حوار مع ذ. محمد احساين مفتش تربوي ونائب رئيس الجمعية المغربية لأساتذة التربية الإسلامية

30 سبتمبر 2013 23:34

حاوره: نبيل غزال

هوية بريس – الإثنين 30 شتنبر 2013م

1- رغم التجارب العديدة التي خاضها المغرب في مجال التربية والتعليم، لازال هذا القطاع يشكو من اختلالات كبيرة، وبات الوضع اليوم أكثر سوء مما مضى، فإلى ما تعزون هذا الوضع؛ وكيف تفسرون احتلال المغرب لمراكز متأخرة في مجال التعليم إقليميا ودوليا؟

– عرف المغرب عدة محطات ومحاولات للإصلاح في ميدان التربية والتكوين، ولا شك أن المحاولة وطبيعتها تحمل بين طياتها إمكانيات النجاح أو الفشل، مما يجعلها أشد حاجة إلى استنهاض الهمم، وإشراك الفاعلين، ومراعاة بل واحتضان مختلف الآراء والتوجهات المجتمعية، بغية الوصول إلى توافق يرضي الأغلبية المجتمعية، ومن هنا كانت الصعوبة في إنجاح كل إصلاح منذ بداية الاستقلال إلى اليوم، من خلال عدة مناظرات، ولجن، ومشاريع… كان آخرها الإصلاح المنبثق عن اللجنة الوطنية مع بداية الألفية الثالثة، والذي أفرز الميثاق الوطني للتربية والتكوين: حيث اعتبر ميثاقا توافقيا عبئت له كل الإمكانات والفعاليات على كافة المستويات ولا يمكن إنكار ما بذل من مجهود في سبيل تنزيل الميثاق الوطني وإنجاح الإصلاح على كل المستويات التي تمس القطاع سواء أتعلق الأمر بالتدبير والتسيير أم توسيع العرض التربوي أم تجديد البرامج والمناهج أم تجديد الممارسات التقويمية والرفع من التمدرس ومحاربة الهدر والتسرب المدرسي… لكن بقيت هناك عدة اختلالات لازمت تلك الإصلاحات:

– على مستوى الموارد البشرية ومعاناتها مع التدبير التربوي وطموحها نحو تحسين المستوى المادي.

– البرامج الدراسية وإشكاليات تنزيلها عبر الأطر النظرية المؤسسة للمقاربات البيداغوجية المختارة.

– إشكالية الاكتظاظ وما تطرحه من تحديات.

– الترقيع في مواجهة الخصاص والاكتظاظ من خلال التوظيف المباشر والتعاقد من أجل سد الخصاص.

– عدم استيعاب الخريجين من الجامعات والمعاهد..

كل ذلك وغيره أدى إلى تراجع التحصيل الدراسي وفقدان الثقة في المدرسة العمومية، وإفراغ العملية التعليمية من معناها، وهذا ما يمكن أن يجيب عن كثرة التساؤلات المطروحة على الساحة التعليمي وفي الوسط المجتمعي، ومنها مثلا:

– لماذا ينفر المتعلم من الحصص الدراسية؟

– لماذا يحب مادة ويكره أخرى؟

– لماذا ينخر الوهن جسم المنظومة التربوية؟

– لماذا نفتقد إلى الإخلاص في العمل؟

– لماذا تهيمن علينا فكرة الوظيفة على حساب مبدإ الرسالية؟  

ألا يمكن أن يكون المشكل في غياب معنى التعلمات عن المادة والحصص الدراسية،وغياب الرضى المهني والرغبة في التدريس؟ وبالتالي غياب قيم مهنة التدريس.

– ومما لا شك فيه أن كل متتبع للشأن التربوي يمكنه استخلاص الأسباب الآتية:

– التماهي مع الكم بدل الكيف.

– محاولة إرضاء الملاحظ الخارجي.

– سوء التدبير في الموارد البشرية والمالية.

– انفراط عقد السلطة التربوية.

– عدم الاستفادة من تراكم التجارب والخبرات.

– ضعف السلطة التربوية أمام الفرقاء الاجتماعيين.

– عدم تكامل الأدوار بين المؤسسات التربوية داخل المجتمع.

– خضوع التعليم للتقلبات السياسية.

– عدم الاهتمام بجودة التعليم.

– مقاومة التوجهات نحو التجديد البيداغوجي.

– الالتجاء إلى الحل الاجتماعي على حساب التربوي من خلال التوظيف المباشر، ولا شك أن كل مهتم بالعمل التربوي يرى بأن التوظيف المباشر آلية ترقيعية قاصرة: حيث يتم اللجوء إلى الحل الأسهل، وأن فتح أبواب التوظيف المباشر أمام الخريجين يعتبر حلا سياسيا أمنيا لا يمكن أن يحقق المطلب التربوي البيداغوجي، باعتبار أن مهنة التدريس والتعليم عموما تستلزم شروطا تكوينية وتأهيلية، تجعل المقبل عليها متوفرا على كفايات معرفية -مهنية- قيمية لا يمكن للجامعة وكلياتها توفيرها في نظامها الحالي، فإذا كنا مع أحقية كل متخرج من أبناء الوطن في الحصول على شغل مناسب لكفاءته كحق دستوري، فإن التوظيف المباشر شمل كثيرا ممن يمكن أن يصرفوا كفاياتهم المعرفية الأكاديمية في غير مجال التدريس؛ وبالتالي أصبح القطاع يعيش وضعا كارثيا، من خلال ما يمكن معايشته من تعامل هؤلاء مع المتعلمين، والمنهاج الدراسي، والبرامج التعليمية، وطرائق التدريس، والنظام التربوي..

حيث وقياسا على مسلسل الاحتجاجات على مطلب الشغل، أصبحت الاحتجاجات والإضرابات على مطالب أخرى كعدم الخضوع لاختبارات الكفاءة التربوية، وشروط العمل، والتعيينات،.. مما دفع بكثير من التربويين والمسؤولين على الشأن التربوي إلى انتقاد هذا التعاطي مع حق المعطلين، وسياسة الارتجال في التعامل مع المشكل التربوي، باعتبار أن التوظيف المباشر يتنافى والنصوص القانونية، إضافة إلى عدم جدواه تربويا: مما أدى إلى التراجع عنه وفتح مباريات التوظيف.

– ورغم إقرار منظمة اليونسيف أخيرا بالمجهود المبذول لا زال البلد يحتل مرتبة جد متدنية: لكن رغم كل التحفظات حول مواقف وتقارير بعض المنظمات ومراكز إصدار التقارير الدولية يسجل المتتبعون للشأن التعليمي داخليا وخارجيا تدني جودة التعلمات، وقد برز ذلك من خلال مجموع العمليات التقويمية، وتنامي ظاهرة الغش ومحاولة نيل الاستحقاقات المجانية..

2- ورش التربية والتعليم ورش مصيري بالنسبة لوطننا، ألا ترون أن غياب الاستمرارية بين البرامج الحكومية والمخططات الاستراتيجية القطاعية يحول دون تحقق النتائج المنتظرة؟

– لا شك أن كل نظام تربوي يجب ان ينطلق من غايات وأهداف عامة متفق عليه سواء تعلق الأمر بالمعارف أوالمهارات أوالقيم من خلال رفع الغموض عن السؤال الإشكالي الذي لا زال يؤرق كل مهتم بشأن التربية والتكوين في بلدنا وهو:

– ماذا نريد من نظامنا التربوي؟

– كيف يمكن وضع تخطيط استراتيجي طويل المدى لتحقيق الغايات والأهداف؟

– من هو الإنسان المواطن الذي نتوخاه من نظامنا التربوي؟

– كيف يمكن تحقيق جودة هذا المنتوج؟

– وما هي المؤهلات والكفايات الضروري توفرها في الموارد البشرية المساعدة على ذلك؟

– وما هي الشروط البيداغوجية والديداكتيكية لتحقيق ذلك؟..

كل ذلك يتطلب استثمار ما توافر لدينا من خبرات وتجارب وإعادة الاعتبار للخبرة والتجربة المغربية -طبعا مع ضرورة الانفتاح الواعي على كل التجارب الناجحة عالميا- عبر سيرورة الإصلاحات ولن يتأتى هذا في نظري إلا بالمحافظة على خط الاستمرارية في بناء المشاريع والمخططات، وتتبعها وتقويمها، وتشخيص الاختلالات لتجاوزها وتعزيز المكتسبات.. ولعل غياب هذا المطلب أدى إلى ثغرة كبيرة وخطيرة على مستوى الإصلاح، لنأخذ مثلا البرنامج الاستعجالي 2009-2012 الذي أريد له أن يعطي نفسا جديدا للميثاق الوطني للتربية والتكوين، فالكل يشهد بما حققه من حركية وتكوين وتجديد ومعاناة.. على المستوى الميداني وداخل المؤسسات والأقسام الدراسية: لكن وبمجرد جرة قلم توقف مشاريعه التي أشرفت على الانتهاء وبعد صرف ميزانية ضخمة من أجلها دون تقويم وافتحاص مسبق لا يمكن أن يؤدي إلى تحقيق الغايات والأهداف المتوخاة، فمثلا مشروع تجديد المقاربة البيداغوجية من خلال مشروع بيداغوجيا الإدماج، وفي الوقت الذي كان الأمر يتطلب استثمار وتقوية منجزاتها ومعالجة إشكالاتها صدر قرار مفاجئ بإلغائها مما اعتبره كثيرون قرارا أمنيا وليس تربويا بدعوى أنه لم يناقش تربويا بل خضع لضغوط بعض النقابات.. وقد حاولت في مقال نشر بموقع الجمعية المغربية لأساتذة التربية الإسلامية مناقشة دواعي إلغاء بيداغوجيا الإدماج باعتبارها المشروع الذي أصبح لصيقا بالمتعلم والأستاذ، حيث يطلب من المتعلم تعبئة مجموعة من المكتسبات (موارده) خلال أسابيع محددة، من أجل توظيفها في معالجة وحل وضعية مركبة..

كما يطالب الأستاذ بتحمل مسؤولية تحقيق وإكسابه موارد جديدة محددة، من معارف ومهارات وقيم ومواقف، وفق تخطيط سنوي ومرحلي أكثر دقة وضبطا، كما يجعل العلاقة بين الطرفين قائمة على تعاقد ديداكتيكي، قوامه التدريس والتقويم والمعالجة.. في إطار من الوضوح والمصداقية والإنصاف..، لكن المشروع مع نهاية سنته الثالثة ومع بداية التعميم وتزامنه مع حكومة جديدة، وما عرفته من تغيير على رأس وزارة التربية الوطنية حمل معه عدة بؤر ومزالق أدت إلى إجهاضه، قبل جني ما سطر له من أهداف، ورؤية ثمار ما رصد له من إمكانات وموارد، ومن بين تلك البؤر التي أدت إلى وأده في المهد:

– الصراعات النقابية والسياسية والشخصية، وألقت بظلالها على بيداغوجيا الإدماج: حيث وجدها البعض فرصة لتصفية حسابات شخصية.

– طريقة تدبير الاعتمادات المالية المخصصة للبرنامج الاستعجالي ولبيداغوجيا الإدماج على المستوى المركزي والجهوي، أثارت عدة انتقادات من طرف الأساتذة والمفتشين وغيرهم، نتيجة انتفاء الوضوح والشفافية.

– طول مدة إقامة الخبراء الدوليين الذين استنفذوا ما كان بجعبتهم من تقنيات وتكوينات، وكان من المفترض فسح المجال للخبرة الوطنية لمناقشة المشاكل والصعوبات، وفق مستجدات الساحة التعليمية وإكراهاتها.

– تواضع في تدبير ملف التكوين على المستوى الجهوي والإقليمي: حيث كانت خطة الجهة المسؤولة على المشروع تعميم التكوين على كل الأطراف ذات العلاقة بالمؤسسة التعليمية، من مفتشين وأساتذة ومديرين.. وفق مصوغات محددة مضمونا ومنهجا وزمانا..

وهنا برزت عدة إشكالات مرتبطة بتوفير المكونين القادرين على إقناع الفئة المستهدفة، خاصة مع قلة أطر التأطير، مع العلم أن هناك من المستهدفين بالتكوين (مفتشين وأساتذة ومعلمين في بعض الجهات) من لا يرغب فيه، ولا يريد الاقتناع بضرورته؛ بل يعمل من داخله على عرقلته، إضافة إلى الظروف المساعدة على إنجاحه مع اختلاف الجهات في ذلك (توفير التغذية والإقامة من عدمها – تعويضات تنقل المستهدفين..) مما أدى إلى عدة احتجاجات، ووقفات، تطورت مع تراكمها إلى مقاطعة التكوين في بعض الجهات؛ بل أصبح التكوين في بيداغوجيا الإدماج وسيلة من وسائل الضغط على الإدارة التربوية،محليا وجهويا.. لاسترداد الحقوق والمكتسبات، خاصة مع دخول أطراف نقابية على الخط مساندة لمطالب بعض الأساتذة في المقاطعة، تمهيدا للمناداة بإلغائها،

– إحاطة بيداغوجيا الإدماج بهالة من الاهتمام الرسمي، من جراء ما أحدثته من حركية داخل الوسط التعليمي وامتدت خارجه: حيث أصبحت شأنا عاما يناقش داخل الأسر والمنتديات، وفي كل المحافل، وبدأ الكل يحلل، ويبدي رأيا -كما يقع مع مباريات كرة القدم- عن علم أو دون إدراك لأهدافها وحدودها وشروط نجاحها …وهي حركية لم تشهدها من قبل بيداغوجيا الأهداف التي بقيت نخبوية، ومحصورة في فئة الأساتذة، ولا بيداغوجيا الكفايات التي بقيت غامضة حتى على مستوى التعريفات، رغم أن بيداغوجيا الإدماج لم تدع لنفسها ما أريد لها من تغيير، كما لم تطرح نفسها كنظرية، أو بديل عن بيداغوجيا الكفايات، بقدر ما هي إطار منهجي تطبيقي لها،

– عدم مناقشة المقاربة بيداغوجيا / تربويا: حيث عرفت بيداغوجيا الإدماج منذ دخولها حيز التجريب عدة انتقادات، من خلال جملة من المقالات المعبرة عن مواقف رافضة لها، متهمة إياها بكونها:

– بيداغوجيا فاشلة.

– بيداغوجيا الفقراء.

– بيداغوجيا مستوردة.

– غير مناسبة لواقع المتعلم المغربي.

– تتنافى وخصوصية المجتمع.

– غير واضحة.

– متعبة للأستاذ والتلميذ.

– مضيعة للزمن المدرسي.

– لا يفهمها إلا صاحبها…

لكن القليل من تجرأ على مناقشتها تربويا، إذ في الوقت الذي تصرح فيه أدبياتها بكونها ليست نظرية أو توجها بيداغوجيا، بقدر ما هي مقاربة تطبيقية لبيداغوجيا الكفايات وهندسة للتعلمات، تعطي الأستاذ والتلميذ إمكانية عملية إجرائية لبناء الكفاية وممارستها، نجد المحللين والمنتقدين والرافضين ينظرون إليها من زاوية فلسفية نظرية، تقولها ما لم تقله، وتقارنها بمختلف نظريات التعلم.

– ربط المشكل التعليمي بالبيداغوجي: حيث سوق للمسؤول الجديد عن التربية والتكوين أن جل المشاكل الميدانية التي يتخبط فيها القطاع، وأوقعته في موجات الاحتجاجات والإضرابات وهدر الزمن المدرسي …مرده إلى بيداغوجيا الإدماج المستوردة، والتي لم تطبق حتى في بلدها الأصلي، واجتهدت هنا النقابات التي وجدت فيها حصان ترودة للضغط، وإثبات الذات، مدعمة ومسايرة لأطروحة بعض الأساتذة الذين رأوا فيها عبء إضافيا لما ألفوه من ممارسة في التخطيط والتدريس والتقويم ومعالجة تعثرات التلاميذ..

ومع تزامن الحكومة الجديدة والحراك المجتمعي، تأثرا بالربيع العربي، كان لزاما البحث عن الأمن المجتمعي، وتأمين الوسط التعليمي، فكان قرار إلغاء بيداغوجيا الإدماج بغية إنهاء موجات الإضرابات والاحتجاجات، إلا أن الواقع بين أن كل ذلك كان مغالطة من طرف البعض، وتصفية حسابات من آخر، وإثبات وجود آخرين …فالإضرابات ازدادت حدتها، والاحتجاجات والاعتصامات لا زالت مخيمة على المنظومة التعليمية، وقد تزداد حدتها مع اقتراب الانتخابات الجماعية والمهنية وما تتطلبه تعزيز مكانة ووجود النقابات والهيئات السياسية.

– التسرع في إصدار المذكرة 204 الخاصة بالتقويم في السلك الابتدائي: حيث كان الهدف تنزيل بيداغوجيا الإدماج، بما تستلزمه من إعادة النظر في أساليب التقويم بالتركيز على التقويم المعياري الموضوعي، فكانت المذكرة موازاة مع تعميم بيداغوجيا الإدماج في نفس السلك وما حملته من إجراءات، استشعر معها الأساتذة والمديرون صعوبة في التعاطي مع بنودها، وغموضا في التعامل مع مضامينها، خاصة قبل إنجاز ونشر البر انم الإعلامي المساعد، وتكوين الفاعلين على التعامل معه، مما زاد بيداغوجيا الإدماج عائقا كانت في غنى عنه، وأسهم في تأجيج الساحة التعليمية ضدها.

– التعاقد مع صاحب المشروع على إرساء بيداغوجيا الإدماج في ظل البرامج الراهنة والالتزام بعدم إحداث تغييرات على واقعها: حيث أريد لها أن تكون حاضنة للبرامج الدراسية المعمول بها، حتى لا تكلف مجهودا إضافيا، وإمكانات مالية في تعديل وتحديث البرامج الدراسية والكتب المدرسية.. لكن إجراءات بيداغوجيا الإدماج وهندستها لم تستطع احتواء البرامج القائمة والتكيف معها كما هي، فبرزت عدة إشكالات أثناء محاولات التلاؤم والتكييف (المشكل الذي عرفته مادة الفزياء – ومشكل الكتابي والشفهي في اللغات في الإعدادي مثلا) لأن البرامج القائمة وإن كانت في أدبيات وثائقها المؤسسة تصرح باعتمادها مدخل الكفايات، لكنها على المستوى البيداغوجي والديداكتيكي بقيت عالقة بين بيداغوجيا الأهداف وبيداغوجيا المحتوى مما صعب أمر التكييف والتلاؤم،

– تأثير إنتاج الجيل الجديد من الكتاب المدرسي على بيداغوجيا الإدماج: حيث المنظومة كانت قد دخلة محطة أخرى من تنزيل بيداغوجيا الإدماج مع تعميمها في الابتدائي وهي محطة إنتاج الكتاب المدرسي الجديد، وهذا الإنتاج كان مرهونا بإدماج المقاربة الإدماجية في الجيل الجديد من الكتب المدرسية، وأنجزت من أجل ذلك وثيقة التوجيهات والبرامج الدراسية، وكذا دفتر التحملات الخاص، فبدأت عملية التنافس وإعداد المشاريع بين فرق التأليف ومؤسسات الإنتاج، مما جعل البعض يتخوف من كثرة المشاريع التنافسية، ونية الوزارة في إحداث تغييرات عميقة على تدبير هذه التنافسية، والحرص على مصداقيتها، انطلاقا من الملاحظات التي أفرزتها التجربة الأولى من تحرير الكتاب المدرسي، خاصة على مستوى لجن المصادقة، إضافة إلى رغبة البعض في المحافظة على الكتب القائمة، وإطالة عمرها بغية استمرار استفادتهم من عائدها،

– استشعار الفاعلين التربويين لعدم مصداقية القرارات الإدارية: وذلك انطلاقا من عدة مؤشرات منها تراجع الوزارة عن عدة إجراءات، ومراجعتها لبعض المذكرات، وإلغاؤها لبعض المشاريع… بضغط الإضرابات والاحتجاجات، وإرضاء لبعض الأطراف، وبغية تحقيق السلم الاجتماعي …ورغم جرأة الوزارة الجديدة في اتخاذ بعض القرارات التي استعصى على حكومات سابقة اتخاذها (مشكلة التعليم الخاص – الساعات الإضافية – التوقيت اليومي – السكنيات – قانون الإضراب المنتظر – الأشباح – معالجة التغيبات..) فإنها ستبقى حبرا على ورق ما لم توفر لها آليات المراقبة والتتبع والضبط وتحميل المسؤولية والمحاسبة، ولعل تحرك المفتشية العامة راهنا يسير في هذا الاتجاه.

– خلل في الموارد وضعف المكتسبات: الكل أصبح واعيا بأن الإدماج لا ينطلق من فراغ بل يتطلب تعبئة موارد مكتسبة وفي هذا الإطار يجد كثير من متعلمي التعليم العمومي وعاءهم فارغا مما يمكن أن يعبأ به من موارد، نتيجة اختلال السير لعادي للدراسة، وعدم جدوى أسابيع الاكتساب والإرساء (إضرابات – توقفات – تأخرات – رخص – الالتحاق المتأخر – المغادرة المبكرة – اختلال المراقبة المستمرة..) في الوقت الذي أعدت البرامج الدراسية المكثفة دون اعتبار ذلك، إضافة إلى الخصاص في الموارد البشرية التي يمكن أن تقوم بعملية التعويض والدعم قبل أسابيع الإدماج التي حكم عليها انطلاقا من اختلالات أسابيع الإرساء، فحوكمت بيداغوجيا الإدماج وحملتها مسؤولية تردي المستوى والتحصيل وهدر زمن التعلم..

– عدم الاستثمار الموضوعي لاستمارة التقويم الموجهة للأساتذة: حيث أتت عملية التقويم بعد قرار الإلغاء مما يعتبر تحصيل الحاصل وجد فيها بعض الأساتذة فرصة لإبراز رفضهم للمشروع ومحاولة التجديد البيداغوجي دون بيان المبررات أو اقتراح الحلول وكان بإمكان خبراء الوزارة مناقشة مبررات الرفض وما يقترحه الرافضون من بدائل قبل إصدار قرار الإلغاء خدمة لمبدأ تكامل مشاريع الإصلاح والمحافظة على استمرارية التجارب وتراكمها رغم التغيرات السياسية..

3- جاء الخطاب الملكي الأخير ليدق ناقوس الخطر، وينذر بأن وضع التعليم في بلدنا لا يمكن أن يستمر على وضعه الحالي، وأن هذا القطاع يجب أن يخرج عن دائرة التنافس السياسي والتقاطب الفكري والأيديولوجي، ومنه أكد الملك على ضرورة تفعيل دور المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، كيف تقيمون هذه التجربة، وهل ترون أن المجلس بتمثيليته المجتمعية؛ وتخصص أعضائه الوظيفي والمهني؛ سيقدم حلولا ناجعة لمعضلات للتعليم في بلدنا؟

– طبعا جاء الخطاب الملكي ليدق ناقوس الخطر حول منظومة التربية والتكوين وذلك استكمالا لخطاب 20 غشت 2012 الذي حث فيه على ضرورة “إعادة النظر في مقاربتنا٬ وفي الطرق المتبعة في المدرسة٬ للانتقال من منطق تربوي يرتكز على المدرس وأدائه٬ .. إلى منطق آخر يقوم على تفاعل هؤلاء المتعلمين٬ وتنمية قدراتهم الذاتية٬ وإتاحة الفرص أمامهم في الإبداع والابتكار”٬ ..مضيفا في هذا الصدد “أن الأمر لا يتعلق إذن٬ في سياق الإصلاح المنشود٬ بتغيير البرامج٬ أو إضافة مواد أو حذف أخرى٬ وإنما المطلوب هو التغيير الذي يمس نسق التكوين وأهدافه. وذلك بإضفاء دلالات جديدة على عمل المدرس لقيامه برسالته النبيلة”.

وإذا كان الخطاب الأول ركز على البعد الديداكتيكي ومدى تنزيل المشاريع الإصلاحية على المستوى البيداغوجي والديداكتيكي فالخطاب الثاني تناول المسالة في بعدها السياسي والإيديولوجي ليوجه المعنيين الى أن المسالة التربوية والتعليمية مسألة وطنية حيث وجه إلى أنه “لا ينبغي إقحام القطاع التربوي في الإطار السياسي المحض، ولا أن يخضع تدبيره للمزايدات أو الصراعات السياسوية. بل يجب وضعه في إطاره الاجتماعي والاقتصادي والثقافي، غايته تكوين وتأهيل الموارد البشرية، للاندماج في دينامية التنمية، وذلك من خلال اعتماد نظام تربوي ناجع”، فلا يمكن بحال أن يخضع نظام التربية والتكوين للتقلبات السياسية ولا للقناعات الشخصية والطائفية فيما يخص الأهداف والقيم.. بل يجب أن يخضع لمرتكزات لميثاق الوطني للتربية والتكوين كوثيقة متوافق عليها وتحيين بعض بنودها للتوافق مع الدستور المغربي الذي صوت عليه الشعب المغربي سنة 2011 وتعزيز ما تم من مكتسبات والبحث عن الحلول لما يصاحبه من ثغرات، وهنا يدخل دور المجلس الأعلى للتعليم حيث ينتظر من منه أن يقوم بدور أعم وأشمل وأجدى ولا يقتصر فقط على الدور التشخيصي لواقع المنظومة، ويعيد اجترار ملاحظات وانتقادات الصحف والنقابات والأحزاب كما فعل في تقريره 2008 والذي أسال كثيرا من الأقلام تحليلا ومناقشة، وأعطيت له مساحات إعلامية وهالة مؤسساتية.. إن دوره الآن يجب أن ينتقل إلى رسم خطة وطنية للنهوض بالتعليم، وكيفية التطبيق الأمثل للميثاق الوطني في انسجام مع الدستور الجديد خاصة على مستوى المبادئ العامة والأهداف والغايات والقيم….

إن إصلاح المنظومة التربوية يطرح بقوة سؤال القيم سواء على مستوى التدريس أو التدبير أو التقويم.. باعتبار أن غياب شرط القيم يفقد العملية التربوية معناها وفاعليتها وجدواها وجاذبيتها وقد ركزت كثيرا على هذا المدخل في مقال منشور بموقع الجمعية المغربية لأساتذة التربية الإسلامية ضمن موضوع “قيم مهنة التدريس وشرط الرغبة” حيث ذكرت فيه على أن إصلاح المنظومة التربوية يتوقف أساسا على تخليق أطرافها الفاعلة مما يقتضي إحياء قيمة الرغبة وربط العلم والرصيد المعرفي بما هو أخلاقي من خلال إصلاح العنصر البشري وهو إصلاح معنوي يرتكز على التخليق،باعتبار أن المنظومة التربوية ذات صلة بالعلم، فلا مندوحة لها عن الأخلاق، إذ الأخلاق تسبق العلم، يقول نبي الله يوسف عليه السلام لملك مصر: “اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم” (يوسف:55)، فقد قدم نبي الله يوسف عليه السلام صفة الحفظ على صفة العلم، إذ كان له علم بالادخار وتدبير المعيشة في ظروف القحط والجفاف، يقول ابن كثير: “حفيظ”، أي خازن أمين، “عليم” ذو علم وبصيرة بما يتولاه، وقال شيبة بن نعامة: حفيظ لما استودعتني، عليم بسني الجدب، رواه ابن أبي حاتم. وسأل العمل لعلمه بقدرته عليه ولما فيه من المصالح للناس، وإنما سأله أن يجعله على خزائن الأرض وهي الأهرام التي يجمع فيها الغلات لما يستقبلونه من السنين التي أخبرهم بشأنها فيصرف لهم على الوجه الأحوط والأصلح والأرشد فأجيب إلى ذلك رغبة فيه وتكرمة له، والعلم ما كان له ليؤتي أكله لو لم يكن النبي الكريم على خلق عظيم. مما يفرض ضرورة تخليق العامل البشري ليكون طرفا حافظا قبل أن يكون عالما ومدرسا.. وهذا له بعد شرعي أساس؛ فأن يكون المدرس متخلقا (حفيظا) أي يتحكم فيه ضميره ووازع تدينه قبل أن تضبطه النصوص التنظيمية والتشريعية، إذ التخليق يقوم أساسا على الوازع الديني، والوازع الديني يقوم على مخافة الله عز وجل ومراقبته (التقوى)، والانخراط في مهنة التدريس هو شكل من أشكال العبادة والطاعة وليس مجرد ممارسة خالية من التدين، ولا نجد التفوق في التعلم والعلم غالبا إلا عند المتعلمين المتخلقين بأخلاق دينهم. 

ذلك أن تخليق مهنة التدريس يسهم بشكل كبير في نتائج هذا التعليم، يقول الله عز وجل: “واتقوا الله ويعلمكم الله” (البقرة”:282) فالعلم تسبقه التقوى، وتخليق الممارسة ينطلق من الرغبة، والإصلاح التربوي ينبغي أن يخلق الرغبة والاهتمام.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M