الدكتور العثماني يكتب: اضطرابات القلق من معضلات الصحة العمومية
هوية بريس- الدكتور سعد الدين العثماني
[email protected]
اضطرابات القلق هي مجموعة من الاضطرابات النفسية التي يشكل القلق عرضها الأساس. وأهم أنواعها: الرهاب الاجتماعي، والرهاب البسيط أو المحدد وأنواعه كثيرة تعد بالعشرات، والاضطراب الوسواسي القهري، واضطراب الهلع، واضطراب القلق المعمم، وقلق ما بعد الصدمة، واضطراب التكيف وغيرها.
وهناك توجه يبرز أكثر فأكثر مع مرور الوقت لدى المتخصصين، يعتبر أن اضطرابات القلق أضحت اليوم من أكبر معضلات الصحة العمومية ومشاكلها. والسبب في ذلك هو التطور السريع والمتزايد لتأثير تلك الاضطرابات على العديد من المستويات، ويظهر ذلك أساسا في النقاط التالية:
1 ـ تتضافر الإحصائيات على أن القلق واضطراباته هي الأكثر انتشارا من بين الاضطرابات النفسية، وخصوصا بين الشباب. وهي تؤكد على أن نسبتها تتجاوز على العموم 15 بالمئة من مجموع المواطنين. وبعضها يوصلها إلى نسبة عشرين بالمئة. وهذا يتجاوز الاضطرابات والأمراض النفسية الأخرى. فإذن لو أخذنا بعين الاعتبار الناحية الكمية وحدها لكانت كافية لإعطاء مكانة خاصة لاضطرابات القلق.
2 ـ تتغير مظاهر اضطرابات القلق بشكل كبير أحيانا، وبشكل أقل في أحايين أخرى. كما قد يكون الاضطراب مؤقتا أو مستمرا، دون أن تظهر أسباب واضحة لأي من الحالتين. ومن هنا فإن الاهتمام بتشخيص تلك الاضطرابات وعرضها على المتخصص النفسي أمر مهم، وإلا ازداد الجهل بها وإهمال علاجها.
3 ـ اضطرابات القلق قابلة في الغالب للعلاج أو للتخفيف أو للتحسن، بوسائل معقولة وغير مكلفة على العموم، مما يمكن المصابين به من تحسين جودة حياتهم والإسهام بشكل أفضل في مجتمعاتهم. وقد تطورت أساليب العلاج تلك بشكل مذهل في العقود الأخيرة، ولا تزال في تطور مستمر. وبالتالي فإن الاهتمام بها ذو فائدة كبيرة في الواقع، وله تأثيرات إيجابية على الفرد والمجتمع.
4 ـ الكثير من الناس ليس لديهم الوعي بحقيقة اضطرابات القلق، وبالتطورات المذهلة التي تمت في فهمها وتصنيفها، وبإمكانيات علاجها، بل وبسهولة علاج كثير منها. ولذلك فهم لا يطلبون المساعدة الطبية.
5 ـ الكثير من المصابين باضطرابات القلق يظنون أنهم مصابون باضطرابات أو أعراض أو أمراض عضوية، فهم يمضون أوقاتهم في استشارة أطباء عامين أو أطباء من تخصصات أخرى، مثل المتخصصين في أمراض الجهاز الهضمي وأمراض القلب والشرايين. وأحيانا يتأخرون سنوات طوال قبل أن يرشدوا للتوجه إلى عيادة نفسية. كما أن القلق لا تعطى له الأهمية التي يستحقها، بل إن كثيرا من حالاته لا يتم الانتباه إليها، ولا يتم تشخيصها، ولا تتم معالجتها، على الرغم من تأثيراته السلبية بعيدة المدى على الأداء الشخصي والأسري والاجتماعي للشخص المصاب.
6 ـ اضطرابات القلق التي لا تعالج في الوقت المناسب وبالطريقة المناسبة تتعقد كثيرا بالعديد من الأمراض النفسية والعضوية. فالقلق عادة ما يستنفد الطاقة النفسية للمصاب ويسبب لديه الاكتئاب واضطراب الكثير من وظائف الجسم. وهذا مكلف للفرد وللمجتمع.
لكل هذه الأسباب فإن القلق واضطراباته يشكلان معضلة من معضلات الصحة العمومية، لكن الكثيرين من المكلفين بالصحة العمومية وبالصحة النفسية يهتمون أكثر بالاضطرابات النفسية المسماة ذهانية مثل مرض الفصام وغيره. وهي الأمراض التي يصفها البعض بالخطيرة والمزمنة. والسبب في ذلك أنها أمراض مؤثرة اجتماعيا أكثر من القلق واضطراباته. أما القلق فإن المصابين به يتألمون في الغالب وحدهم. وعلى الرغم من أنهم لا يزعجون المجتمع، لكنهم يؤثرون كثيرا في إنتاجيته وفاعليته. فهم الأكثر من حيث شهادات التوقف عن العمل ومن حيث تراجع الإنتاجية.
إنه لم يعد من الممكن تجاهل ضرورة اعتبار القلق واضطراباته من أولويات الصحة العمومية، وعلى الجميع أن يتجند لتلبية الحاجات المستعجلة في مجالات التوعية والتحسيس والدعم والتشخيص والعلاج، وأن يعمل على أن يتم كل هذا في بداية الحالات، وليس بعد تعقدها وارتفاع تأثيراتها السلبية على الصحة العامة. يضاف إلى ذلك ضرورة بلورة استراتيجيات وقائية فاعلة فإن درهم وقاية خير من قنطار علاج.