سلسلة أنواع القلوب (11) تأثر القلوب الحية بمواقف اليهود العدوانية (1)
د. محمد ويلالي
هوية بريس – الإثنين 09 نونبر 2015
تحدثنا -ضمن سلسلة أنواع القلوب- عن القلب المتذكر المعتبر، بعد حديثنا عن القلب العفو، والقلب الراضي، والقلب السليم ضمن القلوب الحية الصحيحة، وحديثِنا عن القلب الميت، والقلب القاسي ضمن القلوب السقيمة العقيمة.
وكلا الصنفين يقف من الأحداث الجسام المحدقة بالأمة الإسلامية بما يوافق سلامته أو مواته، إما موقفَ اليقظ المتأثر، الذي ينفعل بما يجري، ويتألم لما يحدث، ويتحسب لكل ما يحيط به من كيد وشر، وإما موقفَ المتخاذل السلبي، الذي لا يهتم إلا لمصلحته الشخصية، ومآربه الذاتية، ولربما شَمَت بأصحاب القلوب الحية، ونحا باللائمة عليهم، واعتبر صمودهم، ومدافعتهم، وعدم خنوعهم واستسلامهم سببا لهزيمة الأمة.
وها نحن اليوم، وطيلة شهر أكتوبر الجاري، نسمع بالاعتداءات اليومية على إخواننا الفلسطينيين من طرف اليهود الغاشمين، يتلذذون بتقتيلهم، ويتفانون في التنكيل بهم، وتخريب بيوتهم، وطردهم من أحيائهم ومدنهم، يشارك في ذلك الجنود، وكذلك المستوطنون المدعومون بغطاء أمني رسمي، يتصيدون أطفال الفلسطينيين، ونساءهم، وشيوخهم، فضلا عن شبابهم، فيمعنون فيهم طعنا، وقذفا بالحجارة، واستهزاء وتنقيصا.
فقد قتلوا منذ بداية هذا الشهر وإلى العشرين منه قرابة 50 فلسطينيا، من بينهم 10 من الأطفال، إضافة إلى أكثر من 1850 مصابا بالرصاص الحي أو المطاطي، أو بسبب الضربات الجوية، مع إحصاء أكثر من 3500 فلسطيني أصيبوا بحالات اختناق من جراء استخدام قنابل الغاز المسيل للدموع. صوحب كل ذلك بحملات اعتقال شملت نحو 780 فلسطينيا، نصفهم من القاصرين، وغالبيتهم تعرضوا للتعذيب والتنكيل.
ومن المؤسف أن يعبر 80% من الفلسطينيين -وقد رأوا موات القلوب يدب إلى كثير من العرب والمسلمين- عن اقتناعهم بأن القضية الفلسطينية ليست على لائحة اهتمامات العرب، مع أن القضية الفلسطينية هي قضية الأمة الإسلامية جمعاء، لأن اليهود لا يعتدون من أجل قطعة أرض يرومون الاستقرار عليها، بل يعتقدون أن فلسطين كلها لهم، وأن القدس ملكُهم، وأن المسجد الأقصى الذي بني على أنقاض هيكل سليمان، أي: المعبد الذي بناه سليمان -في زعمهم- يجب هدمه، وبناء الهيكل مكانه، تنفيذا لقول قائلهم: “لا معنى لإسرائيل من دون القدس، ولا معنى للقدس من دون الهيكل”. ولقد حاولوا ذلك فعلا حينما أحرقوا المسجد الأقصى سنة 1969م، وما زالت مخططاتهم تتنامى، وقوتهم تتعاظم، وتباكيهم يجلب التأييد الغربي، الذي كان المساند الأول لهم في قيام كيانهم.
فقد كان عددهم في فلسطين سنة 1900م لا يزيد عن 5%، ولم تكن ممتلكاتهم تزيد عن 3%، وبعد الحرب العالمية الأولى، وتقسيم الدول العربية على الغزاة الغربيين، ووعد بريطانيا لبلفور باستيطان فلسطين، تعاظمت الهجرة اليهودية المنظمة، فصارت نسبتهم سنة 1931م 17%، ثم قفزت هذه النسبة إلى 31% سنة 1947م، وبعد نكبة 1948م، أُطلق العنان للعصابات اليهودية بدعم غربي، لتقوم بتصفية الفسلطينيين، والاستيلاء على المزيد من الأراضي، فصاروا يسيطرون على 78% من الأراضي، وأقاموا ما يسمى بـ”دولة إسرائيل”، بحيث لم يبق في يد العرب إلا الضفة الغربية وقطاع غزة، لتقوم حرب 1967م، المسماة بحرب النكسة، حيث سيستولي اليهود على باقي فلسطين، بل وتمتد سيطرتها إلى سيناء في مصر، والجولان في سوريا، ومزارع شبعا في لبنان، بقصد قيام ما يسمى عندهم بدولة إسرائيل الكبرى.
لقد حذرنا القرآن الكريم من اليهود، وأظهر لنا خلفيتهم النفسية الدنيئة، وأطماعهم المتزايدة في الاستيلاء على أراضي المسلمين، ومحاولة الانتصار عليهم، وأن الله تعالى كتب عليهم العذاب والشقاء في الدنيا، فهم يخرجون من حرب إلى حرب، ومن فتنة إلى فتنة، لن ينعموا بالاستقرار والطمأنينة إلى قيام الساعة، كما قال تعالى: “وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ”، وهو ما يتحقق اليوم على يد الفلسطينيين الأشداء، الذين جعلهم الله شوكة في حلوق اليهود، الذين لم ينعموا معهم بأمن، ولم يسعدوا معهم باستقرار.
ولقد كانت قصَّة بني إسرائيل أكثر القِصَص ورودًا في القرآن الكريم، حيث ذكر كتاب الله اليهودَ بشكل مباشر أو غير مباشر في 130 آية، ذكرت واقعهم، ونفسيتهم، وتعنتهم، وتكذيبهم، وقتلهم لأنبيائهم بالآلاف، حتى إنهم قتلوا في يوم واحد سبعين نبيا – كما قال ابن القيم -. بل يقول عبد الله بْنُ مَسْعُودٍ – رضي الله عنه -:”كانت بنو إسرائيل في اليوم تقتل ثلاثمائة نبي، ثم يقيمون سوق بَقلِهم في آخر النهار”، وكان من هؤلاء الأنبياء زكرياء الذي نشروه بالمنشار، وولده يحيى -عليهما السلام-، مع إرادتهم قتل المسيح عيسى بن مريم، ومحاولتهم قتل نبينا -صلى الله عليه وسلم- أكثر من مرة. قال تعالى: “أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ”. وقد صح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: “أشد الناس عذابا يوم القيامة، رجل قَتل نبيا، أو قتله نبي” صحيح الجامع.
هذا موقفهم من الأنبياء الذين جاؤوا لهدايتهم، وحب الخير لهم، فكيف بالمسلمين الذين يعتبرونهم حيوانات خلقت من أجلهم، وأن قتلهم قربى يتقربون بها إلى الله، حتى قال تلمودهم المكذوب: “إذا قتلتَ غير يهودي، اِحلف أنك ما قتلت إنساناً، لأنك قتلت خنزيراً”. ويقول: “من يريق دماً لغير يهودي، كان قد قدم أسمى القرابين إلى الله”.
وهذا كله من فسادهم وعلوهم المذكورين في قوله تعالى: “وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا”. قيل: أحد العُلُوَّيْنِ كان في عهد الرسول -صلى الله عليه وسلم-، حين نقضوا العهود، ونصبوا العداوة للمسلمين، فقاتلهم النبي -صلى الله عليه وسلم- وأجلاهم. والثاني ما يمارسونه اليوم من فساد في الأرض، وإحراق لبيوت الله، وتنكيل بالمسلمين، وسيبعث الله عليهم من ينتقم منهم، “فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا”.
وهذا ما يفسر سلسلة الحروب والاعتداءات ضد الفلسطينيين، من أشهرها قمع انتفاضة 1987م، التي أسفرت عن سقوط ألف فلسطيني، ونحو 90 ألف جريح، و15 ألف معتقل، فضلاً عن تدمير ونسف 1228 منزلاً، وتدمير الحقول، واقتلاع الأشجار. وكذلك قمع انتفاضة 2000م، التي قتل فيها أكثر من 4500 فلسطيني، واعتقل قرابة 9000 أسير. وحربِ غزة سنة 2014م، التي قتل فيها أزيد من 2200 فلسطيني، 81% منهم من المدنيين، منهم 530 طفلا، وأزيد من 300 امرأة، بالإضافة إلى قرابة أحد عشر ألف جريح، منهم أكثر من 300 3 طفل، ثلثهم سيعانون من إعاقة دائمة.
قتلوا ظلما بـنـــاتٍ***قتلوا حتى البنيـــنا
قتلوا الأحرار فتكا***قتلوا حتى الجنيــنا
مما ما جاء في بروتوكولات حكمائهم قولهم: “حينما نُمكِّن لأنفسنا، فنكون سادة الأرض، لن نبيح قيام أي دين غير ديننا.. ولهذا السبب، يجب علينا أن نحطم كل عقائد الإيمان”.
ويقول أحد كبرائهم: “إن كل الأديان -ما عدا الدينَ العبراني- هي ديانات مخادعة، ومعيبة، ومُهينة للقيم الإنسانية، ومذلة للرب نفسه”.
ولقد فطن إلى مكرهم وفسادهم بعض حكماء الغربيين أنفسهم، فحذروا العالم من خبثهم وطيشهم.
يقول أحدهم: “أيُّها السادة، في كلِّ أرضٍ حلَّ بها اليهود أطاحوا بالمستوى الخُلُقي، وأفسدوا الذمَّة التجاريَّة فيها، ولم يزالوا منعزلين لا يندمِجون بغيرهم”.
ويقول آخر: “منذ أيَّام موسى واليهود ظالِمون أو متآمِرون، كل مواهب اليهود مركَّزة في أعمال النَّهب، لهم عقيدة تُبارك سرقاتِهم وأفعالَهم السيئة”.
وفعلا، فهذا تلمودهم يقول: “اِحلف عشرين يميناً كاذباً، لتوصِل فلساً واحداً ليهودي”.
فهل تعي القلوب الحية خطورة اليهود، وأنهم لا عهد لهم، وأن ديدنهم الظلم والاعتداء، وهجيراهم التخريب والإفساد؟
يا أمـة الحـق إن الجرح متسعٌ***فهل ترى من نزيف الجرح نعتبرُ؟
مـاذا سـوى عـودةٍ لله صادقـــةٍ***عسى تُغيَّرُ هـذي الحالُ والصورُ؟
بارك الله فيك أستاذنا الكريم..