التلسكوب جيمس بين صور “الكون السحيق” وصور “الإنسان المسحوق”

13 يوليو 2022 15:47

هوية بريس – إبراهيم الطالب

من أكبر علامات الجهل والتخلف المستشري بين المسلمين حصول السباب بينهم بخصوص مكتشفات الغرب للكون، فكلما ظهر جديد في العلم التجريبي إلا واشتعلت وسائل التواصل بين الشباب بالسباب والتحقير والتنابز بعبارات القدح والاستنقاص، وكأن أحد الطرفين هو من قام بالمنجزات.
كما يحلو لبعضهم أن يركب منطاده ويتعالى على المسلمين في جو السماء مفتخرا بمنجزات العلم الحديث ناسيا أو جاهلا أن وكالة الناسا نفسها تضم علماء مسلمين يفتخرون بإسلامهم وهم جزء من التقدم التكنلوجي الغربي.
فماذا استفاد المسلمون من هذا الجدل النكد العقيم؟!
ما ينبغي أن نفهمه جميعا ويكون محط دراسة وتباحث، هو لماذا لا تستطيع دولنا أن تحصّل التقدم التكنولوجي؟؟
والجواب يسير: لأنها لا تزال تعيش في الفساد السياسي والتبعية للغرب المستنزف لثروات الأمة، فلا نزال مرتهنين لدى الدول الإمبريالية، تقيدنا روابط خريطة سايس وبيكو، ولا تزال دولنا مجرد مناطق نفوذ في هذا العالم المتصارع حول القيادة، والخلاصة فإننا اليم في المغرب مثلا نتكون من جديد لكن في رحم الأنكولوساكسونية بعد أن خرجنا من رحم الفرانكوفونية وكبرنا في حضنها النتن.
اليوم ننتقل من يد فرنسا إلى يد أمريكا والصهاينة.
صحيح أن دول العالم كلها هكذا وأن الخصومات بين الكبار قد تجعل واقعك كما هو الحال في أوكرانيا اليوم. لكن العجيب أن صراع الكبار في بلداننا يكون توافقيا والخاسر على الدوام هو الشعوب المسلمة التي تعطي من ثرواتها وأرواح أبنائها لتسديد فاتورة حروب الكبار، وهذا ما وقع في ليبيا ومالي وسوريا والعراق قبلها وكذلك الصومال من قبل الجميع.
وما دامت دولنا مستباحة مهددة فلن تكون هناك نهضة ولا تقدم على مستوى العلم التجريبي والتكنولوجيا والمكتشفات الكونية.
فإذا كنا نريد اللحاق بالغرب فيجب علينا الانفكاك من قبضته، والانعتاق من سياسته المالية والنقدية المتحكمة في ثرواتنا واقتصاداتنا.
أما الشباب المنبهر فينبغي أن يكون على وعي بأن المسلمين يعلمون علم اليقين أن خالق الكون أودع فيه من الآيات المعجزة ما لن يستطيع الإنسان الإحاطة به ولو بلغ ما بلغ من التقدم العلمي.
فالخالق خلق وأبدع بعلم وأوجد بقدرته المطلقة، في حين لا يزال البشر منهمكين فقط في اختراع ما يمكّنهم من اكتشاف ما أبدعه بديع السماوات والأرض.
فقديما قال الله سبحانه مخاطبا من يكفر به ويجحد خلقه وتدبيره للكون بقوله: (هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (11)).

ولنتأمل في السياق الذي سبق هذه الآية لنعلم الثمرة التي ينبغي أن نستخلصها من الاكتشافات التجريبية؛ يقول سبحانه قبل قوله “هذا خلق الله”:
(وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (7) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ (8) خَالِدِينَ فِيهَا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (9) خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ (10) هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (11)) سورة لقمان.

فالخالق يستوجب منا عبادته وامتثال أمره واجتناب نهيه، أما اكتشاف الآيات والمخلوقات واختراع المخترعات إنما يكتسب بالعلم والاجتهاد، وهو مشترك إنساني خصوصا في هذا الزمان الذي يوجد فيه المسلمون والنصارى واليهود والوثنيون والعلمانيون في كل المختبرات والمصانع والوكالات ومنها وكالة ناسا.
ولو دُحر الفساد والاستبداد الموالي لأرباب البنوك الدولية والصناديق المهيمنة على اقتصادات الدول لرأيت المسلمين الرواد في كل الميادين، في أوروبا وأمريكا يؤسسون المصانع والوكالات العلمية، ولوجدوا في قوة تاريخهم المجيد في كل العلوم الدينية والفكرية والتجريبية محفزا لقيادة العالَم.

والعجيب المحزن هو أنه رغم وضوح هذا الأمر، إلا أن شباب المسلمين إلا من رحم الله، يغرقون كل مرة في الجدل التائه المقيت، في حين يُفوتون على أنفسهم فرصة الاستفادة من المكتشفات في الإصلاح العقدي وإخراج الناس من التيه المصنوع من طرف أعدائهم عمدا لشل حركتهم الفكرية والإصلاحية.

هذا مع التأكيد على أن إنكار ما وصل إليه العلم هو صنو الانبهار المقيد للفكر والجوارح، وكلاهما ضعف وجهل، فالأول يبقيك جاهلا والثاني يبقيك خاملا.

إن الذي ينبغي أن يشغل شبابنا ليس هو التنابز وتبادل السباب والتعيير، بل عليهم الجد والاجتهاد والنضال وتحمل المسؤولية في كل قطاع يشتغلون فيه، فالنهضة لا تكون إلا شمولية وفي كل القطاعات. أما الجلوس خلف الحواسيب والهواتف وتوزيع عبارات الاستهزاء والاحتقار والأحكام التي تزري بالذات والهوية والتاريخ الجمعي للمسلمين، فهذا سبيل الجهال والبطالين. وهؤلاء هم من يشد جسم الأمة إلى الخلف ويعيق حركتها.
فـ”تلسكوب جيمس”قد كشف صور “الكون السحيق” لكن الجدل حول منجزاته بين المسلمين كشف صور “الإنسان المسحوق”، الإنسان العاجز، المنبهر دوما بالآخر، فعند كلِّ ابتكار أو تقدم تكنولوجي للغرب يقوم المنبهرون بمد تاريخهم وهويتهم ليمارسوا عليهما أبشع صور جلد الذات، فيغرقون في الجهل والتيه.
نحتاج من يدفع الشباب للبحث والعمل والابتكار لا من يرمي قشور الموز في طريقهم.

وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم

آخر اﻷخبار
1 comments

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M