القاضي الجباري يكشف اختلالات تطبيق بعض العقوبات البديلة في المغرب

هوية بريس-عبد الصمد ايشن

قال عبد الرزاق الجباري، الرئيس السابق لنادي قضاة المغرب، إن السياسة الجنائية بالمملكة عرفت خلال السنوات الأخيرة تحولات لافتة، خاصة بعد صدور قانون العقوبات البديلة، الذي شكل انتقالاً من منطق زجري تقليدي إلى تصور حديث يقوم على إعادة التأهيل والإدماج بدل الاقتصار على العقوبة السالبة للحرية.

وأوضح الجباري، في مداخلة له بندوة علمية، أن مقاربته لهذا القانون لم تكن تقنية محضة، بل انطلقت من تقييمه في ضوء مبادئ السياسة الجنائية المعاصرة، مشيراً إلى أن الهدف لم يكن الخوض في الإشكالات التطبيقية التي ما تزال في طور التشكل، وإنما مساءلة الفلسفة العامة التي تحكم هذا النص التشريعي الجديد.

وأكد المتحدث أن السياسة الجنائية، باعتبارها مفهوماً قانونياً وفلسفياً واجتماعياً، تستند إلى معايير دولية واضحة، في مقدمتها احترام الحق في الحرية، مبرزاً أن الأصل في الأفعال هو الإباحة، وأن التجريم والعقاب يشكلان استثناءً ينبغي أن يُضبط بضوابط دقيقة، وعلى رأسها تفسير الشك لفائدة الحرية، سواء على مستوى التشريع أو التطبيق القضائي.

وفي هذا السياق، اعتبر الجباري أن قانون العقوبات البديلة سعى، من حيث المبدأ، إلى ترجيح كفة الحرية على العقوبات السالبة لها، انسجاماً مع الغاية المعلنة المتمثلة في إعادة إدماج المحكوم عليهم داخل المجتمع، غير أنه أشار في المقابل إلى وجود إشكالات حقيقية مرتبطة بمبدأ المساواة، خصوصاً في ما يتعلق بتطبيق بعض العقوبات البديلة، وعلى رأسها الغرامة اليومية، التي قد تفرز تفاوتاً فعلياً بين المتقاضين تبعاً لوضعهم الاجتماعي والاقتصادي.

وأضاف أن مبدأ التناسب بين الجريمة والعقوبة يظل من الركائز الأساسية للسياسة الجنائية المعاصرة، غير أن توسيع نطاق الجرائم المشمولة بالعقوبات البديلة، بما فيها أفعال تتسم بخطورة بالغة، يطرح تساؤلات جدية حول مدى احترام هذا المبدأ، وحول قدرة هذه العقوبات على تحقيق الردع وإعادة الإدماج في آن واحد.

وفي ختام مداخلته، شدد عبد الرزاق الجباري على أن القضاء، رغم استقلاليته، يظل ملزماً بتطبيق السياسة الجنائية التشريعية، مع مراعاة مبادئ العدالة والإنصاف، مؤكداً أن حسن تفعيل قانون العقوبات البديلة رهين بتحقيق توازن دقيق بين سلطة القاضي التقديرية وضمان المساواة، بما يحفظ ثقة المواطنين في العدالة ويصون حقوقهم الأساسية.