الوضع السياسي والعسكري على الجبهة بالمغرب 1915م

22 فبراير 2021 13:43
الوضع السياسي والعسكري على الجبهة بالمغرب 1915م

هوية بريس – ذ.إدريس كرم

الرسالتان اللتان سنقرأهما تحملان رؤية عامة ومفعَّلة بتدقيق، حول الحوادث في الشهور الأخيرة بالمغرب، وتبين المجهودات المبذولة والمنجزة

1- كيف تم بناء صيانة بنية المغرب؟

الرباط في 8 يونيو 1915

بالمغرب مثل كل جبهات القتال، سجل الربيع استئنافا عاما للنشاط العسكري بعد الحادث الدموي الحربي المأساوي لمعركة لهري في 13 نونبر 1914 حيث تم تسجيل أكبر خسارة استعمارية، مُنِينا بها في جميع مراحل غزونا لإفريقيا، إلا أنها لم تتمكن من تقويض صلابة النسق العسكري، والتسليحي، المعد من قبل الجنرال، بالرغم من عنف الصدمة وقساوتها.

بسرعة تم إغاثة حامية أرض خنيفرة بعد خمسة أيام من الفاجعة، من قبل قوات الجنرال هونري، مركزة على أماكن المعركة نفسها التي ظلت آمنة.

شيئا فشيئا ساد الهدوء الجهة البربرية بالأطلس المتوسط، برد الشتاء، والمثابرة الجلية لقواتنا تجاه الجماعات المعادية، لنا انتهت بتثبيط همة قبائل الجبال، وفتور مقاومتها لنا، في حين تواصل نشاط مفارزنا المتحركة، وتضاعف نشاطها، على طول امتداد الجبهة، لإحداث التوازن المطلوب.

الأمر الذي سمح لنا بصيانة المراكز المتقدمة في هذا الخط، وتسليحها حتى يتسنى لها مواصلة تزويد المتربول بوحدات جديدة وأطر، وأدوات، ومؤن من سائر الأصناف، في ظلال التهدئة.

لكن عملية اخنيفرة بفضل سرعة وحيوية التدابير المتخذة، لم يكن لها تداعيات عسكرية، يمكن أن تكون ذات بال بعد الإعلان عن خسائرها الكبيرة المتمثلة في 613 قتيل بينهم 33 ضابط، سقطوا -بلا مجد لكن بتماسك ورزانة، في هذه الجبهة البعيدة- حول المدافع وأدوات الحرب التي كانت عندهم، لتبقى بين يدي المعادين المقاومين تقوي مخططاتهم، بيد أن عواقبها السياسة لم تكن ذات بال.

كان الألمان منذ بداية العدوان علينا -في الحرب العالمية الأولى- بل قبله خصومنا الحقيقيون بالمغرب، فقد كنا نجدهم في كل معركة دامية نخوضها فيه، من أجل تأخير مخططاتنا السياسية، يحرضون المتعصبين على حصار مراكزنا المتقدمة، ومهاجمة قوافل تموينها في الطرقات، وكذلك فعلوا مع عصابات الهبة المتشددة، وعددا من حركات جبال البربر، ومقاتلي الشنكيطي ثائر تازا.

المنحدر من مركز ديني بموريطانيا الصحراوية كماء العينين، وكتائب الريسولي المستعد لشراء سلطته، والذي نصب نفسه سلطانا على بعض فخذات الريف؛ وكبار قادة الأطلس المتوسط أعداؤنا الأبديين: الزياني هذا المسن الإقطاعي، الذي اصطيد من قبلنا في خنيفرة، علي أمهاوش المشهور بسلطان الجبال، موحى واسعيد الخصم الثابت الملاصق للجنرال منجين، الهبة ابن ماء العينين قائد الرجال الزرق، وانتهاء بعبد المالك، الابن الأصغر لعبد القادر الساكن بطنجة الذي غادرها في بداية مار س 13 منه ليلتحق بالثوار في تازة عبر الجبال، ليكون على رأس قبائل غياتة والبرانيس الكارهين لنا ومعهم لفيف من القوات الفارة من جيش السلطان، المتمردين على حرابيهم الفرنسيين سنة 1912 والذين لهم به معرفة سابقة عندما كان ضمن صفوف حامية عرباوة في عهد مولاي عبد الحفيظ.

لقد كان على القيادة العامة بالمغرب العمل بجدية وحزم على تهدئة الأوضاع به، والتعامل مع النشاط المتنامي للريسولي، وتحركات الشنكيطي، والرسائل العديدة المقروءة في القبائل، الحاملة لطابع سلطان اسطنبول وسلطان ألمانيا (الحاج كيوم) المحرضة على الثورة في كل أنحاء المغرب.

لتحييد آثار هذا التحريض المتنامي، ضاعف المقيم العام رحلاته في الأقاليم، لتثبيت الوحدة الحميمية القائمة بين الحماية والسلطة الشريفة، والسعي للاستفادة منها في إقناع الأهالي بقوة فرنسا، وثقتها في المستقبل -عن طريق سياسة (ابتسم) كيفما كان الوضع، لأن ذلك يجعلك تمر في البلاد المعادية بسلام- ويكافح عواقب الدعاية الألمانية الإسلامية.

هذه التحركات، جعلته يتعرف عن الأوضاع في الميدان، ويحدد نوع التحركات العسكرية المستعجلة، التي يجب اتخادها لتوقيف أنشطة أعدائنا.

وقد لخص المقيم العام عند رجوعه لفاس الوضعية كالتالي:

لوحظ تعدد القلاقل والتهديدات على الجبهة الشمالية منذ حادثة معركة لهري، وتزايدت بشكل مفاجئ مند ظهور عبد المالك.

من جهة تكبد الريسوني خسارة جعله في مأزق بالمنطقة الإسبانية، الدعاية الشديدة التي بثت باسمه واسم عبد المالك أخافت قبائل الغرب، وشمال مكناس، حيث وقعت عدة اعتداءات.

من جهة أخرى الشنكيطي تمركز في مكناسة التحتانية، مما جعل مركز تازة في حالة استنفار دائم، أخيرا حامية خط السكة الحديدية كثيرا ما تعرضت للهجوم، وقد قتل جنديان يوم 5 ماي قرب توريرت، وقطع الخط الحديدي.

من أجل إيقاف تنامي هذه الحالة قرر المقيم العام اتخاد سلسلة من الإجراءات العسكرية ضد أعدائنا.

– في الغرب

أمر رؤساء المراكز بتوزيع دوريات للبوليس للقتال في الجبهة الشمالية الشرقية، بتعاون مع مفارز نواحي مكناس وفاس.

– شمال مكناس

كلف كولونا صغيرا بالقتال في مرتفعات زرهون لغاية سبو لتأمين ساكنتها -حيث لم تقم أية قوات بجولات هناك منذ مرور كلون الجنرال موانيي- لإزعاج الثوار المتواجدين بينه وبين سبو.

– في تازا

عين الكولونيل سيمون قائدا لناحية فاس وكلف بجعل الفرقة المحركة المتواجدة بمكناسة التحتية، في حالة تأهب لمواجهة لبرانس.

– أخيرا على جبهة زيان

أمر الفرقة المتحركة لتادلا بقيادة الكولونيل ديبليسي بعدما وزعت آخر سلسلة عملياتها التموينية لخنيفرة، بالتحرك للقتال بمنحدرات جنوب أم الربيع.

باختصار لمواجهة الاضطراب المستأنف المتزامن مع النشاط الألماني على كل جبهات الصراع، أمر بالعمل على الحد من التحريض والإثارة الألمانية في المنطقة الإسبانية في أقصى حد لها على خط: واد أمليل -تازا -امسون -تاوريرت، حيث مواصلاتنا تتزايد أهمية باستمرار.

المقيم العام أمر بالجواب بمجموعة عمليات ليس فقط على الجبهة المهددة لنا، ولكن على الشمال والجنوب في نفس الوقت، للقضاء على كل البؤر النشطة، واندار المحتمل انضمامهم للنشيطين ضدنا.

هذا الاستئناف العام للنشاط الذي بدأناه حسب كل منطقة بما يناسبها، لم يكن سوى العمل الأولي الذي سيتواصل تطوير برنامجه عمليا عندما سيعود الربيع، حيث سيمكننا من الاستمرار في تنفيذه، والعودة الفجائية لمهاجمة الدعاة المؤيدين لمعاداتنا.

بهذه الاستمرارية لعملنا العسكري المقتصر بشكل صارم على ضروريات اللحظة، والتي تم إقصاء أي نزعة لقهر جديد منها، تمكنا من الحفاظ على وضعنا في المغرب على الرغم من محاولات أعدائنا.

من أجل الانصياع لسياسة (الابتسامة) كان من الضروري إيجاد سياسة مطلقة وكاملة للحصول على ثقة النواحي الخاضعة، لكنه أمر شاق خاصة في الأحوال العادية.

المغرب لم يترك بالمرور للداخل أية فرصة للاحتفال دون إحيائها، سواء كان أثناء استقبال، أو تجمع مواسمي، أو غيرها وذلك من أجل إبراز ثقته في المستقبل للخارج بالعكس مجموعتنا المتحركة بلا هوادة في أصعب الظروف هي الأن بعيدة عن متناول القبائل المحمية بفضل نشاطها التواصل وقدرتها على التحمل، الحركات المعادية التي تدفعها الدعاية الألمانية رٌدَّت باستمرار عن حدودنا.

– القيادة العامة للشمال

بعد عملية لهري، قسم الجنرال هنري قواته على ثلاثة مناطق عسكرية وهي:

-1- ناحية فاس المرتبطة بأحواز تازة

-2- ناحية مكناس التي كانت توجد بها ملحقة

-3- اشراردة غداة عمليات زيان

-4- ناحية تادلا زيان مضاف إليها: دائرتي ولماس وخنيفرة.

هكذا تم تنظيم قيادته، وحدد توجيهات قادته الإقليمين، التي وافق عليها الجنرال المقيم العام، وأمر بالتزامهم في عملهم السياسي والعسكري على الجبهة المعادية لتقسيماته حتى فصل الربيع.

في مواجهة الجبهة الأمازيغية للأطلس المتوسط، يجب ربط عمل المجموعتين المتنقلتين في منطقتي مكناس وتادلة، لتكونا ضغطا مستمرا على المجموعات الجبلية المعادية.

يستند هذا الإجراء على الدعم العميق للناحيتين الخاضعتين والمنظمتين طالما الوقاية سارية رغم ضربة لهري.

يمكن للمجموعتين المتنقلتين التين مركزهما يطو، وقصبة تادلا، أن تلتقيا في أربعة أو خمسة أيام على أبواب خنيفرة بأمر مباشر من قائد منطقة تادلا.

دعم المجموعتين ثابت، كما نظم من قبل الجنرال هنري غداة معركة لهري الدامية.

وراء تحصين المراكز المعززة بالعمل الدائم لهاتين المجموعتين يتم تطوير العمل السياسي والإداري بشكل طبيعي في البلاد المنظمة التي تم إعادة غزوها بشبكة من المراكز، ونقط للدعم بمجموعات مباشرة، كيش أو مخزن يضع كمائن للجيش الذي يمكن أن يعبر أو يتخطى شبكتها على الجبهة.

هكذا كان نظام الجهاز في المنطقتين المواجهتين لجبهة الأطلس المتوسط، التي وضعه فصل الشتاء على المحك، ليس باقتصار الأمر على بقاء الموقع وصموده في وضع جيد بالجبهة بعد عملية خنيفرة، ولكن أيضا بما يقدم من فائدة للوضع قبل المعارك مما يسمح في الربيع بالتقدم خطوة جديدة أخرى نحو كيكو -من غير تكلف طلقة واحدة- مسافة 30 كلم جنوب خط المراكز المتقدمة حيث نادتنا القبائل التي ما تزال تعيش هناك.

في منطقة فاس تازا

تظهر الوضعية هناك أقل مواتية بكثير، بعد سحب قواتنا لتوجيهها نحو الجبهة الألمانية، فقد صار ممر تازا الذ ي جعلته عمليات كورو، وبومكارتن، عريضا وصلبا، قبل الحرب، عبارة خط للمواصلات ضيق ومعرض باستمرار للقطع والتوقف من قبل البرانس وغياتة، الذين عادوا للانشقاق والثورة.

الإطار المخطط لهذه المنطقة قبل الحرب كان قد صمم على قياس أعداد كبيرة من القوات بحيث يكون أوسع مما أصبح مع الأعداد المتبقية عند الجنرال هنري للتصرف بها، لذلك كان عليه وضع تكيف جديد تماما ملائم للمعطيات التي عنده وذلك للوصول من هذا الجانب لتصور ينفد قبالة الأطلس المتوسط، للوصول إلى الهدف، كان الوضع الأساسي يقتضي تكوين مجموعات متحركة ومتنقلة، تفتقر لها المنطقة تماما.

منذ التعبئة الأولى قام الجنرال بتوزيع الحاميات على مراكز محدودة المساحة الدفاعية وإزالة التوقفات غير الضرورية، وتطهير كل منخفض الممر، كي يصل لتشكيل مجال تازا ضمن الحدود المرتبطة بفاس وملازمة لتوريرت بالمغرب الشرقي مجموعتان كان هدفهما هو تطهير ممر تازا الذي كان يختنق ويقطع أحيانا بشكل دائم، والضغط على جزئه الشمالي المنتمي للبرانس الأقل مقاومة، وتوسيع مساره وجعله سالكا وأكثر فاعلية.

بالتوازي مع عمل المجموعات هذه الهادف للتقليل بالقوة من التضييق على ممر تازا من جهة منطقة فاس، التي أعيد تنظيمها وتقسيمها لأربعة مناطق هي: أحواز فاس، لحياينة، ورغة، صفرو، باستخدام العمل السياسي والعسكري الهادف لتطويرها من أجل احتوائها، وتوسيع محور تقدمها نحو الشمال، وورغة، أو نحو سبو، وأحواز فاس، بشكل غير محسوس به، في سلاسة ودون مشقة، سعيا لإقامة منطقة خلفية كبيرة حول عاصمة الشمال، والعمل قدر الإمكان على تقويتها في النواحي المجاورة، لمكناس وتادلا.

وفي النهاية: فثلاثة أضعاف البرنامج السياسي والعسكري سيكون بمثابة أساس تدبير قيادة الناحية ضمن القيادة العامة للشمال:

– ضغط مستمر قبالة جبهة البرابر

– عملية مؤقتة جنوب فاس

– تمشيط وتطهير جوانب الممر الموجود في بلاد البرانس وتوسيعه

هذا البرنامج الذي حضر بصبر طيلة شهور الشتاء الطويلة، ليكون جاهزا وقت الحاجة لمواجهة المنشقين إذا ما ظهروا على جبهة الريف (تابع).

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M