“تسديد خطة التبليغ”.. هذا موضوع “الخطبة الموحدة” لغد الجمعة
هوية بريس – متابعة
خصص المجلس العلمي الأعلى “خطبة موحدة” في موضوع “الحضّ على دفع الزَّكاة لمستحقِّيها والتَّحذير من تأخيرها أو منعها“، ليوم الجمعة 26 جمادى الأولى 1446هـ، الموافق لـ: 29 نوفمبر 2024م.
“الخطبة الأولى
الحمد لله الكريم المنَّان، الجواد بجلائل النِّعم وكرائم الإحسان، نحمده تعالى على أن هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، تفرَّد عن الخلق بوصف الغنى، وخصَّ بعض عباده بالحسنى، فأفاض عليهم من نعمه ما يسَّر به عليهم وأغنى، ثم جعل الزَّكاة للدِّين أساساً ومبنى، ونشهد أنَّ سيِّدنا محمداً عبد الله ورسوله، المصطفى سيِّد الورى، وشمس الهدى، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه المشهود لهم بالعلم والتُّقى، أرسله ربُّنا بين يدي السَّاعة بالهُدى ودين الحقِّ ليظهره على الدِّين كلِّه، فصلوات ربِّي وتسليماته عليه تتوالى، وعلى آله الكرام نَسَباً ونِسْبَةً، وعلى أصحابه المتفانين في الاقتداء به طاعةً وحسبةً، وعلى التَّابعين لهم بإحسان في كلِّ مكان وحقبة.
أمَّا بعد، أيُّها الإخوة المؤمنون، سبق الحديث في إطار “خطة تسديد التَّبليغ” عن الزَّكاة ودورها في تزكية الأنفس من الشُّح والبُخل، وتزكية الأموال من حقوق الفقراء والمساكين التي أوجبها الله تعالى على الأغنياء في أموالهم تضامناً مع إخوانهم الفقراء، فاستحقوا بأدائهم لهذه الطَّاعة حسن الجزاء، والوقاية من النَّار مصداقاً لقول الله تعالى:
وَالذِينَ فِےٓ أَمْوَٰلِهِمْ حَقّٞ مَّعْلُومٞ (24) لِّلسَّآئِلِ وَالْمَحْرُومِۖ (25) [1]
وليست الزَّكاة بديلاً عن الضَّريبة كما العكس، فالضَّريبة حقٌّ للدَّولة تدبِّر به الشَّأن العام للمواطنين، حيث يؤدِّيها أصحاب الأرباح المختلفة، وفاءً لما التزموا به اتِّجاهها، وعملاً بقول النَّبي ﷺ:
“المسلمون عند شروطهم“[2].
فدولة المؤسَّسات يكونُ بينها وبين مواطنيها حقوق وواجبات متبادلة، إذ يجب القيام بالواجبات لتكون الحُقوق مستحقَّة بعد ذلك، فالضَّريبة واجبٌ من واجبات كلِّ مواطن ومواطنة، والأموال المتحصّلة منها تعدُّ من موارد الدَّولة التي تُسَيِّر بها شؤونها في مجال التَّنمية، وحفظ الثُّغور، ورعاية الشَّأن العام، وإصلاح أمر النَّاس في معاشهم وصحتهم، وحفظ أمنهم، وغير هذا من المصالح العامَّة التي تقوم بها الدَّولة لصالح أفراد المجتمع.
أمَّا الزَّكاة: فهي حقُّ الله تعالى في مال الأغنياء، حدَّد القرآن الكريم مستحقِّيها، وجعلها من أهم وسائل التَّضامن، والحدِّ من آثار الفقر والحاجة في المجتمع، فمن ثم كان اهتمام العلماء بالحثِّ عليها، وبيان أحكامها، والحِكمة منها عبر تاريخ هذه الأمَّة، لما لها من أثر في تزكية نفس المزكِّي، و في نشر الخير والمحبَّة بين أفراد المجتمع، وغيرها من الأدوار الاجتماعية العظمى متمثلين توجيه رسول الله ﷺ لسيِّدنا معاذ رضي الله عنه، حين بعثه النَّبي ﷺ إلى اليمن وقال له:
«إنَّك ستأتي قوماً أهل كتاب، فإذا جئتهم، فادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأنَّ محمداً رسول الله، فإن هم أطاعوا لك بذلك، فأخبرهم أنَّ الله قد فرض عليهم خمس صلوات في كلِّ يوم وليلة، فإن هم أطاعوا لك بذلك، فأخبرهم أنَّ الله قد فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم، فإن هم أطاعوا لك بذلك، فإيَّاك وكرائم أموالهم، واتَّق دعوة المظلوم، فإنَّه ليس بينه وبين الله حجاب»[3].