الإسلام لم يشرع العنف ضد المرأة

11 مارس 2016 16:34
العدالة والتنمية في مواجهة العاصفة (شروط النصر السبعة)

أحمد الشقيري الديني

هوية بريس – الجمعة 11 مارس 2016

الإسلام جاء بثورة على الظلم الذي كان منتشرا في الأرض، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ ضَرَبَ سَوْطاً ظُلْماً اقتُصَّ مِنْهُ يَوْمَ القِيَامَة).

 ومنه الظلم الواقع على المرأة في تلك المجتمعات البدوية التي لم تكن تقيم وزنا للمرأة، فكانت تضرب كما تضرب البهيمة، ولازالت إلى يومنا هذا تعاني من العنف الممارس عليها من زوجها أو شقيقها، وأحيانا من أبنائها، وغالبه يقع بسبب السكر أو تعاطي المخدرات، وبعضه يقع بسبب الفهم الخاطئ لمشروعية تأديب الزوج زوجته الناشز المشار إليه في قوله تعالى: (واللائي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن، فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا).

يقول الشيخ رشيد رضا: (هذا وإن أكثر الفقهاء الذين قد خصوا النشوز الشرعي الذي يبيح الضرب إن احتيج إليه لإزالته بخصال قليلة، كعصيان الرجل في الفراش، والخروج من الدار بدون عذر، وجعل بعضهم تركها الزينة وهو يطلبها نشوزا، وقالوا: له أن يضربها أيضا على ترك الفرائض الدينية كالغسل والصلاة، والظاهر أن النشوز أعم فيشمل كل عصيان سببه الترفع والإباء، ويفيد هذا قوله: فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا، قال الأستاذ الإمام -يعني شيخه محمد عبده-: أي: إن أطعنكم بواحدة من هذه الخصال التأديبية (المذكورة في الآية، وهي الوعظ أولا ثم الهجر) فلا تبغوا بتجاوزها إلى غيره، فابدؤوا بما بدأ الله به من الوعظ، فإن لم يفد فليهجر، فإن لم يفد فليضرب، فإذا لم يفد هذا أيضا يلجأ إلى التحكيم، ويفهم من هذا أن القانتات لا سبيل عليهن حتى في الوعظ والنصح، فضلا عن الهجر والضرب..).

والذين أباحوا تأديب الزوجة اشترطوا ألا يكون مبرحا، قال ابن عباس يكون بالسواك مثلا،.. نحن اليوم إزاء العنف الجاهلي الذي يكسر عظام المرأة ويشوه وجهها، والإحصائيات تدل على تنامي هذه الظاهرة المقيتة في مجتمعنا، وعليه من واجب الدولة أن تمنع كل أنواع العنف بين الزوجين، فمن القواعد المعروفة لدى الفقهاء أن للحاكم أن يقيد المباح أو يمنعه للمصلحة الراجحة أو بسبب المفاسد المترتبة عليه.

وهذه من الاجتهادات القديمة في تراثنا، قال الطاهر بن عاشور في (التحرير والتنوير: 5/43-44): وأمّا الضرب فهو خطير وتحديده عسير، بيد أنّ الجمهور قيّدوا ذلك بالسلامة من الإضرار، وبصدوره ممّن لا يعدّ الضرب بينهم إهانة وإضرارًا، فنقول: يجوز لولاة الأمور إذا علموا أنّ الأزواج لا يحسنون وضع العقوبات الشرعية مواضعَها، ولا الوقوفَ عند حدودها أن يضربوا على أيديهم استعمال هذه العقوبة، ويعلنوا لهم أنّ من ضرب امرأته عوقب، كيلا يتفاقم أمر الإضرار بين الأزواج، لا سيما عند ضعف الوازع .

ثم قال -رحمه الله-: وهذا هو المعنى الذي من أجله صرح جماعة من الفقهاء بمنع الضرب، كما قاله التابعي الجليل المفسر عطاء بن أبي رباح -فيما نقله عنه القاضي ابن العربي المالكي في (أحكام القرآن: 1/536، ط. دار الكتب العلمية)؛ حيث قال: لا يضربها وإن أمرها ونهاها فلم تطعه، ولكن يغضب عليها، وتأولوا الآية على معنى إظهار عدم الرضا، ووافقه على ذلك جمع من العلماء..

ولهذا نحن نستغرب ما ذكره أحمد عصيد في مقاله الأخير تحت عنوان: (هل العنف ضد المرأة من تعاليم الإسلام؟)؛ ومما جاء فيه:

“لنا الحق جميعا أن نتساءل عن الأسباب التي تجعل التيار الإسلامي المحافظ يعمل في جميع البلدان الإسلامية على عرقلة أي قانون يصدر لتجريم العنف ضد النساء، فسواء في الجزائر أو في باكستان أو في بلدان الخريطة الممتدة من شمال إفريقيا إلى بلدان الخليج، يكاد يعتبر ضرب الرجل للمرأة “حقا مكتسبا” بل و”واجبا” حسب بعض الآراء من التيار المحافظ، الذي جعل من مهامه عرقلة القوانين التي تلزم الرجال باحترام أكبر للنساء باعتبارهن مواطنات كاملات العضوية في المجتمع..”..

ربما يجهل الأستاذ عصيد، أو يتجاهل أن المرأة كانت تحتج على العنف الممارس عليها من الزوج منذ العصر الأول، وذلك بمجرد إدراكها لمعنى تكريم الإسلام لها باعتبارها إنسانا مسؤولا وكامل الأهلية، كما قررته الآية: (ولقد كرمنا بني آدم..)، ولهذه الغاية أسوق للقارئ نموذجين لهذا الاحتجاج النسائي منذ الصدر الأول:

النموذج الأول: عَنْ إِيَاسِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي ذُبَابٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا تَضْرِبُوا إِمَاءَ اللَّهِ)، فَجَاءَ عُمَرُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ ذَئِرْنَ النِّسَاءُ عَلَى أَزْوَاجِهِنَّ (ذئِرنَ: أي: نشزْن وساءت أخلاقهن).. فَرَخَّصَ فِي ضَرْبِهِنَّ، فَأَطَافَ بِآلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِسَاءٌ كَثِيرٌ يَشْكُونَ أَزْوَاجَهُنَّ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَقَدْ طَافَ بِآلِ مُحَمَّدٍ نِسَاءٌ كَثِيرٌ يَشْكُونَ أَزْوَاجَهُنَّ، لَيْسَ أُولَئِكَ بِخِيَارِكُمْ). رواه أبو داود (2146)، وصححه الألباني في “صحيح أبي داود”.

واضح من هذه الحادثة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعالج نفوسا لم تتخلص بعد من آثار الجاهلية التي كانت تعتبر تأديب المرأة بالضرب وغيره أمرا عاديا، وهي الجاهلية التي لازالت تغطي النفوس الكثيفة التي لا ترى نعومة هذا المخلوق اللطيف الذي وصفه سيد الناس بـ”القوارير”.. وهذا حاصل حتى في الدول المتقدمة التي سنت قوانين تجرم العنف ضد النساء.

النموذج الثاني لهذا الاحتجاج النسوي ضد الضرب:

ذكر الحافظ ابن حجر رحمه الله قصتها في الإصابة، في ترجمته لعاتكة بنت زيد رضي الله عنها، وعبارته كما في الإصابة: وذكر أبو عمر (يعني حافظ المغرب الإمام ابن عبد البر) في «التّمهيد»: أنّ عمر بن الخطاب لما خطبها -يعني عاتكة- شرطت عليه ألّا يضربها، ولا يمنعها من الحقّ، ولا من الصّلاة في المسجد النبويّ، ثم شرطت ذلك على الزّبير (تزوجها بعد وفاة سيدنا عمر، وكانت تخرج لصلاة الفجر والعشاء، وكانت امرأة حسناء، وكان الزبير بن العوام شديد الغيرة، لكنه لا يستطيع منعها من حقها في الخروج للمسجد بسب النهي النبوي) فتحيّل عليها أن كمن لها في زاوية مظلمة لما خرجت إلى صلاة العشاء، فلما مرّت به ضرب على عجيزتها (مؤخرتها) فلما رجعت قالت: إنا للَّه! فسد النّاس! فلم تخرج بعد.

واضح من هذه الحادثة أن سيدنا عمر رضي الله عنه، وهو أمير المومنين، قبل بشرط عاتكة ألا يضربها، ولو علم أنها تحرم حلالا أو تحل حراما ما قبل ذلك منها.

نحن، وإن كنا نؤيد القانون الذي يجرم تعنيف المرأة وتعذيبها وإرهابها، لا نرى علاجا لهذه الآفة إلا بقطع دابر أسبابها، وهو انتشار الخمر والمخدرات، أما الفهم الصحيح للدين فهو من أهم عوامل احترام المرأة وتكريمها.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M