية، فإن غيره لا يعفى من الحرص على سلامة المظهر، ما دام الهدف تكوينَ المواطن الصالح، المهتدي بهدي العقيدة الإسلامية.

يقول المرتكز الأول من المرتكزات الثابتة لنظام التربية والتكوين في بلادنا -كما جاء في الميثاق الوطني للتربية والتكوين-: “يَهتدي نظام التربية والتكوين للمملكة المغربية بمبادئ العقيدة الإسلامية، وقيمها الرامية لتكوين المواطن المتصف بالاستقامة والصلاح..”.

وجاء فيه -أيضا-: “يَنتظر المجتمع من النظام التربوي أن يزوده بصفوة من العلماء وأطر التدبير”.

7- وعلى المدرس الناجح أن تطغى عليه سمة الجد والوقار، وأن يتجنب كثرة الضحك والمزح، إلا بمقدار ما يُذهب السآمة، ويكسر جدار الملالة، فيكون التفكه التربوي -في أثناء الدرس- بمثابة الملح في الطعام.

جاء في وصية الحافظ ابن جماعة للمعلم: “ويتقي المزاح وكثرةَ الضحك؛ فإنه يقلل الهَيبة، ويُسقط الحشمة، كما قيل: من مَزَحَ استُخف به، ومن أكثر من شيء عُرِف به”.

فإيـاك إيـاك الـمـزاحَ فـإنــه***يُجَرِّي عليك الطفلَ والدَّنِس النذلا

ويُذهب ماء الوجه بعد بهائه***ويـورثـه مــن بـعـد عــزتــه ذلا

8- وعلى المدرس الناجح أن يشجع المجدين، ويرعى الموهوبين:

فهذا أبو هريرة رضي الله عنه يسأل النبي -صلى الله عليه وسلم-: “من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة؟”. فيقول له النبي -صلى الله عليه وسلم-: “لقد ظننتُ -يا أبا هريرة- أن لا يسألني عن هذا الحديث أحد أولَ منك، لما رأيت من حرصك على الحديث” رواه البخاري.

وحين سأل النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- أُبَيَّ بنَ كعب فقال: “يا أبا المنذر، أتدري أيَّ آية من كتاب الله معك أعظم؟“. فقال أُبَّيٌّ: “الله لا إله إلا هو الحي القيوم”. قال له -صلى الله عليه وسلم-: “والله، لِيَهْنِكَ العلمُ أبا المنذر (ليكن العلم هنيئا لك)” رواه مسلم.

وكان إبراهيم بن أدهم يقول: “قال لي أَبي: يا بني، اُطلب الحديث، فكلما سمعتَ حديثا وحفظته، فلك درهم، فطلبت الحديث على هذا”.

ولقد رأينا من المعلمين من يجتهد في الحصول على جوائز لتلاميذه، وربما صرف من جيبه، تشجيعا للفائزين في مسابقات، أو تنويها بالمجتهدين الذين حصلوا على أعلى الدرجات، أو تحفيزا للموهوبين فائقي القدرات، فلله درهم.

 عن زيد بن ثابت رضي الله عنه أن قومه قالوا للنبي -صلى الله عليه وسلم-: “هاهنا غلامٌ من بني النجار، حفظ بضع عشرة سورة”. فاستقرَأني، فقرأتُ سورة “ق”. فقال: “إني أكتب إلى قوم، فأخاف أن يزيدوا علي أو ينقصوا، فتعلم السريانية”. قال: “فتعلمتها في سبعة عشر يوما” رواه الإمام أحمد.

ولقد تفطن أبو القاسم البلخي إلى ذكاء تلميذه ابن الجوزي، فشجعه بأن علمه كلمات، ثم أصعده المنبر وعمره ثلاث عشرة سنة. ابن الجوزي – هذا – الذي صار مجلسه -بعد ذلك- يؤمه ثلاثمائة ألف شخص، وخَلَّفَ لنا أزيدَ من ثلاثمائة مصنف في مختلف العلوم.

9- ومن صفات المدرس الناجح، التواضع لتلاميذه، وقبول مناقشتهم:

فهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: “تعلموا العلم، وعلموه الناس، وتعلموا الوقار والسكينة، وتواضعوا لمن تعلمتم منه (وفي لفظ: ولمن علمتموه)، ولا تكونوا جبابرة العلماء، فلا يقوم علمكم بجهلكم” رواه البيهقي وقال: صحيح عن عمر.

ونقل الحافظ ابن عبد البر عن ابن عبدوس قوله: “كلما توقر العالم وارتفع، كان العُجب إليه أسرع، إلا من عصمه الله بتوفيقه، وطرح حب الرياسة عن نفسه”.

وهذه عائشة -رضي الله عنها- كانت لا تسمع شيئاً لا تعرفه إلا راجعت فيه حتى تعرفه. فلما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: “من حوسب عذب“، قالت عائشة: “أو ليس يقول الله تعالى: “فسوف يحاسب حساباً يسيرا؟”. قال: “إنما ذلك العرض، ولكن من نوقش الحساب يهلك” متفق عليه.

فبشراك أيها المدرس، يا من آثاره في المجتمع عظيمة، وبصماته على أبنائه جسيمة، يكفيك أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بشرك بقوله: “من علَّم علماً، فله أجر من عمل به، لا ينقص من أجر العامل” صحيح سنن ابن ماجة.

تحـيـا وتحـمـلُ للـوجـودِ رسـالةً***قُدُسِـيَّـةً يـسـمـو بـها الأطـهـارُ

ما أنت إلا الـنبعُ فـيضُ عـطـائِهِ***خـيـرٌ يـفـيـضُ وهـاطلٌ مِدرارُ

يكفيكَ فخراً ما صَنَعْتَ على المدى***تَشْقَى وَغَيْرُكَ مُتْرَفٌ مِهْذَارُ

يُعـطي الكريمُ وأنْتَ أكـرمُ مانـحٍ***هـيهاتَ لَـيْـسَ تُـثَـمَّـن الأعمارُ

هذِي الحضاراتُ التي تزهو بها***لـولا الـمـعـلـمُ هَلْ لـها إثـمارُ؟!

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M