منتدى الكرامة يستنكر أحكام معتقلي حراك الريف ويعتبرها تتويجا لمسار مليء بالخروقات والانتهاكات
هوية بريس – عبد الله المصمودي
أصدر منتدى الكرامة لحقوق الإنسان بيانا بخصوص الأحكام القضائية التي أصدرتها غرفة الجنايات الابتدائية بمحكمة الاستئناف بالدارالبيضاء في حق نشطاء حراك الريف، مستنكرا تلك الأحكام ومعتبرا إياها تتويجا لمسار مليء بالخروقات والانتهاكات.
وهذا نص البيان كاملا، كما توصلت به “هوية بريس”:
“تلقى منتدى الكرامة لحقوق الإنسان باستنكار كبير الأحكام التي أصدرتها غرفة الجنايات الابتدائية بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء في وقت متأخر من يوم الثلاثاء الماضي 26 يونيو في حق المعتقلين على خلفية الاحتجاجات الشعبية التي شهدتها مدينة الحسيمة والجماعات المجاورة خلال السنة المنصرمة، والتي تراوحت ما بين العشرين سنة وسنة نافذة.
إن منتدى الكرامة لحقوق الإنسان الذي تابع أحداث الريف منذ حادثة مصرع المواطن محسن فكري في شاحنة النفايات بالحسيمة، يعتبر بأن هذه الأحكام هي تتويج لمسار مليء بالخروقات والانتهاكات سبق للمنتدى أن نبه إليها في حينها، وأثبت القضاء أنه عاجز على التصدي لها بقوة القانون.
وفي هذا السياق يذكر المنتدى بأهم الخروقات والانتهاكات التي شابت التعاطي مع هذا الملف، ومن بينها:
– عدم احترام المساطر القانونية عندما تم حجز الأسماك المملوكة للمرحوم محسن فكري وإتلافها في الشارع العام مما نتج عنه مساس جسيم بحق جوهري من حقوقه وهو الحق في الحياة، الذي يبقى حقا مقدسا لم تقم الدولة باتخاذ كل التدابير والاحتياطات من أجل صيانته وعدم المساس به.
– عدم الكشف عن التحقيق القضائي الذي طالبت بفتحه كل من وزارة الداخلية ووزارة العدل والحريات آنذاك بشأن خروقات عمليات الصيد البحري بالحسيمة سواء في صيده أو حيازته أو تداوله أو مراقبته، وتحديد المسؤولين عنها وترتيب الآثار القانونية على ذلك.
– إصدار الوكيل العام للملك بالحسيمة لعدد من البلاغات تتعلق بالمواطن ناصر الزفزافي ورفاقه وإذاعتها عبر وسائل الإعلام، وعلى رأسها القنوات التلفزية العمومية، وهو ما يعد تعدياً جسيماً على الحقوق الدستورية للمواطنين الذين نسبت إليهم ارتكاب أفعال مخالفة للقانون الجنائي قبل الاستماع إليهم، وقبل البحث معهم فيها، مما يعد توجيها بإدانة مسبقة، وضرباً بعرض الحائط لقرينة البراءة المنصوص عليها في الدستور.
– إخضاع المواطن ناصر الزفزافي ورفاقه للحراسة النظرية بالدار البيضاء، خارج النفوذ الترابي للنيابة العامة للحسيمة.
– تسريب صور مهينة لعملية اعتقال المواطن ناصر الزفزافي ورفاقه ونقلهم ورؤوسهم مغلفة قسراً على متن طائرة هيلوكبتر في مشهد هوليودي، غير مستند على أساس قانوني، وهو سلوك لا يقصد منه إلا ترهيب المواطنين المشاركين في الحراك السلمي للحسيمة، مما يشكل خرقا سافرا لوجوب المعاملة الإنسانية للمشتبه فيهم، ولقرينة البراءة المنصوص عليهما في الدستور، وفي المواثيق الدولية الملزمة للمغرب أمام المنتظم الدولي.
– تصريح دفاع المتهمين بملاحظة آثار الضرب والتعنيف التي كانت بادية على بعض المعتقلين، وأيضا ما أفادوا به أمام وكيل الملك من وصفهم أثناء البحث بعبارات قدحية من قبيل (أولاد اسبانيول، والانفصاليين…)، وهو ما يعد انتهاكا صارخا لحقوق أساسية تترتب عنها مسؤولية الموظفين المكلفين بإنفاذ القانون الذين قرروا تدابير الحراسة النظرية، والذين سهروا على تنفيذها.
– الإحالة الجماعية للمواطنين الذين كانوا لا يزالون رهن الحراسة النظرية على النيابة العامة بالدار البيضاء، اتسمت بالشطط في استعمال السلطة، وتجاوزت منطوق قرار محكمة النقض، الذي كان دقيقاً عندما قضى بــ “سحب الدعوى الرائجة أمام هيئة التحقيق بهذه المحكمة وإحالتها على هيئة التحقيق بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء” ولم يقض بــ “سحب الأبحاث التمهيدية التي كانت لا زالت جارية تحت إشراف الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بالحسيمة وإحالتها على الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بالدار البيضاء”.
إن الضمانة الدستورية المتمثلة في قرينة البراءة كانت تلزم الوكيل العام بانتظار نتائج البحث واتخاذ قراره عند تقديم هؤلاء المواطنين أمامه وفق القانون وبعد دراسة ملفاتهم، وهو القرار الذي قد يتقلب بين الحفظ، أو المطالبة بفتح تحقيق، أو المتابعة أمام المحكمة.
– إقدام وزارة الداخلية على إصدار بلاغات تتعلق بفتح مساطر أبحاث قضائية في ما يشتبه أنه مخالفات للقانون الجنائي، وهو ما يعتبر تعديا صارخا على استقلالية النيابة العامة والتي هي جزء من السلطة القضائية المستقلة عن السلطة التنفيذية بصفة عامة وعن سلطة وزير الداخلية على الخصوص.
– تسريب فيديو للمواطن ناصر الزفزافي وهو قيد الاحتجاز، يظهره وهو يكشف عن أماكن من جسده تبدو عليها آثار كدمة على الجانب الأيسر من ظهره مع تجمع وازرراق للدم تحت الجلد، وقد تم تعميم هذا الفيديو على نطاق واسع، وهو ما يعتبر سلوكا مهينا من الناحية المعنوية ومؤذيا من الناحية البدنية وحاطا من الكرامة الإنسانية للمواطن ناصر الزفزافي. مما اعتبر دليلاً إضافيا على انتهاك الحقوق الدستورية الأساسية لهذا المواطن.
واعتبارا لوجود المواطن ناصر الزفزافي قيد الاحتجاز تحت عهدة المندوبية العامة لإدارة السجون والفرقة الوطنية للشرطة القضائية في زمن وقوع الانتهاكات ضده، فإن منتدى الكرامة لحقوق الإنسان حمل المسؤولية القانونية والأخلاقية لما تعرض له المواطن المذكور لهما معا على وجه التضامن فيما بينهما إلى أن يفتح تحقيق قضائي نزيه ومستقل في إطار الفصل 1-231 من القانون الجنائي المتعلق بجريمة التعذيب ويفصل في مسؤولية كل منهما على حدة.
– عدم تحمل وزير العدل لمسؤوليته في تقديم ملتمسات من خلال النيابة العامة التي كانت مازالت تحت سلطته، من أجل إجراء التحقيقات اللازمة في الاشتباه بوقوع جرائم التعذيب في حق ناصر الزفزافي ورفاقه بعدما وثقتها الخبرات الطبية التي أنجزها المجلس الوطني لحقوق الإنسان.
إن اكتفاء وزير العدل بطلب ضم الخبرات الطبية المنجزة من طرف المجلس الوطني لحقوق الإنسان لملفات المعتقلين (كما جاء في بلاغه بتاريخ 4 يوليوز 2017)، سواء تلك التي بين أيدي قضاة التحقيق أو المحكمة، يعتبر انتهاكاً صارخاً للالتزامات الدولية للمغرب في إطار اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب والتي تنص في المادة 12 منها على واجب كل دولة في أن تفتح تحقيقاً فوريا في مزاعم التعذيب الجدية.
إن منتدى الكرامة لحقوق الإنسان، إذ يذكر ببعض الخروقات والانتهاكات التي شابت هذا الملف؛ والتي توجت بمحاكمة انتفت فيها شروط المحاكمة العادلة فإنه:
_ يعتبر بأن هذه الأحكام تعكس التضارب الصارخ في مواقف الجهاز التنفيذي للدولة، حيث أقر هذا الجهاز التنفيذي سابقا بمعقولية مطالب حراك الحسيمة ومشروعيتها وبضرورة الاستجابة لها، واختار بعدها الزج بهذا الحراك واحتجاجاته السلمية المنادية بمطالب اجتماعية واقتصادية وثقافية في الخانة الضيقة للقانون الجنائي، عوض التعامل السياسي المسؤول والإيجابي، مما أدى إلى اعتقالات ومتابعات بالجملة لعدد كبير من الشباب الريفي، في منحى تجريمي خطير لهذا الحراك، توج بالأحكام القاسية التي تم الإعلان عنها.
_ يدعو السلطات المختصة إلى فتح تحقيق إداري حول صدقية ومدى دقة وصحة التقارير الميدانية التي سبقت التدخل الأمني ومتابعة قيادات الحراك قضائيا، مع إعمال مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة تفاديا لكل خلل مستقبلا قد يؤدي لتكرار ما جرى.
_ يعتبر بأن هذه الأحكام هي عنوان لمرحلة جديدة يراد فيها للقضاء أن يقوم بإضفاء الشرعية على انتهاكات خطيرة تقوم بها جهات أخرى، ويعتبر بأن منظومة العدالة بالمغرب تمر بأزمة معقدة تحتاج إلى وقفة نقدية لتقييم الخطوات التي تم اتخاذها من أجل إصلاح شامل وعميق لهذه المنظومة رغم الإقرار الدستوري باعتبار القضاء سلطة مستقلة عن السلطة التنفيذية، ورغم الإقرار القانوني باستقلالية النيابة العامة.
وفي هذا السياق يوجه المنتدى نداء إلى الحكومة والبرلمان والمجتمع المدني والجمعيات الحقوقية والجمعيات القضائية المهنية وهيئات المحامين، من أجل إطلاق نقاش عمومي صريح لتقييم الوضع المؤسساتي الراهن للسلطة القضائية، والتفكير في الإجراءات التي ينبغي اعتمادها من أجل الوصول إلى عدالة منصفة للجميع.
_ يستنكر الأحكام القضائية غير العادلة التي صدرت في حق نشطاء حراك الريف، ويطالب السلطة القضائية بالتصحيح الفوري لها في محطات التقاضي المقبلة، ويدعوها إلى تمثل معاني الاستقلالية الحقيقية التي بدأت تنهار بمؤشرات مقلقة تهدد استقرار المجتمع وثقته في وجود سلطة محايدة لتحقيق العدالة.
بالنظر إلى ضرورة التجاوز السريع لحالة الاحتقان التي تعرفها البلاد، والضرورة الاستعجالية لتجاوز المخلفات السلبية لهذه الأحكام على صورة المغرب الحقوقية وعلى اهتزاز صورة جهاز العدالة؛ فإن المنتدى يعتبر بأن العفو الملكي هو آلية دستورية لإنصاف المظلومين وتصحيح الأخطاء التي يقع فيها القضاء، ومخرج حكيم لاستدراك المقاربة الأمنية والزجرية التي جرى اعتمادها في التعاطي مع مطالب اجتماعية واقتصادية سلم الجميع بمشروعيتها.
المكتب التنفيذي لمنتدى الكرامة لحقوق الإنسان”.