في مقال تحليلي نشره مركز “كارنيغي” الأمريكي للسلام الدولي، أكد الباحث البريطاني نيل بارتريك، أن السعودية لا تعرف ماذا تريد في اليمن.
وقد شدد نيل المساهم كذلك كأساسي في كتاب “السياسة الخارجية السعودية: النزاع والتعاون”، أن الاستراتيجية المتخبطة للسعودية سمحت بوجود دولة في حالة انهيار على حدودها الجنوبية مما أثر على الأمن القومي السعودي بطريقة مباشرة.
المقاربة غير المتماسكة التي تعتمدها السعودية في المسألة اليمنية، والتي تعكس استعداداً من جانبها للقبول بأن تكون جارتها الجنوبية ضعيفة، تسمح للإمارات العربية المتحدة بتحريك الرماد وإثارة المشكلات.
واعتبر أنه بما أن الإمارات لم تتأثر مباشرة سمح هذا الوضع لها بالتلاعب استراتيجيا على كل من السعودية والحوثيين.
وأشار أنه بدلا من كل هذا الدمار والصواريخ الحوثية داخل العمق السعودي ربما كان أولى للسعودية استخدام سلاحها المعتاد الا وهو الريال والوهابية لكسب ولاء وتعاون القبائل المتقبلة للسلفية.
كما أشار الكاتب أنه في العام 2015 راود السعوديون خوفٌ استراتيجي من أن تقدُّم الحوثيين داخل اليمن يعود بالفائدة على إيران، الأمر الذي تحوّل إلى واقع شديد الوضوح: لقد زادت إيران إلى حد كبير مساعداتها للقوة الحوثية التي أصبحت عميقة التجذّر في إدارة مناطق أساسية شمال البلاد، منها صنعاء. من الواضح أن الإماراتيين الذين يُقيم معهم السعوديون تحالفاً في اليمن قوامه ما لا يريده الطرفان أكثر منه ما يفعلانه معاً، يخططون لاستكمال الترتيبات الآيلة إلى تسهيل انهيار الدولة اليمنية.
وأكد الباحث أن الإمارات العربية المتحدة تدعم علناً الانفصاليين الجنوبيين وتعارض عدوهم، الرئيس اليمني الإسمي المدعوم من السعودية، عبد ربه منصور هادي. وفي مارس 2019، هاجم اثنان من وزرائه السعي الإماراتي إلى إقامة دولة في جنوب اليمن (أو العديد من الدويلات الجنوبية)؛ ووجّه هادي نفسه انتقادات إلى الإمارات لأنها تتصرف كـ”محتل” من خلال العمل على إنشاء قوات موالية لها وللانفصاليين والسيطرة على جزيرة سقطرى. يشمل حلفاء السعودية في اليمن السلفيين الذين يُبدي الإماراتيون ازدراءهم الواضح لهم، لكنهم ممثّلون جيداً في أوساط حلفائهم الجنوبيين؛ وحزب “الإصلاح” الذي يُشكّل نسخة قبلية يمنية عن الإخوان المسلمين، والذي لا يمكن للإمارات القبول به. غير أن الإصلاح وحليفه الأساسي، علي محسن الأحمر المدعوم من السعودية والذي يشغل منصب نائب الرئيس هادي، قد يُقرّر أن مهاجمة الانفصاليين الجنوبيين بما يُرجّع صدى الحرب الأهلية اليمنية للعام 1994، ويؤدّي إلى تأليب الحلفاء السعوديين على الحلفاء الإماراتيين، كما حصل في يناير 2018 عندما خاضوا قتالاً فيما بينهم للسيطرة على مطار عدن.
ويشير الكاتب إلى السعوديين، ومنذ ثمانية عشر شهراً، يسعون للسيطرة على الحدود بين المهرة وسلطنة عمان وعلى مطار المحافظة ومنشآت الميناء البحري، فيما تركّز الإمارات على السعي إلى ضم هذه المحافظة المتمايزة جداً والتي تربطها علاقة صداقة نسبياً بسلطنة عمان، إلى خططها الانفصالية في جنوب اليمن. وربما يعمد السعوديون إلى تسهيل تدخّل الآخرين في تفكّك الدولة اليمنية، أو السماح به في إطار مخطط كبير لفرض سيطرتهم على الأروقة البرية نحو بحر العرب. غير أن عجز اليمن المثبَت عن إدارة دولة مركزية ومتماسكة قد يؤدّي على الأرجح إلى سيطرة السعودية على بعض الأراضي بحكم الأمر الواقع أو إلى نشوء دويلة تدور في فلكها في الجنوب، في حال أرادت الرياض ذلك.
ويرى الباحث أن المرحلة الأولى من اتفاق السلام في الحديدة، والذي لا يتقيّد به الحوثيون والقوى المدعومة من الإمارات كما يجب، ليس له علاقة بالحسابات (أو سوء الحسابات) الاستراتيجية السعودية أو السياسية الإماراتية في النزاع اليمني، بل إنها مرتبطة إلى حد كبير بالصورة التي يحاول هذان البلدان بثّها رداً على الحلفاء الغربيين المربَكين.
ويؤكد في الأخير أن غياب التماسك في المقاربة السعودية للمسألة اليمنية مردّه جزئياً إلى التقليد الذي دأبت عليه السعودية التي لا مشكلة لديها في القبول بضعف الدولة اليمنية باعتباره الثمن المقبول حفاظاً على أمن المملكة. إنما من الواضح أن ذلك لم يعد مجدياً: فقد تسبّب انهيار الدولة اليمنية بتفاقم مشكلات الأمن القومي التي تعاني منها السعودية، في حين أن الإمارات، التي طالتها فقط التداعيات غير المباشرة لهذه المسائل، تُحرّك الرماد الاستراتيجي بما يعود بالضرر على السعودية واليمن على السواء.