إيران والسّعودية من حروب الكرتون إلى سلام صُنع في الصين!
هوية بريس – عادل بن حمزة
سنة 2016 نشرت قوات الحرس الثوري الإيراني شريط فيديو من 5 دقائق يحمل عنوان “حرب الخليج الثانية”.
يبدأ الشريط بتسجيل صوتي يتضمن خطبة بالفارسية فيها بعض الكلمات بالعربية للمرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، وفي الخلفية تظهر صورة بانورامية للعاصمة السعودية الرياض مع صورتين كبيرتين للملك سلمان وولي عهده الأمير محمد. وسائل إعلام تابعت إصدار ذلك الشريط، أكدت أن كلمة خامنئي تضمنت هجوماً على من وصفهم بأعداء الثورة.
الشريط يكشف سيناريو هجوم عسكري إيراني بالصواريخ البالستية على مناطق حساسة وحيوية في السعودية، منها قاعدة الملك خالد الجوية، إضافة إلى تدمير الدفاعات الجوية السعودية، بخاصة بطاريات باتريوت مع قصف عنيف للرياض. عرف الشريط انتشاراً واسعاً على مواقع التواصل الاجتماعي وكذلك على صفحات وسائل الإعلام الإيرانية.
السعودية انتظرت سنة كاملة لترد منتصف كانون الأول (ديسمبر) 2017 على الشريط الإيراني، وذلك بشريط آخر من المدة نفسها، أي 5 دقائق تظهر فيه القوات المسلحة السعودية وهي تقوم بتدمير الجيش الإيراني بقواته البرية والجوية والبحرية والمحطة النووية بوشهر، إضافة إلى عدد من القواعد العسكرية الموزعة على كامل التراب الإيراني، هذه العملية العسكرية، وكما يُظهر الشريط، تتم بتوجيه وإدارة من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان شخصياً، ينتهي الشريط بلقطة ذات دلالات عميقة، وذلك عند اعتقال القوات السعودية الخاصة، قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني الجنرال قاسم سليماني الذي قتل فعلياً بعد ذلك في غارة أميركية قرب مطار بغداد…
الشريط ظهر على صفحة “قوة الردع السعودي” على “تويتر”، وهي صفحة تتابع مستجدات القوات المسلحة السعودية، وعن الصفحة نقله عدد من الصحف السعودية والمواقع الإلكترونية العربية والدولية، وكان فرصة لاستعراض القوات التي تملكها السعودية في مواجهة التحدي الإيراني في المنطقة، هكذا تضمن الشريط استعمال القوات المسلحة السعودية لمنظومة الصواريخ الاستراتيجية “رياح الشرق”، ودبابات أبرامز والمقاتلات العسكرية من طراز “التورنيدو” و”ف 15″ و”التايفون” و”الأواكس”، والقوات البحرية العالية الكفاءة، والدفاعات الجوية المتمثلة ببطاريات “الباتريوت”.
حرب الكرتون تلك، كان يُنظر إليها بوصفها مقدمات لدفع منطقة الخليج إلى الدخول في حرب إقليمية ضخمة بين كل من إيران والسعودية، ومعها الإمارات العربية المتحدة والبحرين، إذ إن درجة العداء كانت قد تضاعفت، بخاصة في ظل وجود ترامب في البيت الأبيض، لكن القناعة التي كانت سائدة لدى كثير من المحللين والمتابعين، كانت تخلص إلى أن مواجهة بين الرياض وطهران لن ينتصر فيها أي طرف، بل إن الجميع سيخرجون خاسرين من تلك الحرب التي ستظهر الثمن الذي سيدفعه العرب والفرس، نتيجة غياب نظام إقليمي واضح، يراعي مصالح الجميع من دون الانجرار إلى الحرب والسقوط في حسابات الآخرين الجيوستراتيجية.
إيران منذ إسقاط نظام الشاه، وهي تنتج خطاب التخويف من استهداف الثورة، فعل ذلك آيات الله مع الماركسيين والليبراليين وأنصار الشاه، وهو منهج التزمت به القيادة الإيرانية وظلت تعتقد بجدواه، لذلك ظلت فكرة الثورة بدل الدولة، أصلاً تجارياً للنظام الذي انشغل طويلاً بفكرة نشر الثورة والرهان على الأقليات الشيعية أينما وُجدت، هكذا أضاع نظام آيات الله أكثر من أربعة عقود على الشعب الإيراني الذي انتفض في السنوات الأخيرة برغبة في إسقاط النظام الذي أصبح عصياً على أي إصلاح، ففي الوقت الذي كان البلد بحاجة إلى استثمار عائدات النفط والغاز، استثماراً أمثل، بخاصة بعد رفع العقوبات عنها عقب الاتفاق النووي في صيغته الأولى، سعى النظام في طهران، على العكس من ذلك، إلى إذكاء نار الصراعات في المنطقة من اليمن إلى الصحراء المغربية مروراً بالعراق ولبنان.
ومن جهتها، تمكنت السعودية من التوظيف الناجح لسياسة الجزرة وتحقيق السلم الداخلي بعد الربيع العربي، لكنها في ظل تراجع أسعار النفط والاحتياطات، أضحت ملزمة بالبحث عن بديل لما بعد حقبة النفط، يتزامن ذلك مع تحولات جذرية في طبيعة النظام السياسي يقودها عملياً ولي العهد محمد بن سلمان الذي، رغم الانتقادات التي وجهت إليه في البداية، يقود بلاده وفق رؤية جديدة كلياً على البيئة السعودية المحافظة، هذه التحولات والمشاريع، لا يمكن أن تتحق في ظل أجواء الحرب والتهديدات المتكررة بها، بخاصة مع خصم من حجم إيران، علماً أن كثيراً من الأطراف الدولية، بخاصة واشنطن وتل أبيب، لا ترى مانعاً في اندلاع مواجهة بين الإيرانيين والسعوديين، أو على الأقل استمرار منطق القطيعة والمواجهة، وهو منطق لا يهم فقط السعودية وإيران، بل يشمل كل دول المنطقة، بحيث تصبح المواجهة والقطيعة بينها هو ما يخدم المصالح الاستراتيجية الإسرائيلية والأميركية، لذلك ليس من باب الصدفة أن يُنقل عن رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق مناحيم بيغن تصريح يعلق فيه على اندلاع الحرب الإيرانية العراقية سنة 1980 قال فيه: نتمنى من الحظ أوفره للطرفين في هذه الحرب…
كتبت في نيسان (أبريل) 2016 أن “التحولات التي تعرفها السعودية منذ تولي الملك سلمان الحكم، تؤشر إلى تغيير جوهري في السياسة الخارجية السعودية، بخاصة في بناء الندية في العلاقة مع الولايات المتحدة الأميركية، وفي عدم الارتهان للإدارة الأميركية مستقبلاً، سواء تعلق الأمر بالسياسة أم بالاقتصاد أم بالحرب…”، الندية التي أظهرتها السعودية تجلت بصورة واضحة عندما أعلنت رفض زيادة إنتاج النفط لخفض الأسعار، رغم أن الرئيس الأميركي قام بزيارة خاصة للسعودية وطلب بوضوح خفض الإنتاج في لحظة كان يواجه فيها هو وحزبه ضغوطاً كبيرة بمناسبة التجديد النصفي، لكن الأمير محمد بن سلمان كان واضحاً أنه مستوعب جيد لحجم التحولات التي يعرفها العالم، وفي صلبها عدم ثبات السياسة الخارجية للولايات المتحدة، بخاصة بعد ما عرف بعقيدة أوباما التي تميزت بنظرة سلبية إلى الأنظمة الحاكمة في المنطقة في مقابل التقرب من طهران، وبعد مرحلة ترامب التي تميزت بكثير من الابتزاز لدول المنطقة في مقابل توقيف العمل بالاتفاق النووي مع إيران، معنى ذلك أن دول المنطقة كانت بحاجة إلى أن تفكر خارج الصندوق وأن تبحث عن مصالحها الوطنية والقومية بعيداً من وصاية أي طرف.
الاتفاق السعودي الإيراني برعاية صينية يوحي بكثير من الفرضيات التي قد تسعف في بناء فكرة واضحة حول ما يجري، لكن الأكيد هو أن حجم الخلافات بين طهران والرياض عميق جداً، بحيث يصبح من الصعب الجزم بأن الاتفاق الحالي كفيل وحده، بهدم إرث من العداء والمواجهة في مواقع مختلفة، سواء بصفة مباشرة أم بصفة غير مباشرة من خلال مس إيران بوحدة دول صديقة وشقيقة للمملكة العربية السعودية، إذ إن عدم النجاح على تلك الواجهات قد يجعل الاتفاق بلا قيمة، لأنه بذلك ينفي عن السعودية صفة القوة الإقليمية ويجعل منها مجرد لاعب محلي… فهل تكون الصيغة التي تضمنها الاتفاق والتي جاء فيها عدم المس بأمن الدول ووحدتها بصورة عامة وليس فقط أمن طرفي الاتفاق ووحدتهما، هو أحد أبعاد الدور الإقليمي للسعودية؟ أم أن الأيام المقبلة ستكشف مدى التزام عملاء إيران في كل من لبنان واليمن والجزائر والعراق وسوريا بالتزامات طهران في ظل عزلة دولية استمرت لسنوات طويلة؟