خطوة في العمل الفرنسي بالمغرب (1915م) (ج1)

28 مايو 2021 15:58
خطوة في العمل الفرنسي بالمغرب (1915م) (ج1)

هوية بريس – ذ.إدريس كرم

تقديم:

يقدم هذا التقرير الدوافع السياسية والعسكرية والاقتصادية والدعائية، المُتَغَيَّات من إقامة معرض الدار البيضاء، في بداية الحرب العالمية الأولى، من قبل سلطة الحماية بالمغرب، وفيه يستعرض الجهود المبذولة في غزو المغرب وتهدئته، وتسخير إمكانياته البشرية والاقتصادية لخدمة فرنسا في الحرب والدفاع عنها، وإظهارها في عيون الأهالي قوية، قادرة، على استمرارها في غزو المغرب بالرغم من كونها احتُلت من قبل ألمانيا.

كما أنه يهيء المجال للتجارة والصناعة الفرنسية، للحلول محل التجارة النمساوية الألمانية بالمغرب بعد الحرب.

ولم يفت التقرير، الزعم بأن الدعاية الألمانية الإسلامية -في إشارة للدولة العثمانية المشاركة في الحرب-أنها فاعلة في نفوس المغاربة المناهضين للحماية، منذ انتزاع توقيعها من السلطان مولاي حفيظ، المعادي لها حسب وصف الكاتب، والذي يرجع له سبب اندلاع تمرد القبائل على السلطات الفرنسية، وثورة العسكر الشريف على حرابه الفرنسيين، بعد إعطائهم الأمر بذلك، بعد التوقيع مباشرة، مستعرا بعض الخسائر البشرية العسكرية، التي منيت بها قوات الغزو في الأطلس بخنيفرة، وفي الساحل الغربي بدار القاضي، وغيرها من المواقع التي سنطلع عليها في القسم الثاني من التقرير.

الكلمات المفاتيح:

الأيام الدامية بفاس، معركة لهْري، معركة دار القاضي، مولاي حفيظ، ليوطي، مانجان سياسة الابتسامة، الحوز، الهبة، تادلا، بني امطير، كروان، زيان، ازعير.

نص التقرير:

افتتاح معرض الدار البيضاء 1915

أعلن عن افتتاح المعرض الفرنسي المغربي بالدار البيضاء، يوم 5 شتنبر 1915 هذا التاريخ الذي يجب أن يحتل من الآن فصاعدا، مرتبة في المسلسل الزمني لحوْلياتنا المغربية.

فبعد ثلاث سنوات من إنشاء نظام الحماية، وبعد عام من اندلاع الحرب، لم يكن المعرض الفرنسي المغربي، مجرد دليل على التقدم المحرز، بل هو أيضا دليل واضح على أن الجبهة المغربية سليمة، بفضل شجاعة قواتنا وتحملها.

فالمجموعات المتنقلة استمرت في بذل الجهد بلا حساب، لمواصلة التحرك من جهة لأخرى، بالرغم من الحرارة الاستثنائية، لضمان إنجاح المهمة العسكرية الثقيلة، التي جعلت من الممكن تحقيق مثل هذه المبادرة في معمعة الحرب، داخل مغرب هادئ موثوق منه.

نظمت هذه التظاهرة الاقتصادية الهامة في كل العالم وأيضا فرنسا، وفي مستعمراتها كالمغرب، استجابت لنداء المقيم العام، فقامت مختلف المصالح المختصة، بعمل حثيث كي يفتح المعرض في الوقت المحدد.

وقد اندهش الجميع من تنوع موارد البلاد المعروضة، وقيمة منتجاتها الطبيعية، وفائدتها الاقتصادية، وسرعة ازدهار البلاد، على الرغم من الحوادث التي شهدتها، مما يجعل المعرض تتويجا لنشاط المحمية، الاقتصادي والسياسي والعسكري، الذي لم تتوقف الحرب عنه للحظة واحدة.

وسيسهل المعرض الاتصال بين الصناعيين والتجار في المدينة، وينعش التجارة المحلية لمواطنينا “الفرنسيين” ليحلوا محل التجار النمساويين والألمان، التي أصبحت تجارتهم سائدة بالمغرب، بالنسبة لبعض المواد، ويتقووا، ليكون من الصعب إزالتهم بعد إبرام السلام.

ومن الوجهة السياسية، يعتبر المعرض دليلا واضحا على ثقة بسيطرتنا لا تناقش، في عيون الأهالي واطمئنان لا يتزعزع في نفوسهم، إنه دليل صارخ وملفت للنظر لعملنا المبدع، الذي “يظهر كيف أنه بالرغم من ادِّعاءات أعدائنا، الذين ينشرون ويذيعون، بأن الفوضى تسود المغرب، فإن هذا البلد يواصل تنميته مع زيادة شدة الحرب”.

لقد تم اغتنام هذه الوسيلة على وجه السرعة لإحْماء ثقة الأهلي بنا، وإبقائها في درجة الحرارة المناسبة، أثناء استمرار الحرب، ليساهموا في تسريع برنامج الأشغال العامة والحفاظ على السلام داخل المحمية.

إنه في المجمل مجرد نسخة سعيدة من “سياسة الابتسامة” التي تصورها الجنرال ليوطي في بداية الحرب، في نفس الوقت الذي دعا فيه للحفاظ على “الدِّرع” التي تمسك به قواتنا الأمامية البلاد بقوة.خطوة في العمل الفرنسي بالمغرب (1915م) (ج1)

هذه اللفتة السعيدة -التي يجب أن تساهم في الازدهار المتزايد للبلاد-ستحول بالتأكيد العقول لبعض الوقت على الأقل، عن دعوات للجهاد “الحرب المقدسة” ضد تواجدنا بالمغرب، التي تتسلل من الخارج للداخل، تحت ضغط الدعاية التحريضية لأعدائنا.

كون مثل هذا الحدث يتم بعد عام من الحرب، أو ثلاث سنوات من بسط الحماية على المغرب، الذي تتواصل فيه عمليات أكثر غزونا وحشية يوما بعد يوم، يلفت النظر هناك لحقبة بطولية تثري تاريخنا بفصول مجيدة جديدة، كُتِبت بدماء جنودنا، تحت عناوين معارك خالدة.

إن المهام المنجزة بالمغرب، شاهدة على نوع سلالتنا التي تصارع اليوم، وتدافع ضد الخطر الأكبر، الذي لم يسبق أن هدد وجدها أبدا.

وعلى غرار بطولة المقاومة بالجبهة، التي تشهد على حيويتنا وثقتنا بمصير البلاد، في هذه الساحة الحرجة، بالبلد التي يحتاج الإنسان الضعيف فيه، للتآزر حتى يستعيد ثقته بنفسه؛ يسجل تاريخ المغرب في الثلاث سنوات الماضية، كل يوم، إقامة معجزة جديدة فيه، نابضة بالحياة اليومية، ذلك أن كل صفحة من هذا التاريخ، تكشف عن رغبة حماسية للحياة، وتطلع عنيد للتقدم، لا يستطيع شعب في حالة انحطاط أن يظهرها بوضوح.

من هذا المنطلق، تعتبر هذه التظاهرة المغربية، بمثابة رمز يعيد الثقة مجددا، لمن كان يميل لليأس، ويتذكر التقلبات المؤلمة التي سبقت إعلان إقامة المعرض، ومقارنتها مع إنجازات اليوم

لنتذكر الأيام الدامية بفاس، مع بداية انتزاع عقد الحماية-من معادات مولاي حفيظ- ممهورا بأسماء 68 ضحية من ضحايا التعصب الإسلامي، كثمن للاعتراف بالحماية.

نحن نعلم الظروف التي وصل فيها الجنرال ليوطي لفاس يوم 25 ماي 1912، لتولي إدارة الشؤون، فهوجمت المراكز الأمامية في نفس المساء الذي حل فيه بالمدينة، وأعطي الأمر بانقضاض الحركة البربرية على أسوارها القديمة، وبذلك اشتعلت الثورة دفعة واحدة بها وحولها، وأبعد منها:

بني امطير، كروان وَازْعير، هددوا خط المراحل، التدلاويون دفعوا من قبل الزياني لمهاجمة مراكزنا في الشاوية، وفي الجنوب كانت انتفاضة مَهْدَويُّو الْهِبة، صاحب سوس والأطلس، قد هددت مراكش من قبل.

في خضم كل هذه الآلام والأخطار التي هددت تواجد الحماية في ساعتها الأولى، لم ييأس أحد، بفضل تعليمات قائد، عرف كيف يلهم الجميع بشكل هادئ، الثقة في المستقبل،

تحت قيادته النشيطة، وتوجيهاته النيرة، فبدأ الجميع في العمل، وفي غضون عام أبعد المغرب نهائيا، القبضة التي كانت تهدد انطلاقه.

من أجل إنقاذ مواطنينا المحتجزين من قبل الهبة، تم احتلال مراكش بأسرع مما كان متوقعا، وعلى الرغم من حادثة دار القاضي، فإن الحوز برمته هادئ ومنظم، تم غزو قوي لتادلا، بعدة ضربات عنيفة متتابعة من قبل كلون منجان، وقد خضعت من الآن فصاعدا للقاعدة المشتركة.

قام الجنرال براندلات بتهدئة بلاد ازعير والجنرال هنري بتهدئة بلاد بني امْطِير، اللَّتان سبق تنظيمهما بالفعل.

في منطقة فاس، عاود الجنرال كورو التقدم نحو تازا، الذي كان قد بدأه الجنرال بومكارتن من الجانب الشرقي للمغرب.

طيلة سنة 1915 كنا ندعم المواقع المكتسبة بكل مكان، في نفس الوقت الذي كنا نعمل على تنظيم وتهدئة المناطق الجديدة المغزوة سنة 1914 وجعلها تندمج في الحياة الاقتصادية، وتفتح لمشاريع الاستعمار.

تعتبر 1914 سنة تحقيق الإنجازات العظيمة التي توقفت فيها الحرب الوحشية تماما بالمغرب، فيها تمت المسيرة المنتصرة على تازا، والمعارك البطولية لكولونات كورو، ومد اليد للجزائر بلقاء 16 ماي بأمر من الجنرال ليوطي بين قوات المغربين الشرقية والغربية، وأنجزت فيها المهمة الرائعة باخنيفرة تحت إشراف مقتدر للجنرال هنري، الذي سلمنا في ثلاثة أيام بلاد زيان، وقام بتصحيح خط دفاعنا لحسن الحظ، إنه التحرك الذي أعطى للمغرب في خضم المرحلة نموا، تأخرت مجهوداته، من غير أن تتوقف.

نحن نعلم منذ ذلك الحين ما قدمه المغرب لفرنسا، في نفس الوقت الذي كانت خالص دماء 40 كتيبة من أبنائه تسيل ببطولة لحماية شارلوروا، وفي ييسر، وأيبارجي، ونوطردام دولوريط، وسوءي، كان يزود فرنسا أيضا بالمعدات والقوات الرديفة، والأطر الضرورية ومختلف الموارد من جميع الأصناف

ومع ذلك كان المغرب يدافع عن نفسه بأعداده الصغيرة، ضد التهديد المستمر الوارد من الخارج…وكم كانت جسيمة، تكلفة المعارك بعد انسحاب الجيوش الفرنسية من الجبهة البربرية، متوجهة للدفاع عن الوطن الفرنسي، وما وقع بعدها من معارك ضارية حول اخنيفرة، وما تبعها من مواجهات دموية، توجتها مغامرة لهري التي كلفتنا مقتل أكثر من 600 رجل بينهم 33 ضابط.

يمكن للمرء أن يميز بسهولة من خلال الاندفاع الغاضب للحرْكات البربرية على مواقعنا، العمل السري لألمانيا، التي كانت لفترة طويلة تعد للانتفاضة، بدعاية عنيدة ومؤامرات غادرة عن طريق عملائها، الذين كانوا يهربون الأسلحة لقادة الثورة بالأطلس والريف والجنوب، قبل الحرب وأثناءها.

وعندما فشلت ثورة البرابر، وتمكن الجنرال هنري من تثبيت الأوضاع في الجنوب، استدار نحو جبهة الريف، حيث كانت ألمانيا تحرض مرة أخرى على هذه (الدفعة) العدوانية العامة،

والتي لم يكن بوسع قواتنا المرهقة أن تنهيها إلا بعد تضحيات جسيمة وجهود مؤلمة.

المجلة (افريقيا الفرنسية)تقدم تفاصيل ذلك العمل المنجز من قبل الكولون، منذ الربيع، في بلاد البرانص والغرب، وورغة، والذي تم به القضاء على جميع الأخطار المباشرة هناك، بالرغم من استمرار الدعاية الألمانية النشيطة والعنيدة في جميع الجبهات، لأن نجاحات الماضي كانت هي ضمانات المستقبل.

باستعادتنا للساعات الصعبة في الأيام الأولى للحماية، وما عاناه الكولون فيها من آلام المعارك الدامية بدار القاضي، وتادلا والسير المنتصر لكل من تازا واخنيفرة، والانقضاض على تجمعات البربر لقمعهم وكبح جماحهم لنعترف اليوم بالعمل الحقيقي الذي تم تنفيذه، والذي يعطينا قوة وإرادة جديدة، أمام طول الصراع الذي ترك في النفس لحظات من الشك، جعل ذلك، من وجهة نظر أخرى، أن يصبح العمل المغربي بالنسبة لكل واحد منا، مدعاة راحة وطمأنينة.

—————-

مجلة إفريقيا الفرنسية؛ ص:251-252؛ سنة1915

…يتبع

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M