الفقر وانتهاك الكرامة واليأس وقود الانفجار

01 أكتوبر 2018 15:54
الفقر وانتهاك الكرامة واليأس وقود الانفجار

هوية بريس – ذ. إبراهيم الطالب

يبدو أن الشيء الوحيد في المغرب الذي أصبح مجمعا عليه بين كل أطياف المجتمع المغربي مهما اختلفت منازعهم ومشاربهم وتوجهاتهم هو “الإفلاس العام”.

فحيث ما يممت وجهك إلا وترى ما يحبطك، ويجعلك على يقين من أن الخرق اتسع على الراقع، وأن المغرب أصبح على فوهة البركان ينتظر الانفجار.

وهل نحتاج إلى دليل إذا ما أصبح كبار المسؤولين من أعلى الهرم إلى أسفله يصرحون بإفلاس النظام التعليمي، وفشل النموذج التنموي، أضف إلى ذلك معدلات البطالة والجريمة والفقر والرشوة، وفشو الفساد في كل البنيات السياسية والإدارية والقضائية والسلطوية على اختلاف مستوياتها؟؟

فمنازل الدواوير البيضاوية الصفيحية التي يهدد أصحابها بمسيرة نحو بلاد المحتل الإسباني لم تنزل من السماء وإنما شيد سكانها منازلهم و”براريكهم” على أعين أعوان السلطة والقياد المتعاقبين على المنطقة، فلماذا يعاقب المواطنون ويفلت المسؤولون من العقاب.

أذكر وأنا شاب في بدايات الثمانينيّات من القرن الماضي أن عمالة سلا في سنِيِّها الأولى بعد العهد الباشوي أقامت مشروع حي مولاي إسماعيل على هكتارات عديدة كان الهدف الأول منه هو توزيع البقع على سكان دور الصفيح، ووزعت البقع لكن دور الصفيح تضاعف عددها وتكاثرت أحياؤها، ولا تزال إلى اليوم توزع البقع وتتناسل “البراريك”؛ فهل لهذا تفسير سوى الفساد المستشري بين الإداريين ورجال السلطة.

وماذا كانت نتيجة هذا العبث؟؟

النتيجة: تضاعفت معدلات الجريمة التي عشعشت في أحياء مثل قرية اولاد موسى وحي سيدي موسى وحي الواد، حيث أصبحت مدينة سلا -مهدُ الفكر والدين ومقاومة المحتل-، أولَ أو ثاني مدينة من حيث ارتفاع معدلات الإجرام.

وما يقال في سلا يقال من باب أولى في الدار البيضاء وفاس وغيرهما.

لم يعد المغربي يأمن على نفسه وأبنائه ومتاعه، يمشي في الشارع والسوق وهو خائف يترقب، لا يستطيع أن يطيل المكالمة في هاتفه خشية أن يُنتَشل هاتفه وتبقى يده فارغة على أذنه.

لا أدري وأنا أتحدث عن الجريمة لماذا تذكرت “السي اسعيد” الطيب الوقور أحد جيراني الأعزاء، كان له حانوت بقالة بالقرب من منزلي، ذات يوم باغته أحد المجرمين، فسلبه عنوة وتسلطا قنينتي غاز فارغتين وهرب.

والعجيب أن المجرم يسكن غير بعيد منه، فهو في حكم جاره الجُنب؛ وأذكر أنه كان يلقب بالمكناسي.

ترك “السي اسعيد” محله وتبع المجرم، لحقه بعد عناء ومشقة، حاول أن ينتزع منه القنينتين، فدخلا في احتكاك خشن، لكمه المكناسي على عينه وأوجعه ضربا.

هرول أخونا اسعيد نحو محله فأقفله، ثم قصد مسرعا مصالح الشرطة، وبعد طول انتظار ووجع ممزوج بالإهانة والقهر رجع المسكين إلى محله بخفي حنين.

لقيته في صباح اليوم الموالي وقد ازرقَّت عينه، وكل معاني الحزن ارتسمت على محياه، قَص علي القصة، وختمها مستبقا أسئلتي: لن أراجع مصالح الشرطة مرة ثانية.

سألته متعجبا: لماذا؟؟

قال وهو متجهم محبط: لا فائدة..فإن كان على القنينتين فسيكلفني استردادهما ثمن ثلاثين قنينة، وأما كرامتي فقد انتهكت بضرب المكناسي، ولن يزيدها أمر متابعته إلا انتهاكا.

قصة جارنا اسعيد البقال الطيب الوقور، تلخص كيف يُصنع في بلادنا وقود الانفجار: الفقر والجهل والهدر المدرسي صنعت مجرما، والرشوة وإهدار الكرامة وغياب العدالة صنعت حنقا وذُلا يمنعان من الإحساس بالانتماء لهذا الوطن.

الانتماء للوطن الذي أصبح شعورا باهتا لدى مجموعة من الشباب المغربي، شباب بات لا يتوانى في التصريح بإسقاط الجنسية كلما أحس بالقهر واليأس.

إننا لا نتفق مع جمهور المغرب التطواني والشباب الغاضب الذي طالب بإسقاط الجنسية، سواء في تطوان أم وسط سكان دواوير عين السبع، لكننا ندعو إلى التأمل في هذا المطلب؛ وأن يكون محل دراسة وعناية من طرف من يهمهم أمر الاستقرار والأمن في البلاد.

فهو في نظرنا يختزل معضلات كثيرة، فإذا كان آباء هؤلاء وأجدادهم هم من قاتل المحتل الإسباني والفرنسي، فلماذا يطالب أبناؤهم هؤلاء بفتح الحدود للهجرة الجماعية  وينادون “تحيى إسبانيا”؟؟

إنها شعارات تختزل حقائق نسرد منها ما تبادر إلى الذهن في هذه العجالة:

– فشل نظام التعليم في تثبيت مقومات الهوية المغربية في نفوس النشء، وبناء الشخصية المعتزة بدينها وبلادها الأمر الذي جعل مسألة الانتماء للوطن من أوهن القضايا، بالإضافة إلى فشله في تخريج الأطر والكفاءات العلمية والفكرية التي تعول عليها البلدان والشعوب في إحداث النهضة والتقدم.

– فشل المشاريع التنموية نظرا لفشو الرشوة والفساد بأنواعه.

– غياب العدالة الاجتماعية الناتج عن توزيعٍ ظالمٍ للثروات واحتكارها من طرف الدوائر المقربة من السلطة.

– التفكك الاجتماعي الناتج عن تدمير الأسرة واستهداف منظومة القيم الإسلامية من خلال تشجيع الرذيلة والرداءة في كل الميادين، وضعف التصدي للمعضلات الاجتماعية مثل الزنا والدعارة والخمور والمخدرات والقمار.

– غياب الإرادة السياسة للنهوض بالمغرب، والذي يعكسه غياب خطط حقيقية لحل الملفات الكبرى العالقة.

– إفساد العملية السياسية من البلوكاج إلى التدخل في السير العادي للحكومة المنتخبة والتراجع عن مكتسبات ما بعد الاستثناء المغربي.

كل هذا وغيره كثير أفرز حالة من الإحباط واليأس جعلت الموت والحياة يستويان لدى فلذات أكبادنا، فرأيناهم طوال سنوات عديدة وإلى اليوم يرمون أنفسهم بأيديهم في البحر، ذكورا وإناثا، أطفالا وكبارا، شبابا وكهولا؛ فالإحصائيات الإسبانية تشير إلى أن نصف المهاجرين الذين يركبون قوارب الموت هم مغاربة.

إن هذا الجنون الجماعي الذي أصاب المغاربة يمكن اعتباره نتيجة حتمية للأوضاع العامة التي تعيشها النخبة المفروض فيها أن تحدث التغير وتخطط للنهضة ثم التقدم ثم الازدهار.

فسياسيونا أصبحوا رِمَمًا بالية تشتكي كراسي المسؤولية من طول التصاق أدبارهم بها، في غير نفع للبلاد ولا للعباد، أكبر همهم مضاعفة ثرواتهم وتيسير مصالح شركاتهم وشركات ذويهم وأقاربهم.

أما حقوقيونا فارتموا في أحضان الغرب، يبلعون التمويلات وأنواع الدعم المختلفة، ويتنقلون عبر العواصم الغربية لحضور المؤتمرات؛ وأهم اهتماماتهم الدفاع عن حرية الجسد والحريّة الجنسية والمساواة في الإرث.

أما ما يسمى الإعلام فهو إلى العهر أقرب منه إلى الصحافة إلا ما رحم ربي وقليل ماهم.

أما الباطرونا فهي كالسياسيين لا هم لها سوى الصفقات وتكديس الثروات واستنزاف مقدرات الوطن واستغلال المواطنين والاستفادة من السلطة وأصحاب النفوذ.

فكيف يجتمع كل هذا في زمان واحد ومكان واحد ولا تكون النتيجة ما يعيشه الشعب المغربي؟؟

ومع كل هذه القتامة وهذا الظلام نؤكد على أن الحل بالنسبة لشبابنا ليس في الحريگ ولا في الاستسلام لليأس والقنوط، وتناول المخدرات، بل في النضال والعمل من أجل التغيير حتى يقع الإصلاح.

أما من يهمهم الأمر فالعقل والدين يفرضان أن يبادروا إلى الإصلاح السياسي والاجتماعي الجذري؛ فإن إهدار المزيد من الوقت لن يكون إلا في صالح من يتربصون بالمغرب ويستعدون لالتهامه مرة أخرى، فالعالم الغربي قد دشن حملات احتلال جديدة، والنظام الدولي على وشك السقوط، وقد شهد بذلك الأمين العام للأمم المتحدة “علنيا” فقد قال قبل بضعة أيام:

“إن الثقة في النظام العالمي الذي يستند إلى القوانين بين الدول عند حافة الانهيار، وإن التعاون الدولي أصبح أكثر صعوبة”.

والخطير أن دولَ الإسلام بدأت تسقط في أيديه العفنة دولة تلو أخرى، ولن يرحمونا مهما توالت منا التنازلات ومهما التزمنا بالتنفيذ الحرفي للإملاءات، فالقرآن وجه وحذر.. والتاريخ الحديث شهد وعلَّم..

فهل مِن متذكر؟؟

وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم.

آخر اﻷخبار
2 تعليقان
  1. هذه المصائب التي نعيشها كلها بسبب البعد عن دين الله في كل المجالات السياسية التعليمية الاقتصادسة والمعاشية، والذي تم تغييبه وإلغاء و تغييب أحكامه وأخلاقه عن سبق إصرار و تعمّد .. فمن الطبيعي جدا أن يكون الوضع على ما عليه الآن و أن تخرج أجيال بعيدة كل البعد عن عقيدة وهدي الإسلام إلا من رحم الله ..

    نسأل الله حسن الخاتمة

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M