بنكيران: “توحيد الله”… ليس بالحضرة والرقص

هوية بريس – د.رشيد بن كيران

يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إنما بُعِثتُ لأتمم صالح الأخلاق». وهذه الكلمة الجامعة تظهر أن الرسالة المحمدية إنما جاءت لترتقي بالإنسان في جميع دوائر حياته، فتربط بين العقيدة والعبادة والسلوك، وتبني منظومة متكاملة من القيم. وصالح الأخلاق تتجلى في أسمى صورها ضمن ثلاث علاقات كبرى:

أولا: الخلق مع الله جل جلاله

وهو الأساس الذي تبنى عليه الأخلاق كلها، إذ يتمثل في توحيد الله عز وجل ربا وخالقا ورازقا، وإلها معبودا لا شريك له، ومشرِّعا وحاكما لا حكم إلا حكمه، كما قال تعالى: ﴿إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ﴾. فالإيمان الحق يثمر خضوعا كاملا لله، واستسلاما مطلقا لأمره، فلا تتعلق القلوب إلا به، ولا تلتمس الهداية إلا من وحيه، فلا رهبانية ولا علمانية في دينه.

ثانيا: الخلق مع الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم

وهو ثمرة الإيمان بالله، إذ لا يتصور إيمان صادق بغير محبة النبي صلى الله عليه وسلم محبة شرعية تفوق محبة النفس والمال والأهل، واتباع سنته اتباعا حقيقيا بعيدا عن الابتداع. فجميع الطرق إلى الله مسدودة إلا من طريقه عليه الصلاة والسلام؛ فمن أطاعه دخل الجنة، ومن أعرض عنه فقد اختار النار. قال تعالى: ﴿وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا﴾. وقال عليه الصلاة والسلام: “كُلُّ أُمَّتِي يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ أَبَى”. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَنْ يَأْبَى؟ قَالَ: “مَنْ أَطَاعَنِي دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ أَبَى“.

ثالثا: الخُلق مع الخَلق

وهو الامتداد العملي للإيمان بالله ورسوله، ويظهر في إقامة العدل ونصرة المظلوم وزجر الظالم. فلا يجوز أن نخذل المظلوم أو نتخلى عنه، كما لا يجوز أن نبرر للظالم أو نطبع معه، بل نعامله بالحق ونقف منه الموقف الذي يليق بمقام العدل الذي أمر الله به: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ﴾.

وبذلك يكتمل البناء الأخلاقي في الإسلام: توحيد لرب العباد يبطل كل صور الشرك؛ شرك العبادة عند القبور، وشرك التشريع في القصور، وشرك الإحداث والابتداع في الدين. واتباع للرسول صلى الله عليه وسلم تتحقق به غاية التزكية وكمالها. وعدل مع الخلق يصلح به ما بين الناس من المعاملات والحقوق. فالأخلاق في الإسلام ليست سلوكا فرديا عابرا، بل هي ثمرة التوحيد، وعنوان الاتباع، وتجسيد العدل في واقع الحياة، ولهذا كانت المقصد الأعظم من البعثة المحمدية الخاتمة.